شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
اليمنيّون في أمريكا: التقوقع داخل التقاليد والخوف من نقدها

اليمنيّون في أمريكا: التقوقع داخل التقاليد والخوف من نقدها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 20 فبراير 201905:09 م

يقيم على أراضي أمريكا بشر من كل الأعراق والأجناس الوافدين من جميع أنحاء العالم، ومع ذلك، ما زالت الحياة للوافدين الجدد إلى أمريكا تسبب صدمة ثقافيّة، وهي بالطبع أمر مفهوم وطبيعي، نظرًا لاختلافات عديدة يلتقي بها الوافد في المكان الجديد، خاصة لو تحدث لغة أخرى، والتقى ببيئة مختلفة وحتى بمناخ مختلف.

من الوافدين إلى أمريكا، ولأسباب عديدة، تتجسد باللجوء والهجرة، نجد المهاجرين من اليمن، حيث يتناول هذا المقال بعض تفاصيل هذا الاغتراب بالنسبة لليمني. يصل المغترب اليمني وافدًا إلى أمريكا حاملًا عادات اليمن وتقاليده، فلا يجرؤ على تغيير أي شيءّ من العادات المجتمعية، وبعضها قد يكون عائقًا أمام التفكير والطموح والتأقلم في مكان جديد.

للأسف، تفتقر الجاليات اليمنية إلى الوعي الكافي والقيادات الحكيمة، إذ ما زال بعض اليمنيين في المهجر يعيش في جلباب عادات اليمنّنة وجلباب أبيه منذ صغره حتى يشيب، فينظر الوالد إلى ابنه على أنه أداة للاستخدام وغرض للعرض؛ فإذا ما أكمل دراسته الثانوية، زجّ به في أحد المطاعم أو في باخرة ليجلب له المال، فلن تكون "رجلًا" إلا إذا جلبت المال وتزوّجت ابنة عمتك أو ابنة خالتك أو ابنة صديق والدك. ثم على النقيض الآخر، ينكر الأب على ابنته الذهاب إلى طبيب غير مسلم للعلاج، حتى لا تنكشف أمام رجل غريب أو أن تلد في مستشفى يعج بالأطباء الرجال!

لذلك يحاول الآباء اليمنيون زراعة العادات والتقاليد في أولادهم وكأنها جزء لا يتجزأ من هويتهم وشخصيتهم حتى يكبروا وهم متأقلمون معها لا ينفرون منها ولا ينتقدوها. فالمجتمع اليمني في أمريكا، من شدة اهتمامه بالعادات، لا يرى الاختلاف والتنوّع كميزة، بل يراها مساحة للخلاف والمشاكل، فتجد البعض يهذي بسطحية عن كل شيء، معتقدًا أنه يغيّر مجريات الأحداث في نرجسية مضحكة، تكشف قصر النظر وانعدام الفهم. وكما قال الكاتب المغربي، عبد الإله بلقزيز: "ليس التراث مقدساً، ولا مدنساً، ولا حلبة مواجهة، إنه موضوع للمعرفة فحسب".

يصل المغترب اليمني وافدًا إلى أمريكا حاملًا عادات اليمن وتقاليده، فلا يجرؤ على تغيير أي شيءّ من العادات المجتمعية، وبعضها قد يكون عائقًا أمام التفكير والطموح والتأقلم في مكان جديد.
المجتمع اليمني في أمريكا، من شدة اهتمامه بالعادات، لا يرى الاختلاف والتنوّع كميزة، بل يراها مساحة للخلاف والمشاكل، فتجد البعض يهذي بسطحية عن كل شيء، معتقدًا أنه يغيّر مجريات الأحداث في نرجسية مضحكة، تكشف قصر النظر.
لست أدعو هنا للذوبان في ثقافات أخرى أو التخلي عن هويتنا، لكننا لن نخسر شيئًا إذا أعدنا النظر في منظومة العادات والتقاليد وحتى القيم عندنا، وأعدنا ترتيبها وملاءمتها لأشكال حياتنا المتغيّرة وللعصر الجديد.

لست بالطبع محاربًا لكل العادات والتقاليد اليمنيّة، فمنها ما هو جميل، ومنها ما هو بغيض، ويحتاج منا التوقف والتدقيق، إلا أن أدعياء وتجار الدين لا يسمحون لك بأن تتحدث أو حتى تفكر وتناقش، لأنهم جعلوها مقدّسة بقدرة قادر، ومن يتجرأ ويستفسر ويتساءل عن عادة أو تقليد ما، يصبح خارجاً عن الملة وكافراً!

ولست أدعو هنا للذوبان في ثقافات أخرى أو التخلي عن هويتنا، لكننا لن نخسر شيئًا إذا أعدنا النظر في منظومة العادات والتقاليد وحتى القيّم عندنا، وأعدنا ترتيبها وملاءمتها لأشكال حياتنا المتغيّرة وللعصر الجديد.

التقوقع في الماضي ومحاربة كل الأفكار الجديدة، ومعرفة البيئة الحديثة التي نعيشها، خوفًا من التغيير، هذه كلها لن تساعدنا في بناء الوطن، فليس كل ما حواه التراث من أعراف وتقاليد وأفكار يتوافق مع النهج الحضاري المتجدد، وهذا لا يعني طبعًا أن ننسلخ عن قيمنا الجميلة، بل أن ندرك كيف نتفاعل مع واقعنا المتغيّر، وأن نكون جزءاً من هذا العالم الكبير لا بمعزل عنه.

فغالبية المجتمع اليمني في أمريكا ترفض الاختلاف والتنوع بحجة "تعارضهما مع الدين وعادات اليمن"، فأصبح اليمني هنا نُسخًا متطابقة من أفراد مجتمع ضعيف وغير متماسك، لا أثر له ولا كيان ولا صوت، حتى أصبحت هذه التقاليد قاتلة للأمل والطموح فينا وقاتلة للجمال أيضًا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image