تقول الحكمة الكروية إن حارس المرمى هو نصف الفريق، ويقول خبراء كرة القدم إن الحارس وُجد للتصدي لبعض الكرات وليس لإيقافها جميعاً، إلا أن عدداً من عمالقة الخشبات الثلاث قدموا مفهوماً جديداً لهذا المركز، وحفروا في ذاكرة التاريخ أسماء نجوم لم يكتفوا بالذود عن مرماهم فقط، بل تحولوا إلى هدافين ولاعبين وبهلوانيين أحياناً.
قبل بضعة أيام، احتفل الحارس البرازيلي روجيرو سيني Rogério Ceni بتسجيله الهدف 120 في مسيرته التي بدأت قبل 24 عاماً، ليتصدر بذلك قائمة حراس المرمى الهدافين والخارجين عن المألوف. تخصص سيني، الذي خاض مع ساوباولو أكثر من 1100 مباراة، بالضربات الحرة وركلات الجزاء، وحقق مع ناديه كقائد للفريق جميع الألقاب الممكنة محلياً وقارياً، وكان ضمن تشكيلة المنتخب البرازيلي في مونديالي 2002 و2006 (16 مباراة دولية).
ويبرز إلى جانب سيني العديد من المبدعين الذين أصبحوا علامة فارقة في هذا المركز. يعتبر الحارس البارغواياني خوسيه لويس تشيلافيرت Chilavert، ثاني أكثر الحراس تهديفاً بعد سيني، إلا أنه يتفوّق عليه بمسيرة مميزة مع منتخب بلاده، بالإضافة إلى كونه الحارس الوحيد الذي سجّل ثلاثة أهداف في مباراة واحدة.
لعب تشيلافيرت خلال مسيرته لسبعة فرق، كان أبرزها فيليز ساسرفيلد Vélez Sarsfield الأرجنتيني، وتمكن خلال 22 عاماً من تسجيل 67 هدفاً، ثمانية منها مع المنتخب الذي مثله لويس في 74 مناسبة، كما كان ضمن تشكيلة المنتخب المشاركة في مونديال 98 و2002 الذي غاب عن مباراته الأولى لاستكمال عقوبة التوقيف عن اللعب، التي اتخذت بحقه بعد بصقه على مدافع المنتخب البرازيلي روبيرتو كارلوس خلال مباراة المنتخبين في التصفيات المؤهلة للمونديال. حقق تشيلافيرت بضعة ألقاب محلية وقارية مع الفرق التي مثلها، إلى جانب منحه لقب أفضل حارس في العالم ثلاث مرات من قِبل الاتحاد الدولي لتاريخ وإحصاءات كرة القدم.
في أمريكا الجنوبية أيضاً، يسجل الحارس الكولومبي رينيه هيغويتا Higuita اسمه كواحد من أكثر الحراس جنوناً في التاريخ، وإن لم يكن قد سجل أهدافاً أكثر من سيني أو تشيلافيرت، فإنه ابتكر "صدّة العقرب" التي جعلت شهرته تتفوق على شهرتهما، ومكنته من خطف القلوب كلما قام بتنفيذ تلك "الصدّة".
على الرغم من تركه المرمى مراراً وتكراراً وارتكابه العديد من الأخطاء الكارثية التي تسبب أحدها بهدف لمصلحة المنتخب الكاميروني في ثمن نهائي مونديال 1990، ومكن رفاق روجيه ميلا Roger Milla من التأهل على حساب كولومبيا، فإن هيغيتا كان معشوق الجماهير التي لقبته بالمجنون El Loco. لعب هيغيتا على مدار 25 عاماً لـ14 فريقاً وسجل 44 هدفاً (ثلاثة منها مع المنتخب، في 68 مباراة).
من أمريكا الجنوبية إلى الشمالية، تفخر المكسيك بامتلاكها جورج كامبوس Campos أحد أقصر وأفضل الحراس في العالم. النجم الذي اشتهر بزي الحراسة ذي الألوان الغربية، سجّل نفسه كأول لاعب يبدأ مباراة كحارس مرمى وينهيها في مركز قلب الهجوم.
ففي عام 1997 بدأ كامبوس لقاء فريقه أتلانتي Atlante ضد كروز أزول Cruz Azul، كحارس مرمى، وبعد فشل المهاجمين في تسجيل أي هدف، استبدل مدرب الفريق لاعباً بحارس آخر، وزج بكامبوس في مركز قلب الهجوم، ليسجل الحارس المتألق هدفاً مقصياً يعجز عن تقليده الكثير من المهاجمين.
لعب كامبوس خلال مسيرته لسبعة فرق، وسجل كحارس مرمى ومهاجم خلال مسيرته التي امتدت لـ16 عاماً، 34 هدفاً، فيما مثل منتخب بلاده 130 مرة، وشارك في مونديالي 94 و98، وحقق لقب كأس القارات مرة والكأس الذهبية مرتين.
بالانتقال إلى القارة العجوز، يسيطر النجم الدنماركي بيتر شمايكل Schmeichel على الجزء الأكبر من ذاكرة عشاق المستديرة، فبعد أن استقدمه السير أليكس فيرغسون Ferguson إلى مانشستر يونايتد Manchester United عام 1991، أصبح شمايكل أفضل حارس في العالم (92-93).
سجّل بيتر خلال مسيرته مع مانشستر يونايتد هدفين، ألغي الأول بداعي التسلل برغم تكبد الحارس عناء القيام بركلة مقصية جميلة، فيما احتسب الثاني ضد فريق فولغوغراد Volgograd الروسي ضمن منافسات كأس الاتحاد الأوروبي، عندما انبرى شمايكل لركنية في الدقيقة الأخيرة وأنقذ فريقه من الخسارة.
إلى جانب هدفه مع مانشستر، سجل شمايكل 10 أهداف أخرى مع فرق هافيدوفر Hvidovre وبروندبي Brøndby وأستون فيلا Aston Villa والمنتخب الدنماركي الذي مثله في 129 مباراة. خلال 22 عاماً قضاها في الملاعب، حقق شمايكل مع الفرق التي مثلها 23 لقباً، وقاد منتخب بلاده للفوز التاريخي ببطولة أمم أوروبا عام 1992.
على الرغم من تواضع شهرته قياساً بما ورد من أسماء، فإن الحارس البلغاري ديميتار إيفانكوف Ivankov يعتبر هداف حراس المرمى الأوروبيين برصيد 31 هدفاً سجلها مع فرق لفيسكا صوفيا Levski Sofia وقيصري سبور Kayserispor وبورصا سبور Bursaspor.
مثل إيفانكوف منتخب بلاده 64 مرة، أما أبرز محطات مسيرته الكروية، فكانت تسجيله ركلتين ترجيحيتين لفريقه قيصري سبور ضد غينتشلاربيرليغي Gençlerbirliği في نهائي كأس تركيا عام 2007، فبعد أن سدد إيفانكوف الركلة الأولى بنجاح، استمر الفريقان بالتسديد ليحصل الحارس المتألق على ركلة أخرى، ساهم بتسجيلها في فوز فريقه بالبطولة.
لم يسجل الألماني أوليفر كان Kahn أي هدف خلال مسيرته مع بايرن ميونيخ Bayern Munich أو مع الناسيونال مانشفات، لكن التاريخ خط اسم "الوحش" عندما أصبح عام 2002 أول حارس مرمى يفوز بجائزة أفضل لاعب في المونديال.
اشتهر كان بحماسته الكبيرة داخل الملعب، والذي غالباً ما كان يتحول إلى عدائية مفرطة تنفجر في وجه لاعبي الفريق الخصم، فيما حقق خلال مسيرته كل الألقاب الممكنة مع الفريق البافاري، إلى جانب لقب يورو 96 مع المنتخب وفضية وبرونزية مونديالي 2002 و2006.
خلال المحاولة الوحيدة التي جرب فيها كان تسجيل هدف، تقدم عام 2001 إلى منطقة جزاء فريق هانزا روستوك Hansa Rostock الذي كان متقدماً على البايرن 3-2، وسدد الكرة القادمة من ركلة زاوية بيديه داخل المرمى، ليتلقى البطاقة الصفراء الثانية ويطرد من المباراة في الدقيقة الأخيرة.
لأن ألمانيا معين حراس لا ينضب، تسلّم مانويل نوير Neuer راية العمالقة الذين سبقوه مقدماً مفهوماً جديداً لحراسة المرمى عبر مهارات خولته اللعب في مركزي الليبرو وحارس المرمى معاً.
أعاد نوير منذ أن كان في شالكه Schalke قبل الانتقال إلى العملاق البافاري، إحياء ذكريات هيغويتا، فقام بالعديد من الاختراقات التي بدأها من منطقة جزائه وصولاً إلى مرمى الخصم، إلا أنه لم ينجح بتسجيل هدف إلا عن طريق ضربة جزاء ترجيحية لم تشفع لفريقه بايرن ميونخ بالفوز على تشلسي في نهائي دوري أبطال أوروبا 2012.
بعد أن أحرز كل البطولات الممكنة مع البافاري، وصل نوير إلى قمة مستواه في مونديال البرازيل، وقدم أداء لافتاً توجّه بالفوز بلقب المونديال وبجائزة أفضل حارس مرمى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...