شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
فتاة التجمع: عندما تصبح المرأة عدوة لحقوقها وحريّتها

فتاة التجمع: عندما تصبح المرأة عدوة لحقوقها وحريّتها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 20 أغسطس 201802:57 م
ظهر مصطلح النسوية في الجزء الأول من القرن التاسع عشر، تحديدًا عام 1837 في فرنسا، والمفاجأة أن صاحب المصطلح رجل، هو الفيلسوف الفرنسي، شارل فورييه ثم ما لبثت أن انتشرت الكلمة إلى هولندا ومنها إلى بريطانيا وباقي القارة الأوروبية، حتى وصلت إلى الولايات المتحدة في مطلع القرن العشرين. لطالما عانت المرأة من التهميش وعدم المساواة لفترات طويلة من التاريخ الإنساني، واليوم لا تزال في نضال ضد مجتمعات لم تتخطَّ النظرة الدونية القديمة المستمرة. قرون عديدة مضت كانت النظرة السائدة فيها هي نفسها، دون فرق يذكر بين مجتمع تنويري ومظلم، متقدم ومتخلف، في ركب الحضارة أو في قاع الجهل، فجميعها اختلفت في الجوهر واتفقت على أن المرأة كائن أقل من الرجل، وفي أحسن الظروف "مواطنة" درجة ثانية. لا يمكن إنكار أن الظروف القاسية التي عاشتها –وتعيشها- النساء سبب أساسي فيما وصلت إليه الأمور في بلادنا العربية، حتى أن بعضهن يكرهن طبيعتهن، التي تعرضهن لجميع أشكال التمييز من تحرش أو اغتصاب أو أجر أقل أو تحكم  في اختيارات حياتهن من ذويهم. لكن مع ذلك، لا يمكن إخفاء حقيقة أن المرأة في كثير من الأحيان كانت المُلامة الأولى بهذا الصدد، ليس فقط لأن الحقوق تنتزع ولا تستجدى، بل لأن العديد من النساء كن أكثر ضررًا من الرجال على حقوقهن.

دعوات القهوة: هل الفعل اعتياديٌ؟

قبل أيام انتشر فيديو كالسهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، يظهر فتاة تصور رجلًا في منطقة التجمع الخامس بالقاهرة، وتتهمه بالتحرش. مضمون الفيديو كان عبارة عن دعوة من "محمود" لشرب القهوة في "أون ذا ران"، حتى لا تتعرض الفتاة للمضايقة، حسب وصفه. استنكرت "منة" الطلب وأخبرته صراحة أنه يضايقها، ليعتذر الرجل وينصرف فورًا إلى سيارته. إن الحكم بشكل موضوعي على الموقف يستدعي أن نحلله في سياقه وليس بشكل تجريدي، بعيدًا عن القيم والعادات السائدة في المجتمع المصري، والحق أن مثل هذه الطلبات لا سيما في الشارع، غريبة وغير متعارف عليها بشكل كبير في مصر، لكن الحق أيضًا أنها لا تتعارض مع قيم الحرية والانفتاح التي تنادي بها النساء في البلاد، وهنا يجب أن نسأل ماذا لو قبلت فتاة أخرى الطلب أمام أنظار منة؟ هل كانت ستصرخ أن الفتاة -التي قبلت دعوة الرجل- تتعرض للتحرش؟ ذكرنا أن دعوة الغرباء لشرب القهوة غير متداولة في مصر، فالذكر المصري ليس أكثر رجال العالم انفتاحًا ولا اعترافًا بمثل هذه اللقاءات، بل أن نسبة كبيرة منهم لا يرون في المرأة صديقة أو زميلة، بل جسدًا ولا شيئًا سواه، وعلى الأغلب فهي محاولة لإشباع الإحساس بالرجولة، وطريقة متحضرة لل"شقط"، ولمَ لا انتظار الفرصة المناسبة لخوض مغامرة جنسية كانت أو ترفيهية؟ لكن من قال إن كل ذلك ليس نتيجة للحرية التي نطالب بها؟ وافتراضًا أن تلك كانت رغبة "محمود"، التي لا نملك دليلًا ماديًا عليها، وأنه يريد أكثر من لقاء قهوة، فهذا لا يسمى تحرشًا، إنما مواعدة أو تعارف وهي –للمفاجأة- لا تتم دون موافقة الطرفين، ولا يعني قبول الفتاة لدخول "أون ذا رن"، مع رجل غريب أنها ستقبل أي شيء آخر بعده، خاصة أن "منة" تظهر أو تُظهر نفسها في ثوب المناضلة ضد "المتحرشين"، رغم أنها حذفت فيديو كانت قد نشرته  يُظهر رجلًا يدعوها لركوب السيارة معه ومع صديقه، أليس الأجدر بفتاة "قوية" مثلها أن تثق في ردها القاطع على الدعوة، دون حاجة لفيديو يظهرها ساذجة؟ إذا كانت الدعوة لشرب القهوة أمرًا مرفوضًا، فلماذا إذًا نجد في المجتمعات العربية قبولًا –ولو ضمنيًا لثقافة ال”Date”؟ وهي مواعدة يجرب فيها الرجل والمرأة –سواء بينهما معرفة مسبقة أو لا- "التعارف" لتحديد إذا ما يمكن الدخول في علاقة غرامية، وهو ما يحدث في أكثر المجتمعات حرية، قد تضطر المرأة فيه بالمناسبة، أن تواجه أفكارًا مغلوطة عنها بأنها عاهرة أو تبيع الحب للأكثر وسامة أو مالًا، بالتالي فالأمر ليس حكرًا على بلادنا العربية فقط، إذ إن اختيار الحرية والانفتاح يستدعي بالضرورة مواجهة تبعاتهما، إما الكل أو لا شيء.

