سنة 1987 وقف "محمد حامد أبو النصر" المرشد الرابع في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين مخاطباً أنصاره قائلاً "الانضباط والطاعة هما سرّ تماسكنا وبقائنا". الانضباط والطاعة ووحدة الصف، الذي طالما تباهت به جماعة الإخوان المسلمين، واعتبرته سرّ بقائها ونجاتها من البطش، أصبح الآن في خطر، فروح الانشقاق تصيب الجماعة والتمرد يهدد صمودها.
ما بين جيل تربى على السمع والطاعة، وآخر تفتح على هتافات التحرير، تتسع الهوة والمسافات تتباعد، لتجد الجماعة نفسها فى مأزق تزيده سوءاً ملاحقات أمنية متزايدة، وموارد مالية محاصرة. حدثت الأزمة الأولى بين صفوف الجماعة أيام اعتصام رابعة العدوية، بين "قسم التنمية البشرية" وقيادات مكتب الإرشاد، حيث اعتبر القسم أن قيادات التنظيم رفضت الاستماع لصوت العقل، ولم تعر "ورقة الحل" التي قدمها القسم أي اهتمام. ورقة الحل هذه كانت تقترح أن يدعو الرئيس محمد مرسي إلى انتخابات رئاسية مبكرة، فالأفضل خسارة كرسي الرئاسة والمحافظة على وجود الجماعة. حين عُرضت الورقة على خيرت الشاطر، لم يعر بالاً لها، وقال نَصّاً: "بلاش كلام فارغ".
هذا الخلاف ظلّ حبيس الغرف المغلقة ولم يتسرب لأفراد التنظيم. ثم أتت أحداث فضّ الاعتصام الدامية، فجمعت الصفوف وزادتها لحمة، إذ أجبرت حدة الألم الكل على تنحية الخلافات، أو لنقل الاختلافات.
"لمدة شهرين تقريباً كان عندنا يقين أن مرسي راجع بأمر الله"، يقول محمد البحيري من شباب الجماعة في المنوفية، لكن مع مرور الوقت، ومع ازدياد فاتورة الدم حدث انقسام داخل أفراد الجماعة، وتحديداً بين صفوف الشباب.
"سارة" إحدى الفتيات المنشقات عن الجماعة، هي إبنة القيادي الإخواني "محمد علي" عضو مكتب شورى الجماعة الذي لقي مصرعه في أحداث فض اعتصام رابعة العدوية. تقول لرصيف 22 "كتير من جيل الشباب بقى رافض اللي بيحصل ده، فاتورة الدم أصبحت باهظة. القتل لا يتوقف وقيادة الجماعة رافضة تطوير سبل المواجهة، ومصرة على نفس الأداء".
كثير من الشباب يرى أن من الأفضل نقل المعركة للخارج، وفتح جبهتين الأولى إعلامية، بمخاطبة العالم، والثانية قانونية بملاحقة رموز النظام في المحكمة الجنائية الدولية. أما محمد (21 سنة) فيعبر عن فصيل آخر من شباب الجماعة، فصيل يرى أن القيادة تسوق مؤيدي الجماعة إلى الذبح دون خطة واضحة للتصعيد، وأن دور الضحية الذي تفضله قيادات التنظيم لا يصلح في مواجهة السيسي. "دم بدم"، يقول محمد معتبراً أن الحل الوحيد الآن هو مواجهة عنف الدولة بعنف مضاد: "مهو احنا كده كده ميتين، يبقى ناخد حقنا أشرف". هكذا ينهي محمد حديثه، معبراً عن فريق أصبح لا يرى للعنف بديلاً داخل الإخوان.
مجموعة من شباب الإخوان أطلقوا في ذكرى 25 يناير الثالثة "بيان اعتذار" يعتذرون فيه للقوى الثورية معترفين بخطئهم في اختيار مسار مخالف للثورة، وخصوا بالذكر تَرْكهم للثوار يواجهون العسكر وحدهم في أحداث شارع محمد محمود الدامية، مطالبين القوى الثورية بالتجمع من جديد على قلب رجل واحد.
قيادات الجماعة، وتحديداً "محمود حسين" أمين التنظيم، ورجل الجماعة القوي المقيم في قطر، أغضبه البيان وفصل كل من وقع عليه. تأزم الوضع وازداد سوءاً. المكاتب الإدارية أصبحت خارج السيطرة وعزوف الشباب عن المشاركة انعكس بوضوح على ضعف المسيرات وقلة عددها، مما اسلتزم سفر وفد من المكاتب الإدارية إلى قطر، قبل عشرة أيام من اليوم، للتتشاور مع "محمود حسين" أمين التنظيم. كان الاجتماع لمناقشة موضوعين: بيان الاعتذار الذي أصدره شباب من الجماعة وفصلوا على إثره، وإمكانية التصعيد، سواء عبر الإعلام أو القضاء، أو حتى حكومة منفى.
لم يكن الاجتماع موفقاً، هكذا يصفه أحد الحضور. "محمود حسين" رفض مناقشة فكرة عوده الشباب المفصول، مؤكداً أن الجماعة لم تخطئ، وحين طالبه الوفد بما أطلق عليه الشباب "التصعيد" أجاب أن الوقت ليس مناسباً وأن عليكم بالصمود والاستمرار، وأنهى اللقاء منفعلاً.
"أحمد بان" الكاتب والباحث بمركز النيل للدراسات الاستراتيجية، والإخواني المنشق يقول: "هذا الانشقاق داخل شباب الجماعة هو ما أسفر عن عزوفهم عن المشاركة في المسيرات والمظاهرات مما أدى لضعفها" لكنه يضيف "هناك سببٌ آخر وهو غياب القيادة المركزية، فالجماعة تتحرك الآن بنظام "يوم بيوم"، أضف إلى ذلك أن الملاحقات الأمنية منعت اجتماعات المكاتب الادارية، وعليه أصبح نقل التعليمات أصعب وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الوحيده تقريباً".
الاخبار المنتشرة داخل صفوف الجماعة هي أن من يدير التنظيم في مصر اليوم هو الدكتور "عبد الناصر عبد الفتاح"، والذي تم ترقيته مؤخراً وضمّه لمكتب الإرشاد. وإن كان "عبد الجليل الشرنوبي"، الصحافي ومدير موقع إخوان أون لاين السابق، يقلل من دور "عبد الناصر" في الإدارة، ويؤكد أنه لا إدارة حقيقة على الأرض الآن، وأن دور "عبدالناصر" لا يتجاوز كونه ناقل تعليمات عامة من أمين التنظيم في قطر.
الأزمة التي تواجها جماعة الإخوان الآن يمكن تلخيصها في وضع أسرة الشيخ "عبدالعزيز العشري" الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين في محافظة الفيوم ومؤسس الدعوة بها. فالشيخ الكبير الذي بدأ الدعوة في السبعينات ما زال يرى أن الجماعة لم تخطىء، وأن "مرسي" حقق إنجازات غير مسبوقة، أما إبنه "أسامة" فهو معتقل منذ أحداث رابعة العدوية، وأحفاده "إيمان" و"آية" يرون أن التفكير يجب أن يتغير وأن الجماعة بحاجة للتطوير، وإن كانت لا تزال مستمرة في النضال. أما "عمر" فقد انشق عن الجماعة وتركها دون عودة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...