شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
نختار الحب الذي نعتقد أننا نستحقّه

نختار الحب الذي نعتقد أننا نستحقّه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 11 ديسمبر 201808:30 م

تصحون ذات صباح، بعد علاقات غرامية عديدة فاشلة، وها قد وجدتم الحب. تعرفونه ويعرفكم. تشعرون به في أعماقكم دون أدنى شك فذلك الشخص يحبكم بصدق. تعيشون معه أوقاتًا ممتعة، تشعرون أن ذاتكم مشبعة، وأن روحكم تملأ الفضاء أملاً وإرادة بالتقدم والإنجاز والتعبير. لكن زاوية ما في قلبكم ترتعش خوفًا. خوف غير مبرر في الظاهر، ليس بوسكم فهمه أو السيطرة عليه. خوف يجعلكم تغلّبون قلق الغد على فرح اليوم. فتجدون أنفسكم في مواجهة ذلك الحب، تمتنعون عنه، تحاربونه وكأنه آت لتدميركم فتبعدونه أو تبتعدون عنه. لم كل تلك المقاومة؟ لماذا ترفضون شعوراً لطالما تمنّيتموه؟ هل تخشون أن يحبّكم الآخر؟ تشعرون أنكم لا تستحقون ذلك الشعور؟ أم أنكم تمرّستم بالألم فأصبح رديفًا للحب بالنسبة لكم؟

الحب استعداد، وليس نصيبًا

"نختار الحب الذي نعتقد أننا نستحق"، عبارة قالها الكاتب الأميركي ستيفن شبوسكي من شأنها أن تخرج الحب من المفهوم النمطي المرتبط بالنصيب والصدفة إلى الخيار الشخصي الذي يحصل في الوعي كما في اللاوعي الإنساني. كثيرون منكم عاشو تجارب عاطفية مدمرة أثّرت بالطبع على صورتكم الذاتية وعلى نظرتكم العامة للحب فأصبح بالنسبة لكم شعوراً موجعاً تريدون الاحتماء منه لكنه في الوقت ذاته بقي حاجة أساسية لديكم، الأمر الذي يولد الصراع الأزلي بين ما يختاره القلب وما يختاره العقل. إن كان الحب استعاداً وخيارًا فلماذا يختار الكثيرون شركاء غير مناسبين، عنيفين، يسيطرون عليهم ويدمرون لهم أحلامهم فيتحولون شيئاً فشيئاً إلى دمية تحركها أهواؤهم ومزاجهم ويرمون عليهم مشاكلهم ومخاوفهم؟ لماذا نأتي بأشخاص إلى حياتنا تحت مظلة الحب، الشعور الأسمى في الحياة والذي من المفترض أنه رديف السعادة، ليسببوا لنا الألم والخيبة؟ من الذي جعلنا نظن أننا نستحق أن نتألم؟
في أعماق قلبنا وربما دون أن نعي ذلك في الواقع، نشعر أننا لا نستحق الحب، أننا نستحق الألم. لذلك نأتي بأشخاص ليلعبوا دورهم في إيذائنا.
لن تستطيعوا العبور إلى الذات المحبوبة، لا منكم ولا من الآخر. لن يحبكم الآخر إن لم تبدأوا بذلك أنتم. ولن تستحقوا الحب إن لم تسامحوا أنفسكم.
والسؤال الآخر الذي لا يقل أهمية هو لماذا نضنّ على أنفسنا بالحب الحقيقي، الذي يعلّينا وليس ذاك الذي يريد إلغاءنا؟ فنهرب منه كأنه وباء قاتل.