كيف تساهم الأزمة في تسطيح التحرش؟

ليست أزمة الواقعة في أنها تكشف عن تفاهة غير محدودة في الإعلام المصري، الذي صار متهالكًا يبحث في جنبات "السوشيال ميديا"، عن أي "تريند" يتحدث عنه الناس، ليملأ به صحفه وتليفزيونه ومواقعه، ويعوض عجزه عن مناقشة قضايا المجتمع الحيوية، فكأننا انتهينا من حل مشكلات الصحة والتعليم والثقافة، ولم يتبق سوى هذه الفيديوهات لإفراد لها مساحات واسعة من التناول. الأزمة الحقيقية في أن الواقعة أزالت الغبار عن "نساء" ضد النسوية، وأعادت التصديق على مقولة إن المرأة هي حقًا عدوة نفسها، بعدما ظهرت تعليقات من نساء يتهمن "منة" في شرفها، ويدافعن عن "محمود"، والسبب صور الفتاة المنشورة بحسابها على "فيسبوك"، وقد اعتبرنها ذريعة لما حدث، عدا أن ملابسها كانت فاضحة أحيانًا، حسب رأيهن، وهي كانت تعرف تمامًا أنها ستتعرض للمضايقة. بالطبع لم يفوّت "المنظرون" في الأخلاق والفضيلة الفرصة للدفاع عن الفتاة، واعتبار أن ما حدث "عيب"، فقط لأنه ينافي أخلاقهم، ولا "يصح" أن يدعو رجل امرأة لا يعرفها لشرب القهوة، هؤلاء كانوا سيدعونها عاهرة، لو قبلت مرافقته، وربما لن يستغرق الأمر أكثر من مشاهدة صورتين بحسابها عبر "فيسبوك"، لإصدار حكمهم. يبقى الجزء الأسوأ وهو أن الفيديو أدى إلى بروز فكرة "تسطيح" التحرش، وهذا ما يضيف بعدًا ساخرًا لقضية لا تزال شائكة، ولا تحتمل سخرية أو تسطيحًا، فالممارسات التي تتعرض لها المرأة المصرية، أفظع من أن يمثلها مقطع ساذج، توهمت صاحبته في نفسها بطولة زائفة، وهي لا تمت بصلة للنساء المدافعات بشجاعة عن حقوقهن التي تنتهك يوميًا، وهن الجديرات بالتعاطف والدعم، وأتمنى ألا يدفعن ثمن سذاجة "منة" وسواها من النساء "ضد النسوية".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image