في الـ29 من أغسطس، أعلنت الحكومة المصرية أنها بصدد إنشاء لجنة حقوقية "للتعامل والرد على الادعاءات المثارة ضد مصر بشأن حقوق الإنسان"، بحسب بيان أصدره مكتب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي.
ودائماً ما ترفض الحكومة المصرية اتهامات منظمات حقوق الإنسان لها بارتكاب انتهاكات وتقول إن المنظمات التي تُصدر تقارير ضدها مجرد "أبواق مدفوعة بمصالح سياسية"، وكثيراً ما تهاجم بعض وسائل الإعلام المصرية المقرّبة من النظام هذه المنظمات الدولية وتتهمها بشن "مؤامرة" ضد البلد.
وبحسب بيان مكتب رئيس الوزراء المصري، وافقت الحكومة على تشكيل لجنة لحقوق الإنسان "تختص بمتابعة تنفيذ مصر لالتزاماتها الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وإعداد التقارير الدورية الخاصة بهذا الشأن، فضلاً عن رصد ودراسة ومعالجة المشكلات المتعلقة بهذا الملف والتي تُثار على الصعيد الدولي، واقتراح السياسات والتدابير اللازمة لتنفيذ توصيات آلية المراجعة الدورية أمام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة".
"خطوة تأخرت كثيراً"
ورفض رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) محمد فايق التعليق على تشكيل اللجنة الجديدة مبرراً رفضه بانشغاله في اجتماع الشبكة الإفريقية في العاصمة الكينية نيروبي، مضيفاً أنه يحتاج بعض الوقت لفهم آلية عمل اللجنة الجديدة والفرق بين المهام التي ستقوم بها وبين مهام المجلس الذي يرأسه. أما رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب المصري النائب علاء عابد فوصف اللجنة الجديدة بأنها خطوة تأخرت كثيراً، مضيفاً أنها ستهتم بشكل خاص بالرد على كل التقارير المحلية والدولية لتحديد أية أكاذيب أو تضليلات ترد فيها. ولا يجد عابد أي تناقض بين عمل اللجنة الحكومية وبين عمل اللجنة البرلمانية التي يرأسها، معتبراً أن "هذه الفترة الحرجة من تاريخ مصر تحتاج إلى تعاون مؤسسات عدة". واتهم عابد، في حديثه لرصيف22، بعض المنظمات الدولية التي لم يسمّها بأنها تمارس الكذب والتضليل، بهدف إحداث بلبلة في الرأي العام المصري، مضيفاً أن لبعضها أهدافاً خبيثة."محاولة فاشلة لتجميل وجبه قبيح"؟
لكن من وجهة نظر الحقوقي والصحافي المصري خالد البلشي، وكيل لجنة الحريات السابق في نقابة الصحافيين المصريين، فإن اللجنة الجديدة ليست سوى "محاولة فاشلة لتجميل وجه قبيح". وقال لرصيف22 إن الإعلان عن تشكيل هذه اللجنة يثبت أن النظام المصري يتعامل مع ملف حقوق الإنسان بطريقة خاطئة، وأضاف: "المنطق يقول إن الأفضل من الرد على التقارير الحقوقية هو أن تعمل مصر بجد لضمان عدم وجود أية انتهاكات لحقوق الإنسان على أرضها". برأيه، "أول خطوة حقيقية لحل أية مشكلة هي الاعتراف بها لا محاولة نفيها"، ويكمل أن نقابة الصحافيين المصريين سبق وأرسلت ملفاً للحكومة المصرية بخصوص العديد من الصحافيين المعتقلين، لكن لم تهتم الدولة بالإفراج عنهم، وبدلاً من ذلك اكتفت بالدفاع عن نفسها بقولها إنها لا تحبس صحافيين وإنهم يحاكَمون في تهم أخرى، رغم أن ملف النقابة تضمّن دلائل وإثباتات على أن الدولة انتهكت حق هؤلاء الصحافيين في التعبير عن رأيهم بحرية."الحكومة المصرية تؤكد أنها لن تقوم بأي مجهود لتحسين ملف حقوق الإنسان في المستقبل، والدليل أنها قررت تشكيل لجنة مهمتها فقط ‘الرد’ على اتهامها بارتكاب انتهاكات، بدل العمل بصمت لتحسين سجلها"
"انتهاكات حقوق الإنسان في مصر كانت في السابق تحدث في أماكن معيّنة مثل أقسام الشرطة مثلاً، لكن حالياً اتسع نطاقها لتشمل مدناً كاملة مثل مناطق عدة في سيناء"وحلّت مصر في المرتبة 161 من أصل 180 بلداً في ترتيب حرية الصحافة لسنة 2017 الذي أعدته منظمة "مراسلون بلا حدود". وفي الأشهر الأخيرة، شنت مصر حملة كبيرة ضد مواقع صحافية لا تروّج للرواية الرسمية للدولة، وقامت بحجب المئات من تلك المواقع بحجة أنها "تهدد الأمن العام" وحدث ذلك بدون إذن قضائي. ويقول البلشي إن الدولة المصرية، بتشكيلها هذه اللجنة، تؤكد أنها تعترف بانتهاكها لحقوق الإنسان وأنها لن تقوم بأي مجهود لتحسين هذا الملف في المستقبل، والدليل أنها قررت تشكيل لجنة مهمتها فقط "الرد" على تلك الاتهامات بينما كان الأحرى بها أن تعمل بصمت لتحسين سجلها في ما يتعلق بحقوق الإنسان. ويعتبر البلشي أن حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن أن التصدي للإرهاب حق من حقوق الإنسان تلقفته أغلب المؤسسات المصرية الحكومية وكأنه إشارة لها لانتهاك حقوق الإنسان، والحجة دائماً أن الحرب على الإرهاب تحتاج ذلك. وفي نوفمبر 2017، قال السيسي خلال حفل افتتاح منتدى شباب العالم في شرم الشيخ إن "الإرهاب ينتهك إنسايتنا، ويحطمها، ومقاومة الإرهاب حق لإنسايتنا، والتصدى له حق من حقوق الإنسان، وهو حق جديد أضيفه أنا على حقوق الإنسان".
