لم يتشاركا "وليد" وخاله "حمادة" لحظة ولادتهما سوياً فقط، بل تشاركا "البخت" (الحظ) ذاته أيضاً: فشل مستمر في حياتهما العلمية رغم غشّهما من ورقة هذا وذاك، ومن ثم في حياتهما العملية.
وفي سياق الفيلم الكوميدي/الأكشن، بعد أن فشل "حمادة" (أكرم حسني) في تحكيم المُباريات، انتقل للعيش مؤقتاً مع شقيقته (دلال عبدالعزيز) وابنها وليد (تامر حسني)، هرباً من "علقة محترمة من جماهير أندية كرة القدم" وسط منزله.
وبعد أيام قليلة، أثناء جلوسهما في غرفة نوم وليد التي تملؤها مكعبات "الليغو"، علم الثنائي - عبر دعوة فيسبوكية - بوجود حفلة "تنكرية" قد تجمعهما بأبناء وبنات مدرستهما. لجأ الاثنان للملابس التي تخيطها والدة وليد، واختارا "البدلة": زي الضباط.
ما إن وصلا إلى الحفل حتى اكتشفا أنهما كانا عرضة لسوء فهم. لم تكن حفلة تنكرية، بل "دِش بارتي"، أي أن على الجميع إحضار طبق ما إلى الحفلة.
هناك سحر في تلك البدلة، التي إما يخاف منها المجتمع أو يحترمها. في الاحتفال وجد وليد الاحتمال الثاني (الإحترام) بأعين الحضور، وخاصةً بأعين تلك الفتاة (أمينة خليل) التي كان معجباً بها خلال أيام المدرسة حتى قرر أن يصدق الكذبة ويعيشها. قال لها "معاكي النقيب وليد جمال".
حاول "حمادة"، ضعيف الشخصية، إقناع ابن شقيقته بكشف سوء التفاهم، إلا أن وليد أصر على إكمال التمثيلية، ومن هُنا بدأت الحبكة في الفيلم، الذي أخرجه محمد جمال العدل وكتب السيناريو فيه أيمن بهجت قمر وأنتجه وليد منصور. وهو من بطولة تامر حسني، أكرم حسني، دلال عبدالعزيز، أمينة خليل، ماجد المصري الذي يلعب دور "القناص"، وآخرون.
https://youtu.be/Yh9L0ZGAB-M?t=11أين سيناريوهاتنا؟
لطالما اشتهرت مصر بأنها أم الثقافة والسينما والفن في عالمنا العربي، حتى أصبحت لهجتها الأسهل على الإطلاق بين الشعوب. نُردد عبارات وكلمات العديد من الأفلام دون وعي بعدما أصبحت مفردات لغوية في قاموسنا نلجأ إليها عند الحاجة. "احنا في زمن المسخ"/ "عايزة ورد يا إبراهيم"/ "يا عيني ده باينته اتصدم" وغيرها الآلاف.
ومع ذلك، يصر البعض على استعارة أو اقتباس أفكار الأعمال الغربية والعالمية، لاعتقادهم بأن النجاح سيكون موثوقاً ربما، متناسيين أن المشاهد العربي ليس منعزلاً عن العالم الغربي، وأن بإمكانه بكبسة زر مشاهدة أفلامهم ومعرفة مصدر أفكارهم.
لقد نقل صناع فيلم "البدلة" عن فيلم (2014) Let's Be Cops، الذي لعب بطولته جاك جونسون وديمون وايانز، بحبكة شبه متطابقة ولكن "بنكهة مصرية".
https://youtu.be/UKIAZjs__Xc?t=109يبدو أن هناك سوء فهم في مصطلح "الاقتباس" إذ يعني الإستعانة بالقصة الرئيسية، وبناء أحداثها من الصفر، وهو ما لم يفعله صناع الفيلم المصري.
ومع ذلك، حقق الأخير أعلى إيرادات حتى الآن، إذ وصلت إلى 3 ملايين و127 ألف جنيه منذ إطلاقه بمناسبة عيد الأضحى، متفوقاً على فيلم "الديزل"، لمحمد رمضان الذي قضى إجازة الصيف وهو يقهر الجماهير بأغنيته "نمبر ون"، و"أنا الملك"، محققاً نحو 3 ملايين جنيه (ليس بفرق كبير، ولكنه ليس نمبر ون!)
ثنائي كوميدي بامتياز
إحدى مفاجأت الموسم الرمضاني الماضي كان "إبّو"، الممثل أكرم حسني الذي اشتهر بـ "سيد أبو حفيظة" إذ قدّم في مسلسل "الوصية - 2018"، مع زميله الممثل أحمد أمين مسلسل كوميدي من الطراز الأول!
أَعْتَقد أن الجمهور كان متعطشاً للمزيد من الكوميديا في هذا العيد ولذلك لجأوا لفيلم البدلة إذ تعتبر أول بطولة لأكرم حسني وتامر حسني سوياً، وحتماً لن تكون الأخيرة.
"كيمياء" جمعتهما بالفعل، مثلما قال تامر حسني في مقابلة سابقة له في أبريل الماضي مع الإعلامي تامر أمين "في ناس تحس إنه في كيمياء بينك وبينهم وإنه هيحصل حاجة"، لافتاً إلى أنه هو من قام باختياره، وليس منتج العمل وليد منصور.. وفعلاً "حصل حاجة".
يمكن القول إن الوقت حان لتقديم أدوار أوسع وأهم لأكرم حسني، لأنه كوميديان حقيقي، عفوي، لا يبذل جهداً لإضحاك الجمهور.
رغم سوء فهم مصطلح "الاقتباس" لدى صناع عمل فيلم "البدلة" لتامر حسني وأكرم حسني، إلا أنه حقق أعلى إيرادات حتى الآن، متفوقاً على فيلم "الديزل" الذي قضى بطله محمد رمضان الصيف وهو يقهر الجماهير بأغنيته "نمبر ون".
السينما هي عالم بأكمله يهرب إليها البعض عندما ينوي أخذ "بريك" من الحياة قليلاً، والفيلم الحقيقي هو الذي ينسى الجمهور فيه بأنه يشاهد فيلماً، ويشعر بأنه ضمن قائمة أبطاله.. فهل حقق "البدلة" ذلك؟
كوميديا مفتعلة
لتعبئة الفراغات في الفيلم، لجأ صناع العمل لمشاهد لا قيمة لها، فقط لتقديم فيلم مدته ساعة و45 دقيقة، علماً بأن القصة لا تحتاج سوى ساعة.
لا أعتقد أن الكوميديا من المفترض أن تأتي واضحة، بل الكوميديا "الأصلية" هي التي تأتي مبطنة وبطريقة غير مفتعلة، بعكس ما شاهدناه وهما يختاران لباس الحفلة التنكرية على سبيل المثال.
السينما عالم بأكمله يهرب إليها البعض عندما ينوي أخذ "بريك" من الحياة قليلاً، والفيلم الحقيقي هو الذي ينسى الجمهور فيه بأنه يشاهد فيلماً، ويشعر بأنه ضمن قائمة أبطاله. وذلك ما لم أشعر به أيضاً، بل كنت أشعر بوجود الكاميرا وفريق العمل في العديد من مشاهد الفيلم، لأن هناك العديد من اللقطات المفتعلة التي لا تنتمي للواقع كثيراً أبرزها ولادة الطفل وخاله في اللحظة ذاتها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...