شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ولادة الأغنية التونسية السمفونية: لحظة الانتشاء في رجّة الصوت المتحررة

ولادة الأغنية التونسية السمفونية: لحظة الانتشاء في رجّة الصوت المتحررة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 9 يونيو 201804:41 م
أنماط غنائية جديدة مثل الأوبرا ارتفعت أجراسها بالسّاحة الغنائية ما بعد ثورة يناير في تونس، أخرجت الأغنية من قوابلها التقليدية ودفعت بها إلى عوالم جديدة باتت تحصد آلاف المهتمين في وقت قياسي. كما انتهت إلى تشييد أضخم وأوّل قاعة أوبرا بمدينة الثقافة الصرح المعماري العظيم الذي تمّ افتتاحه في شهر آذار 2018 بالشارع الكبير محمد الخامس بالعاصمة. لئن عرفت السّاحة التونسية موسيقى الأوركسترا منذ ثلاثين سنة تقريبا وأفرزت فرقة أولى بقيادة المايسترو حافظ مقني، وفرقة ثانية "الأوركسترا السمفوني لأوبرا تونس بقيادة رشيد قوبعة، إلا أن الغناء الأوبرا لي لم يجد موضع قَدم في السّاحة إلا في يونيو 2010. جاء ذلك بعد تنظيم وزارة الثقافة التونسية مسابقة وطنية لأفضل صوت أوبرالي أفرز ثلاثة من الفائزين هم يسرى زكري وهيثم الحذيري الذي يطغى عليه الجانب الإنشادي الديني وهندة بن شعبان تميّزت من بينهم يسرى زكري، ولمع نجمها بعد أن بحثت عن الإضافة في هذا النمط الغنائي من خلال إدخال اللغة العربية الفصحى واللهجة المحلية وأداء مزيج من اللغات أيضاً.
نجحت الأغنية الأوبرالية في توظيف عناصر إبهار: كالتعبير بكامل الجسم من قسمات الوجه إلى جميع الأطراف، والرقص، والأزياء المميّزة
تبتكر تونس في النمط الغنائي الأوبرالي من خلال إدخال اللغة العربية الفصحى واللهجة المحلية وأداء مزيج من اللغات أيضاً
ومن ثمّة شقّت طريق النجاح بثبات وأوجدت لونا يميّزها دون غيرها لتكون أوّل تونسية تغني الأوبرا وتدخل العربية عالم السمفونيات كلمة ولحنا وتوزيعا، وأول عربية تدخل عالم الأوبرا من الباب الكبير في مسابقات عالمية بفرنسا وإسبانيا وكذلك ايطاليا منبت الأوبرا ومهدها الأوّل. ومما ساعدها على ذلك دراستها الموسيقولوجيا بالمعهد العالي للموسيقى في تونس وتخصصها في الغناء الأوبرالي والسمفونيات وإحرازها الدكتوراه في الاختصاصين. [caption id="attachment_149842" align="alignnone" width="683"]السوبرانو يسرى زكري السوبرانو يسرى زكري[/caption]