بادرة إيجابية ولكن
يرى الحقوقي المصري أحمد سميح أن التفاعل الإيجابي من الحكومة المصرية تجاه التقارير الدولية والمحلية يمكن اعتباره بادرة جيدة، لكنه يضيف أن الأهم من الرد على ما يأتي في التقارير الحقوقية المحلية والدولية هو العمل على وقف انتهاكات حقوق الإنسان من الجهات المختلفة التي تمارسها ومنها وزارة الداخلية والأمن الوطني وحتى وزارة الدفاع المصرية. ويضيف رئيس مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف لرصيف22 أن اللجنة التي سيتم تشكيلها ستواجه صعوبات عديدة في الرد على ما تقوله المنظمات عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، لسبب بسيط، وهو أن هذه التقارير غالباً ما تكون موثقة بمعلومات وأسماء أشخاص ومسؤولين وأرقام محاضر رسمية وأماكن تمت فيها الانتهاكات. فكيف سيمكن للجنة الوليدة الرد على تلك التقارير؟ الأمر يحتاج إلى معجزة. ويشير سميح إلى أن الأزمة الحقيقية في مصر حالياً هي أن سمعتها في حقوق الإنسان لم تعد متعلقة بالسلطة التنفيذية فقط مثلما كان يحدث أيام الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك على سبيل المثال، بل دخل على الخط مؤخراً اتهامات طالت السلطتين القضائية والتشريعية وهو ما جعل مصر تحتل مراتب متراجعة جداً في تقارير العدالة الدولية. ويتابع أن "الانتهاكات في الماضي كانت تحدث في أماكن معيّنة مثل أقسام الشرطة مثلاً، لكن حالياً اتسع نطاق الانتهاكات لتشمل مدناً كاملة مثل مناطق عدة في سيناء، حيث أصبح المواطنون المدنيون غير قادرين على التحرك سوى بتصاريح أمنية، وتمنع الحكومة عنهم خدمات من أبسط حقوقهم مثل الإنترنت والكهرباء وحتى المياه، بل أن بعض السلع الأساسية أصبحت لا تدخل لتلك المناطق بحجة أن بعض جماعات العنف قد تستغلها في صناعة متفجرات". ويضيف سميح أن مصر لا تحتاج إلى لجنة مشكلة من قبل الحكومة للرد على التقارير الدولية، إنما تحتاج إلى نظام يؤمن بأهمية العمل الحقوقي ولا يتعامل مع المنظمات باعتبارها أعداء له، بل على العكس يعتبرها مصادر يمكن أن تساعده على التعرف على جوانب النقص لديه في ما يخص حقوق الإنسان ليقوم بمعالجتها. وفي السنوات الأخيرة اتهمت منظمات دولية عدة مصر باستخدام تهمة "تهديد الأمن القومي" لقمع الناشطين والحقوقيين والمعارضين والصحافيين، وتظهر تقارير دولية قيام الحكومة المصرية باعتقالات وأعمال احتجاز تعسفي وحظر سفر وتجميد أرصدة وترهيب وغيرها من الإجراءات الانتقامية. ويوم 15 يوليو، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية في تقرير لها إن السلطات المصرية تكثف استخدامها لقوانين مكافحة الإرهاب ومحاكم الطوارئ لمقاضاة الصحافيين والناشطين والنقاد بصورة غير عادلة بسبب انتقاداتهم السلمية. وأظهر تقرير المنظمة الدولية أنه في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في مارس 2018، شنت الشرطة المصرية وقطاع الأمن الوطني موجة من الاعتقالات لمنتقدي السيسي. واستمرت حملة القمع بعد الانتخابات عبر احتجاز ناشطين وصحافيين بارزين ومحاكمتهم بموجب قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2015.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 4 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي