في ما يمكن اعتباره مصالحة معهم، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تكريم "حركيين" سابقين، من المقاتلين الجزائريين الذين ساندوا الاستعمار وحاربوا في صفوف الجيش الفرنسي خلال حرب تحرير الجزائر (1954-1962) قبل أن تتخلى عنهم فرنسا في ظروف توصف بالمأساوية.
وبموجب مرسوم نُشر في الجريدة الرسمية في 21 سبتمبر، رفع ماكرون ستة حركيين سابقين، ومؤسسة جمعية لهم، إلى درجة جوقة الشرف برتبة فارس، وهي أعلى رتبة تكريم تمنحها الدولة الفرنسية.
كما تم رفع أربعة أشخاص إلى درجة الاستحقاق الوطني برتبة ضابط و15 آخرين إلى رتبة فارس، وغالبيتهم ممثلون لجمعيات أو هيئات.
ويأتي هذا التكريم قبل أيام من اليوم الوطني للحركيين، والذي يحل في 25 سبتمبر.
هذه ليست المرة الأولى التي يُكرَّم فيها حركيون. سبق أن شهدت فرنسا مبادرات مماثلة عامي 2011 و2014، لكنها المرة الأولى التي يُكرَّم فيها هذا العدد الكبير.
ويُظهر التكريم أن ماكرون المولود بعد حرب الجزائر، مصمم على كسر المحظورات المتصلة بإرثها التاريخي.
وكانت مجموعة عمل شكّلها الرئيس الفرنسي قد دعت في يوليو الماضي إلى إنشاء "صندوق للتعويض والتضامن" بقيمة 40 مليون يورو لهؤلاء المقاتلين السابقين وأيضاً لأبنائهم، رغم أن هذا المبلغ أقل بكثير مما تطالب جمعيات معنية بقضيتهم.
وكان ممثلون عن الحركيين قد طالبوا ماكرون في مطلع سبتمبر بتعويض عن الأضرار التي تعرّضوا لها في نهاية حرب الجزائر، وذكّروه بالدعم الذي قدموه له عام 2017، ومهددين برفع دعوى ضد الحكومة الفرنسية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
بعد ذلك ببضعة أيام، جددت لجنة الاتصال الوطني للحركيين رغبتها في المضي بقضيتها "حتى النهاية" ورفعها أمام المحاكم الدولية، بحال لم تحصل على ردّ مرضٍ من الحكومة الفرنسية.
مَن هم الحركيون الجزائريون؟
أثناء حرب الاستقلال الجزائرية التي امتدت من عام 1954 حتى عام 1962، خدم عشرات الآلاف من الجزائريين في صفوف الجيش الفرنسي. هؤلاء هم "الحركيون" الذين ينظر معظم الجزائريين إليهم باعتبارهم "خونة وعملاء للاستعمار الفرنسي"، و"حملوا السلاح ضد أبناء وطنهم". وفي حوار سابق مع فضائية الجزيرة القطرية، قال المسؤول في الحركيين عبد الحميد بلعروسي، إن سبب تسميتهم بالحركيين تعود إلى أن كلمة حركي مشتقة من كلمة حركة، التي تعني النشاط والحيوية، معتبراً أن الحركيين كانوا نشيطين وفعالين، لكنه أضاف أن الكلمة جاءت من مفهوم عسكري، لأن الحركيين كانوا عسكريين في الأساس. وعرف بلعروسي رجال الحركة بأنهم "رجال رفضوا نظام الحزب الواحد، ورفضوا العنف، ولم يقبلوا أن يتم تجريد البعض وذبح البعض الآخر، في حين أنهم جميعاً أبناء القرية نفسها وأبناء عائلة واحدة أحياناً كثيرة". وعن وضعهم في الجيش الفرنسي قال بلعروسي إن الحركيين كانوا جنوداً إضافيين، وشكلوا فرقاً مساعدة للجيش، وكانوا يقومون بالعمليات نفسها كالجيش، ولكنهم لم يتمتعوا بالمنافع نفسها، شارحاً أنه "في ذلك الوقت كان العسكري يتمتع بعلاوة، هذه العلاوة تضاف إلى راتبه للتعويض عن الخطر الذي يترصده، بالإضافة إلى حسنات أخرى حسب مرتبه، أما الحركيون فقد انخرطوا في الجيش براتب لا أدري مَن أقره، لكنهم كانوا يتقاضون آنذاك 500 فرنك فرنسي يومياً".أثناء حرب الاستقلال الجزائرية التي امتدت من عام 1954 حتى عام 1962، خدم عشرات الآلاف من الجزائريين في صفوف الجيش الفرنسي. هؤلاء هم "الحركيون" الذين ينظر معظم الجزائريين إليهم باعتبارهم "خونة"وبرّر بلعروسي انضمامهم إلى الجيش الفرنسي رغم أنهم جزائريين بأن الجزائر كانت آنذاك فرنسية. "بالنسبة إلينا كنا نقاتل من أجل بلدنا، أي فرنسا"، على حد تعبيره. عقب انتهاء حرب الجزائر، استقبلت فرنسا نحو 60 ألفاً من "الحركيين" الذين وصلوا إليها في ظل ظروف سيئة جداً، ولكنها تخلّت عن 55 إلى 75 ألفاً منهم فتعرّضوا مع عائلاتهم لأعمال انتقامية أودت بحياة الآلاف منهم. وأغلب عمليات الانتقام الدامية التي تعرض لها "الحركيون" كانت من قبل قوميين، يرون في دورهم خيانة كبيرة للجزائر. وُضع اللاجئون إلى فرنسا في معسكرات في جنوب البلاد وعانوا من صعوبات في الاندماج، في حين راحت فرنسا تستقبل أعداداً كبيرة من المهاجرين الجزائريين لأسباب اقتصادية.
حين أقرّت فرنسا بتخليها عنهم
يمكن اعتبار سبتمبر من عام 2016 تاريخاً فارقاً في تعامل فرنسا مع قضية الحركيين. حينها خرج الرئيس الفرنسي حينذاك فرانسوا هولاند، مقراً بمسؤولية بلاده عن التخلي عن "الحركيين الجزائريين"، خلال مراسم رسمية خُصصت لتكريمهم في باريس، في 25 سبتمبر 2016. وقال هولاند وقتها: "أعترف بمسؤوليات الحكومات الفرنسية في التخلي عن الحركيين، والمجازر التي طالت مَن بقي منهم في الجزائر، وشروط الاستقبال غير الإنسانية للذين نُقلوا منهم إلى فرنسا"، وسط تصفيق ممثلي الحركيين الحاضرين. وأضاف أن بلاده "نكثت بوعدها، وأدارت ظهرها لعائلات رغم أنها كانت فرنسية". وكانت مجموعة الحركيين وأبنائهم التي يزيد عددها عن 500 ألف شخص في فرنسا تنتظر بترقب إعلان هولاند الرسمي، والذي أدلى به أمام عدد من السياسيين، من بينهم الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وزعيمة اليمين المتشدد مارين لوبن. وكان هولاند قد تعهد بالاعتراف بهذه المسؤولية اعتباراً من أبريل 2012 أثناء حملته الرئاسية. لكن يمكن اعتبار أن خطوة ماكرون بتكريمهم رسمياً مختلفة بدرجة كبيرة عن كل ما فعله أسلافه. وتأتي خطوة التكريم ضمن خطوات أخرى اتخذها بها الرئيس الفرنسي مؤخراً وسببت حالة من الجدل في فرنسا، ومنها اعترافه بممارسات التعذيب التي ارتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر، إذ أقرّ أن بلاده أنشأت خلال حرب الجزائر ما قال إنه نظام استُخدم فيه التعذيب. كما تقدم الرئيس الفرنسي في أواسط سبتمبر بالاعتذار من أرملة موريس أودان الناشط الشيوعي الذي مات تحت التعذيب وكان ضحية "النظام الذي أُقامته فرنسا آنذاك في الجزائر" على حد تعبيره. وخدم في الجزائر ما لا يقل عن 130 ألف جندي فرنسي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين