شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أفكار عن الحريّات المدنيّة والزواج المدني

أفكار عن الحريّات المدنيّة والزواج المدني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 5 سبتمبر 201801:13 م
في سنوات مراهقتي وشبابي الأولى تطوّعت للعمل في إحدى الجمعيات السوريّة. كان أحد الشباب العاملين في تلك الجمعية، أكبر مني سنًا، وكتلةً من النشاط واللطف والفهم والتحرر. كان دائم الكلام عن الحريات الفرديّة للرجال وللنساء على السواء. كان يتحدث عن الحريّات الجنسيّة كأمر يجب على المجتمعات الحصول عليه. كان هذا "الزميل" دائم الوجود مع نساء متحررات ضمن مجتمع دمشق المحافظ نسبيًا، وكان يدعو إلى الزواج المدني القائم على أساس الحب والعلاقة الطويلة قبل الزواج. وبقي الأمر هكذا إلى أن انقطع عن القدوم إلى مراكز الجمعيّة والسبب كان زواجه المفاجئ. لقد تزوج الشاب امرأة محافظة دينيًا، ترتدي الحجاب والثياب الواسعة ذات الألوان الدكناء. امرأة لم يرها في حياته قبل يوم الزواج. امرأة اختارتها أمه. نزل الخبر علينا حينذاك كالصاعقة. بالطبع لم نهتم بما ترتديه المرأة لكن تعجبنا كان من تناقض قوله مع فعله. كيف يدعو إلى الحريّات والعلاقات المفتوحة ومن ثمّ يتزوج بامرأة لا يعرفها. أمر يدعو للقرف. بعد أن يدعي شخص ما التحرر ويتشدق بالحديث عن الحريات الجنسيّة بسبب أو بدونه تراه يرتبط أخيرًا بامرأة لا يعرفها، "وما باس تمها غير أمها". أو تراه يكثر بالحديث عن الزواج المدني والاختلاط بين الطوائف والأديان ولا تراه متزوجًا إلا بامرأة من طائفته.
تراه يكثر بالحديث عن الزواج المدني والاختلاط بين الطوائف والأديان ولا تراه متزوجًا إلا بامرأة من طائفته
لست ضد العادات والتقاليد لمن يشاء السير على خطاها لكنني ضد النفاق وإدعاء حريّات من أجل استغلالات جنسيّة رخيصة
بعد الثورات العربيّة، حدث الكثير من حالات الزواج بين شباب ثوريين وناشطين مدنيين يؤمنون بالحريات وبالدولة المدنيّة. ناشطون ومثقفون يدعون إلى الزواج المدني كيلا يقف الزواج الديني حائلًا بين علاقات الحب العابرة للطوائف. لكن المفارقة أنّ بعضًا -كي لا أقول معظم- ممن أعرفهم اختاروا الزواج الديني على الزواج المدني، رغم وجود خيار الزواج المدني، خاصة للمقيمين في تركيا والدول الأوروبيّة. ما يدور في خاطري هو: كيف لا يستطيع الإنسان الذي يدعو للزواج المدني ويناضل من أجله تطبيق ما يقوله على حياته الخاصة؟ كيف يصدق الناس، في المستقبل، أحاديثهم وهم يتحدثون عن الزواج المدني والمجتمع المدني وفصل الدين عن الدولة وهم لم يتزوجوا زواجًا مدنيًا؟ هل الوقوف في وجه العادات والتقاليد صعب إلى هذا الحد؟ كيف يتحقق ما نطالب به في مجتمعاتنا إن لم نطبقه بأنفسنا؟ قد يكون معظم المطالبين بالزواج المدني أشخاصاً صادقين، جديين بمطالبهم، لكن الضغوط الاجتماعيّة عامة، والأسريّة خاصة، تجعلهم أمام خيارات قليلة، ليس من السهولة مواجهة أواصر المحبة العائليّة والذكريات والأب والأم والأقارب في حال رفضهم الزواج المدني، لكن في الناحية الأخرى، كيف نغير واقعنا التعيس إن لم نقف بحزم وندافع عن خياراتنا في وجه العالم، كلّ العالم؟ في حالات أخرى، يبدو أنّ التحرر والعبارات الرنانة أداة فعالة لبناء علاقات مع نساء متعددات في فترة ما قبل الزواج، وذلك في نظر بعض الشباب المنافقين ممن يدّعون التحرر. لكن، حين يحدث الزواج تظهر المعادن، يسيلُ الثلج بعد جمود ويظهر مرج الإنسان الحقيقي، ليعود هذا المنافق الاستغلالي إلى الزواج بفتاة لم تعرف أحدًا غيره. لأنّ المسموح للرجل ممنوع على المرأة. هكذا تكيل مجتمعاتنا بمكيالين. لست ضد الزواج الديني لمن يرغب في ذلك، ولست ضد العادات والتقاليد لمن يشاء السير على خطاها، لكنني ضد النفاق وإدعاء حريّات من أجل استغلالات جنسيّة رخيصة. في مجتمعاتنا ذات الوجهين (إن لم تكن وجوهًا متعددة)، يكون الزواج الديني والتقليدي آمنًا مجتمعيًا، وخاصة لأولئك المنحدرين من بيئات محافظة. وإذا تمرد المرء على هذه العادات التقاليد المجتمعيّة الدينيّة يبقى وحيدًا يصارع الريح، هكذا إن كان المتمرد رجلًا، أما إن كانت امرأة فالوضع أصعب بما لا يقاس، وقد تصل الأمور إلى جرائم القتل تحت مسمى جرائم الشرف. الشرف الذي لا يهتز إلا حين يتعلق المرء بفرج المرأة. الشرف الذي لا يحركه موت الملايين وتدفق اللاجئين والديكتاتوريات والحروب. شرف متعلق بغشاء بكارة. بئس الشرف هذا.  

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image