شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الهجرة إلى لبنان؟ طوّل بالك علينا شوي

الهجرة إلى لبنان؟ طوّل بالك علينا شوي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 25 يناير 201908:05 م
يتأمل الباحث في تاريخ لبنان المواد البصرية العائدة لهذا البلد في سبعينيات القرن الماضي وما قبل، مقارناً إياها بمواد اليوم البصرية. نجح حُكّام لبنان في التّفوق على أي أعجوبة، لبنان السّبعينيات أكثر تحضّراً من لبنان اليوم والغدّ. كالعادة، فور وصولي للعمل، تفقّدت رسائلي وكانت المفاجأة. شابٌ مصري عمره كمثل عمري، يطالبني بمساعدة للحصول على فرصة عمل في لبنان، كيف لي أن أصارحه بالحقيقة؟ وعن أي فرصة عملٍ يتحدّث في بلدٍ يهاجر من شبابه قرابة ال 72 ألفاً سنوياً بحثاً عن العمل والأمن والأمان العائلي.

إقتصادٌ منهار

يطلّ حاكم مصرف لبنان دورياً على الشّاشات مطمئناً المواطنين على وضع الليرة، سعر صرف الليرة اللبنانية ثابتٌ مقارنة بالدّولار، لا مشكلة، طمأنة المواطنين واجبٌ على ليرةٍ تشتاق لها جيوبهم، وعلى اقتصادٍ ريعي، كانت المصارف عماده واليوم انخفض تصنيفها بحسب "موديز" بسبب الخوف على قدراتها الائتمانية. عشرات المؤسسات الاقتصادية الكبيرة ومئات المؤسسات والمحال التجارية الصّغيرة أغلقت أبوابها قبل عامين وهناك أخرى على طريق الاقفال. تشرّد العاملون في الشّوارع أو آثروا مغادرة البلاد، في وقتٍ كانت الوعود الانتخابية بتوفير 900 ألف فرصة عمل يؤمّنها مؤتمر التّسول "سيدر"، لتظهر الصّورة الحقيقة بعد نتائج الانتخابات تدريجياً. لا فُرص عمل، بل 5000 آلاف وظيفة حكومية عشوائية يدفع المواطن للفائزين لها معاشاتٍ شهرية، إضافةً إلى سلسلة رتبٍ ورواتب غير محسوبة النّتائج، مع تمنّع وممانعةٍ ورفضٍ للمسّ برواتب النّواب السّابقين،  التي يصل مجموعها مع مجموع رواتب النّواب والرؤساء الحاليين: 107 مليارات و735 مليوناً و542 ألف ليرة لبنانية سنوياً.
فور وصولي للعمل، تفقّدت رسائلي وكانت المفاجأة. شابٌ مصري عمره كمثل عمري، يطالبني بمساعدة للحصول على فرصة عمل في لبنان، كيف لي ان أصارحه بالحقيقة؟ وعن أي فرصة عملٍ يتحدّث في بلدٍ يهاجر من شبابه قرابة ال 72 ألفاً سنوياً بحثاً عن العمل والأمن والأمان العائلي.
كيف أصارح الشّاب المصري بحقيقة رغبتي أنا بالهجرة من لبنان والهروب من التّلوث، من محارق النّفايات التي تلوح صفقتها في الأفق، من زحمة السّير والشّعارات الرّنانة، من وقحين برتبة مسؤولين؟! إنسى

وضعٌ اجتماعي متردٍّ

يمكن للبناني ان يتغنّى بالتعايش المشترك كل دقيقة، بينما على الأرض يعارض هو ذاته، كل محاولةٍ للوصول إلى دولة بقوانين مدنيةٍ عصرية، بالرّغم من أن الدّستور اللبناني ينصّ على مدنية الدّولة، فيخالف رئيس الجمهورية الدّستور لا سيما المادتين 95 و96 رافضاً تطبيقهما، ليحرم بذلك النّاجحين بامتحانات مجلس الخدمة المدنية من الالتحاق بالوظائف التي تقدّموا لها، فالمادة 95  تنص على أن لا تتناقض القرارات التوظيفية مع مقتضيات الوفاق الوطني، والمادة 96 ألغت قاعدة التمثيل الطائفي ونصت على اعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة، باستثناء وظائف الفئة الأولى التي يُعتمد فيها مبدأ المناصفة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، لكن لرئيس الجمهورية رأياً آخر، فهو يعتقل مراسيم التّعيين ويصادرها حارماً النّاجحين من حقوقهم. يمكن لأي قضية أن تخلق جبهات اقتتالٍ افتراضية، كأن مواقع التّواصل الاجتماعي تلعب دور المرآة التي تعكس مشاكلنا اليومية، هذا سياسياً، لكن على الأرض ذاتها أيضاً، لا يكترث اللبنانيون لأي مشكلةٍ سياسية، لا مجال لهذا التّرف الفكري في وقتٍ يتسابق المواطن مع لقمة العيش، ومع فواتير الكهرباء والمولّدات المافياوية التي شرّعتها الدّولة واعتُبر تشريعُها انجازاً لعهدٍ قوي على الصّحافة والصّفقات المشبوهة.

تلوثٌ قاتل

كذلك تنتشر فيديوهات تلوث النّهر الأكبر في لبنان، نهر الليطاني، تباعاً على مواقع التّواصل، تقدّم مصلحة حماية النّهر إخباراتٍ قضائية دورية، يقفل القضاء بعض المصانع التي تسمم النّهر وتسرطنه، فيتدخل أهل السّياسة لحماية الملوّثين من أصحاب المال والأعمال. لا مشكلة في إصابة أهالي ضيعةٍ بقاعيةٍ بمرض السّرطان، المهم أن يبقى المعمل على قيد العمل. كيف أصارح الشّاب المصري بحقيقة رغبتي أنا بالهجرة من لبنان والهروب من التّلوث، ومن محارق النّفايات التي تلوح صفقتها في الأفق، من زحمة السّير والشّعارات الرّنانة، من وقحين برتبة مسؤولين؟! إنسَ.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image