مستنداً إلى قائم المرمى بشكل يصعب تبريره بالارهاق، كان "ادريسا جانا جاي" لاعب وسط السنغال اقرب للمهزلة منه للمأساة، كرة الكولومبي "ييري مينا" الرأسية التي مرت من أمامه بينما اكتفت عيناه دونا عن بقية جسده بمتابعتها وهي تدخل الشباك لم تكن فقط إعلاناً لخروج غريب للسنغال من البطولة، بل كانت تسجيلاً لرقم جديد بغياب الأفارقة عن الدور الثاني للمونديال للمرة الأولى منذ اثنين وثلاثين عاماً.
العنصرية التي خشيها الأفارقة والفيفا قبل البطولة غابت عن المدرجات، لكن الأمراض المستوطنة في كرة القدم الأفريقية بدت واضحة في توديعات ممثلي القارة لمونديال روسيا، السنغال التي سجلت تاريخاً كأول من يودع المونديال بسبب بطاقة صفراء زائدة عن المنافس كانت الأقرب للعبور بعد بداية مبهرة بالفوز على بولندا في المباراة الاولى والتقدم مرتين على اليابان في الثانية، لكن ما يصاحب تألق فرق الغرب الأفريقي من أعراض جانبية لم يكن ليترك "اليو سيسيه" ليحقق حلمه. غياب الحسم أمام المرمى أعاد اليابان في النتيجة ووضع السنغاليين أمام رفاهية اللعب بفرصتين لم ينجح البتة فيهما الأفارقة في تاريخهم المونديالي، النتيجة كانت المزيد من الفرص لنيانج ورفاقه لكنها لم تجد الطريق الى مرمى اوسبينا ، المزيد من غياب الوعي باحتمال ان تصنع الانذارات الفارقَ الى حد أن يصبح نيانج المهاجم أكثر من حصل على بطاقات صفراء في الفريق ، والمزيد من لحظات الشرود الكامل عن اجواء الملعب كتلك التي تابع فيها ادريسا جاي الكرة الكولومبية وهي تعلن نهاية مشوار فريقه قبل الأوان.
الاحترام الذي حظيت به مشاركة السنغال في مونديال روسيا شاركتها فيه نيجيريا بدرجة أقل، فالنسور الشابة التي أتت لروسيا من مجموعة الجحيم في التصفيات اسقطت نفسها بنفسها في الفخ الكرواتي في اول جولة الى حد ان رفاق لوكا مودريتش تقدموا بهدفين قبل أن يسددوا كرة واحدة إلى المرمى. بدا هنا ان ملابس الفريق المزركشة هي الشيء الوحيد المميز الذي سيكون في مشاركتهم لكن النيجيريين تجاوزوا سقوط الجولة الاولى على غير عادة بعرض مبهر امام ايسلندا التي تكتشف طريقها في البطولة لأول مرة. ثنائية احمد موسى الذي دفعت به تعديلات جيرنوت روهر في شباك ايسلندا وضعت أبناء غرب افريقيا امام رفاهية لا يحبها تاريخهم ، وبفرصتين دخلوا ملعب سان بطرسبرج امام الأرجنتين التي، وإن كان معسكرها يعيش حالة من الفوضى، فإنها لا تزال تمتلك ميسي والعديد من الشكوك حول قدرة النيجيريين على الاحتفاظ بتركيزهم لتسعين دقيقة. وكالعادة يظهر داء الفرص الضائعة ليقضي على أمل افريقي كان على بعد دقائق فقط من التحقق لولا تقدم يائس لقلب الدفاع الارجنتيني ماركوس روخو اعاد رفاق ميسي من سلم الطائرة، مؤكدين سجلاً تاريخياً فشلت فيه نيجريا في الفوز على الأرجنتين في خمسة لقاءات مونديالية.
على الرغم من أن تونس لم تصنع الكثير على مستوى العروض الكروية الا أنها قدمت ما يتسق مع التوقعات المنطقية بعيداً عن طموحات نبيل معلول التي قتلتها قرعة البطولة في مهدها
العنصرية التي خشيها الأفارقة والفيفا قبل البطولة، غابت عن المدرجات لكن الأمراض المستوطنة في كرة القدم الأفريقية بدت واضحة في توديعات ممثلي القارة لمونديال روسياوإذا كانت فرق الغرب الافريقي قد غاب عنها التركيز والحسم وشيء من التوفيق من اجل التأهل ، فان ممثلي الشمال تباينوا في مردودهم وإن اشتركوا في تأثير مرض طالما عانوا منه هو المبالغة في التوقعات على ادائهم. المغرب كان اكثرهم تأثراً بهذه المبالغة مثلما كان اكثرهم احتياجاً لشيء من الحظ امام ايران والبرتغال ، لكنه ايضاً كان أكثرهم تقديماً لكرة قدم جيدة يمكن التحجج بها مع صغر سن التشكيلة وصعوبة مجموعة تصدرتها اسبانيا بهدف قاتل في شباك المغاربة ، أعاد لهم كل الغضب الذي يحملونه تجاه الحكام من رواسب مشاركات مونديالية سابقة. تونس أيضاً وعلى الرغم من أنها لم تصنع الكثير على مستوى العروض الكروية، قدمت ما يتسق مع التوقعات المنطقية بعيداً عن طموحات نبيل معلول التي قتلتها قرعة البطولة في مهدها، فلحظة شرود معتادة عربياً وإفريقياً في الدقيقة الأخيرة فصلت الفريق عن التعادل مع إنجلترا في اللقاء الاول ، وفي اللقاء الثاني كان الفارق بينها وبين تشكيلة بلجيكا الفاخرة أكبر من أن تعوضها صيحات آلاف التونسيين الذين احتلوا ملعب سبارتاك ، بينما كان الفوز في اللقاء الثالث على بنما حتمياً لإنقاذ ما يمكن انقاذه من سمعة فريق فقد هدافه طه ياسين الخنيسي ومهندس تأهله للمونديال يوسف المساكني بإصابات طويلة الأمد قبل السفر لروسيا بقليل. فوز تونس على بنما أرسل الأخيرة الى ذيل ترتيب الفرق في المونديال ، تاركاً خامس الفرق الافريقية مصر في المركز قبل الأخير بعد مشاركة فيها من الرداءة كل ما يصف مرحلة بهذا الوصف، وحده كان لمعان محمد صلاح في ليفربول الذي جعل من أمضوا الليالي في مقاهي القاهرة والساعات في القطارات بين مدن روسيا ينسجون أحلام النقطة البطولية من أنياب اوروجواي والفوز الذي سيجلبه صلاح من عقر دار الروس قبل الفوز المضمون على السعودية ، لكن المواجهة المنتظرة للانتقام من سرجيو راموس في الدور الثاني لم تكن لتحدث لفريق كان كل ما يحيط بمشاركته في البطولة مثيراً للشفقة ، بدءاً من ألوان طائرته التي اصطدم فيها عشق مسؤوليه للصفقات الصغيرة بالعالم المختلف الذي يدور حول صلاح ، ونهايةً بفوضى المؤتمر الذي خرج فيه اتحاد الكرة للحديث عما جرى بعد العودة للقاهرة ، وبين كل هذا تشكيلة من لاعبين ومدرب احتفظت برهبة وذهول من الوجود في المونديال حتى لو كان المنافس سعودياً وجد ضالته في دفاع كوبر المهترىء، ليكمل المصريون مشاركة كارثية لم تجلب لهم على الأغلب عقوداً إعلانية بعد ثلاثين عاماً من مرور ذكراها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...