لوحة العشاق IV لرينيه ماغريت

الجوهر في الإجابة هو العلاقة مع الذات وما يشوبها من نواقص وعقد غير محلولة بعد. أن نحب ذاتنا يعني أن لا نقبل لذاتنا أن تتألم. أن نحضنها، نعاملها برفق، نضعها في الأولوية ونحميها من أي خطر. بمعنى آخر أن نكون في علاقة مدمرة أو أن نتهرب من علاقة عاطفية صحيّة مع شخص يحبّنا ويقبلنا كما نحن، هذا يعني أن علاقتنا الأولى، أي العلاقة مع الذات يشوبها الكثير. أي أننا في أعماق قلبنا وربما دون أن نعي ذلك في الواقع، نشعر أننا لا نستحق الحب، أننا نستحق الألم. لذلك نأتي بأشخاص ليلعبوا دورهم في إيذائنا. أو في المقلب الآخر إن كنا مع شريك يحبنا ونحبه وأن العلاقة لا يشوبها شائبة، تصحو فينا أسئلة سوريالية عن العلاقة والمستقبل ويكثر الشك والخوف فعوض أن نستمتع باللحظة الحالية ونسمح لرغباتنا ولأحلامنا أن تأخذ شكلاً في الواقع، وبدل أن نسمح لهذا الحب أن يسكننا ويكبر فينا ونكبر فيه، نهرب إلى المستقبل المجهول وإلى أحلام ورغبات لا هوية لها ولا صفة محددة. ولأننا نشعر أننا نستحق الوحدة أو أننا أصغر من أن يحبنا شخص ما بهذا القدر، نركن إلى الهجر أو إلى افتعال مشاكل ليتركنا فننال ما نريد. لما كل ذلك القصاص؟ على ماذا نعاقب أنفسنا؟ ما هو الذنب أو الذنوب التي اقترفناها بحق الحياة أو الأهل أو الدين أو الآخرين لكي نستحق ذلك الألم العظيم؟

سامحوا أنفسكم أولاً

ما علاقة مسامحة الذات بالحب والاختيار السليم ؟ كيف يكون ترميم العلاقة مع الذات باباً لعلاقة صحية مع الآخر؟

via GIPHY 

نسترجع قولاً نسمعه كثيراً : إن لم نحب ذاتنا لن يحبنا الآخرون. ولن نحب ذاتنا إن لم نسامح ذاتنا. ربما تعتقدون أنكم لم تفعلوا شيئاً عظيماً أو خطيراً تحتاجون مسامحة أنفسكم عليه. لكنكم إن دخلتم أعماق روحكم وجدتم الكثير الكثير. استرجعوا ذكريات وأحداث الماضي، فستجدون الطفل الذي فيكم عوقب على أمور كثيرة، شعر بالذنب، بالخوف من البوح، بالخوف من خسارة من يحب، عاش عدم استقرار معيّن مع الأهل أو في المجتمع أو مع أصدقائه. ستجدونه سكت عندما كان يريد الكلام، شعر بالعجز فامتنع عن القيام بأمر ما، شعر بالذنب لأنه سبب بحزن ما لأهله لأنه لم يصلِّ أو لم يقم بواجباته المدرسية كما هم يريدون، أو لم يختر أصدقائه حسب مزاج الأهل، أو لم يدرس التخصص المناسب لهم، أو لم يختر شريكة حياته أو هويته الجنسية كما يفترض الدين والمجتمع.

كل ذلك التناقض بين الرغبة والتصرف، وذلك الكبت الذي ينتج إما عن الخوف من العقاب أو الشعور بالذنب والخسارة ومعهما صورة ذاتية مشوهة عن طفل لم يكن على قدر توقعات الآخرين فخذلهم. إن لم تسامحوا ذلك الطفل على ما فعل أو لم يفعل، إن لم تعترفوا بميزاته وجماليات شخصيته المختلفة التي لا تستطيع بالفطرة الانصياع لأي قواعد لا تقنعه. وتسامحوا مع الآخر الذي حاول تحجيمكم في الصغر ووضعكم في قالب يشبههم فهم لا يعرفون عكس ذلك وفاقد الشيء لا يعطيه. لن تستطيعوا العبور إلى الذات المحبوبة، لا منكم ولا من الآخر. لن يحبكم الآخر إن لم تبدأوا بذلك أنتم. ولن تستحقوا الحب إن لم تسامحوا أنفسكم وتقولون لذلك الطفل الصغير: إذهب.. لم أعد أحتاجك بعد اليوم، لم أعد أريد أن أتألم ولا أن أندم ولا أن أكون شخصاً لا يشبه ذاته ولا أن أعاقب ذاتي في الحب وفي عملي وفي حياتي. حينذاك ستتخلصون من الخوف من الوحدة والهجر وستختارون أشخاصاً يشبهون تطلعاتكم ورغباتكم. وحينذاك أيضاً سيأتي هؤلاء الأشخاص وستعرفون كيف تبنون علاقة جميلة معهم وتستمتعون بكل لحظة معهم لأنكم تعرفون أنكم تستحقون كل ما هو جميل، لكنكم لن تذوبوا فيهم لأن اليوم لكم ما هو أهم: ذاتكم النظيفة المطهّرة من ذنوب الماضي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard