أخطئ أحيانًا كثيرة في محاولة ترديد ما اعتيد على ترديده أثناء القيام بأفعال اجتماعية يلحقها تقليد بنطق شيء ما؛ أحاول افتعال التناغم وإزاحة النّظر عن وجودي ثمّ أفشل بطريقة مبهرة، هناك أشياء تقال بعد انتهاء أحدهم من الطعام، أشياء تقال في كل طقس من طقوس مجالس العزاء، أشياء تقال أثناء اقتناص الفرح، الخ، لكن لا، لا تسعفني البديهة، أخلط هذا بذاك، يخرج أحدهم من الحمّام وأقول له: عافية، تحزن صديقتي وأواسيها: صحّة، يصبّ لي صديق قهوة في عزاء والده وأنطق: "دايمة"، الخ.
عرفت مبكّرًا أنّي يجب أن أسكت فقط، ينفع السّكوت في قول ما أريد قوله، بافتراضٍ من الآخر أنّ هذا ما كنت سأقوله، وأنا سأجمع تلعثمي وارتباكي كسرّ. هذا لأقول، أنّ المقاطع هنا، رغم أنّها لا تبدو كذلك، كتبتها بشكل منفصل لأجل أشياء مختلفة ومتباعدة الأزمنة؛ جزء من رسالة طويلة كتبتها لمريم حمود عن اللاشيء، مقطعٌ عن انتحار إله لم يصدقه أصدقاؤه، انطباعٌ بعد نبش آلة التار الفارسيّة شدّني إليه همام السّليم، وغيره.
1/
حسن كانَ عاطفيًّا رقيقًا، حسّاسًا، شديد النّبل والشّهامة، وكان يحبّ الكتابة، التّسجيل.
هكذا مات حسن، العاطفيّ الجّميل، الرّقيق، الحسّاس، هذه هي قصّة حسن الذي لم يستطع تغيير وجه العالَم.
الهدوء، أثناء عاصفة، هو أن تكون قادراً، على الإنصات، والمشي، والتحدث، والضحك، والتقاط الروائح، وفعل كل ما عقلك يريد، دون أن تنسى، بحسّك، أنك تبحث عن اللبلاب، وأن هناك عاصفة.
أشتاق حتّى أشخاصًا لم أعرفهم، غرباء كانوا يمرّون قربي بشكلٍ مستمرّ، وبشكلٍ مستمرّ كانوا ذات الغرباء، ألا يجعلهم هذا أقرب قليلًا؟ لا؟
ننسى طبعًا، ما الذّكريات؟ الآلات وحدها تسجّل كلّ شيء./4/ يذهبون كانوا، أصدقاء لي، يلتقون ويمشون قرب النّهر، يُخبرون قصصهم، ما حدث وما يشتهون حدوثه وما سيفعلونه، أمشي كنت معهم، صامتًا، أسمعهم ولا أسمعهم، قربهم مشيت فقط، وما كان لديّ ما أقوله. والعوائل، تعوّدَت إحضار أبنائها للأعراس والمآتم، والجميع ما زال شديد الحفظ والتّكرار لمجاملات الأعراس والمآتم، وأنا بينهم أتجوّل اعتدت صامتًا، أراقب وجوههم، أبكي إن بكوا، وأضحك معهم، وليس عندي ما أقوله. أمّي تسألني عن الطّقس كلّ يوم، وتجيب كلّ يوم: يبدو باردًا، قرأت الأخبار، متى ستأتي؟، يقولون أنّ الجبهات أغلقت، سيفتتحون جامعات جديدة، هل تعمل؟..، وعندما تصمت هي لحظة، أصمت، ثم تتابع، وهي تعرف، أنّ الطقس بارد فقط، وأنا، لا جديد عندي، ما عندي ما أقوله. أحببتُ وفشلتُ في أن أصبح حبيبًا جيّدًا، ما عرفت يومًا لحبيب ما أقول، مرّة كنت على وشك قول "أحبّك"، وقالت: "شششش قبّلني". خوّفني جنديّ يومًا، سألني استرحامه ثمّ رشوةً ثمّ هزّ كتفي ثمّ صرخ وسكت، وبقيت ببطء أراقب سلاحه ثمّ أنظر في وجهه ثمّ أراقب سلاحه، مشيتُ وأشعل هو سيجارة، أشعلت واحدة وأنا أفكّر، ماذا كنت لأفعل لو ما تركني أمضي؟، أنا اليوم كما كلّ وقت، لا شيء لديّ لأقوله. مات أصدقاء وسافر أصدقاء، لم يعرفوا يومًا كم أحببتهم، لم يكن عندي بينهم ما أقوله. هذا عن اللاشيء، أنا لا شيء عندي لأقوله.