الأغنية التونسية والخروج من القوقعة

تسير يسرى على خطى مغنية الأوبرا العالمية ماريا كالاس ‏، وتبحث عن لون غنائي يميّزها لذلك أخرجت الأغنية التقليدية من قوالبها القديمة وبحثت في اختصاصها الأكاديمي لتقدّم الإضافة حتّى اشتهرت بالأغنية التونسية الأوبرالية وفاح عطرها في المحافل الدولية، وهي تتمسّك بإعطائها بصماتها الفنّية وتدافع عنها بقوّة وترى فيها نموذج الأغنية الحداثية النّاجحة بل أغنية المستقبل. لذلك مدّت جسور التواصل بينها وبين شعراء من تونس يكتبون اللغة المحلية والفصحى في أغان كثيرة منها العاطفية والوطنية، كما أدت بعض الأغاني التونسية القديمة بهذه الطريقة وتعدّ حاليا في اسبانيا لمشروع أوبراليّ ضخم باللغة العربية الفصحى والاسبانية والفرنسية والانجليزية تريد من خلاله أن تبرق رسالة مضمونة الوصول إلى كل من اعتبر هذا اللون الغنائي نسخة مشوّهة من الأغنية التونسية. محتوى هذه الرّسالة أنّ تونس منفتحة على الثقافة العالمية ولا يمكنها أن تنعزل داخل قوقعة. كما أنّ هذا الإبداع مؤلّف درامي غنائي متكامل يعتمد على الموسيقى والغناء تتطوّر مواضيعه وألحانه لتنسجم مع ذوق وعادات العصر الحالي. نجاح السوبرانو يسرى زكري مسيرة عطاء متواصلة منذ كانت طفلة في المدرسة تؤدي الأناشيد والأغاني بطريقة أوبرالية دون أن تدرك أنها ستتميز في يوم ما في هذا الاختصاص. فكانت تحضر التظاهرات المدرسية لتنشد نشيد التميّز بطريقتها التي لفتت إليها الانتباه حتّى دخلت المعهد العالي للموسيقى واكتشفت الأوبريت وتخصصت فيها وتميّزت لتكون أوّل تونسية تتجرّأ على هذا النّوع من الأغاني وتؤديه في أشهر دور الأوبرا العالمية بأكثر من لغة. ما دفعها إلى الاشتغال على هذا اللّون الفني انتشاره في جميع الدول العربية باستثناء ليبيا والسودان، وكذلك تونس التي رغم تدريسها بالجامعات إلا أنها لم تنظم حفلات للجمهور بإنتاجات خاصة إلا منذ أربع سنوات تقريبا. لهذا السبب راهنت السوبرانو على هذا التحدّي للمساهمة في خلق تاريخ مستقبلي للأغنية التونسية ،وبادرت بتنظيم حفلات لم يُقبل عليها الجمهور أوّل الأمر، لكنّها واصلت الاشتغال والمثابرة وأصبحت اليوم تحصد أكثر من 45 ألف معجب بما تقدّمه من أعمال على شيكات التواصل. ومما يزيد في حظوظ انتشار هذه الأغاني إقدام وزير الثقافة الحالي الدكتور في الموسيقولوجيا محمد زين العابدين على اتخاذ القرار بتأسيس دار أوبرا أولى من نوعها في تونس تحتوي على 1800 مقعد بمدينة الثقافة كخطوة تأسيسية لجمهور عاشق للأوبرا خلال السنوات القليلة القامة. 

ثورة في الذّوق العام

"فالجمهور التونسي الذي أبدى تفاعلا كبيرا مع كل الأنماط من الأغاني مثل المزود الشعبي والراب والأغاني الإيقاعية، من شأنه "أن ينتبه إلى عوالم السمفونيات الحالم ويتفاعل معها فلا يكون اختيارها مغامرة تنتهي في النهاية بالإحباط لأنه من أكثر الجماهير انفتاحا على الثقافات والحضارات المختلفة وعندما يُمنح الفنّ الرّاقي، الصّادق والمحترم يؤمن به ويشجّعه". من منطلق هذه القناعة اختارت أن تقتحم هذه العوالم مؤكّدة أنّ ثّورة يناير لم تكن سياسية فقط بل كانت ثورة في الثقافة والذّوق العام حتّى الجمهور نفسه تمرّد على الأنماط السّائدة والأغاني التقليدية وعبّر في أكثر من حفل أوبرالي عن إعجابه وثقته في هذه الأغنية النّاشئة وبدأ يتدرّج من الحضور المحدود إلى حضور مشرّف يملأ المسارح من مختلف الشّرائح العمرية اليوم. فقد تمكنت هذه الأغاني من افتكاك مكانتها نتيجة ما تعتمده من عناصر إبهار، كاستحضار أكثر من فن على الركح مثل المسرح الكلامي، والتعبير بكامل الجسم من قسمات الوجه إلى جميع الأطراف، والرقص، والأزياء المميّزة، والأجواء الراقية التي تفرض قداسة اللحظة في سموّ. INSIDE_YosraZekri2 ثمّ إنّ الأوبرا من الموسيقات الصّعبة جدّا، إذ تتطلّب قوّة الصوت والتمارين اليومية لضمان مساحة صوتية كبيرة ومرونة. كما أنّ أداء القصيدة العربية يحتاج إلى تمكّن كبير نتيجة وجود حروف الحلْق وهي صعبة للغاية عند الأداء على خلاف حروف المدّ. وبالتالي من ينضمّ إلى الأوبرا لا يمكن الاستهانة بقدراته الصوتية العالية. لذلك باتت تونس تَعدّ على أصابع اليد بعض الأصوات الأوبرالية منها ما اتجه نحو الأوبرا التجارية ،ومنها من خفتت تجربتها أمام ضيق آفاق الساحة الفنية ،ومنها من تدرّج طريقها بصبر نحو النّجاح إلى مرحلة التميّز والعالمية. INSIDE_YosraZekri أجسام تغني على المسارح ففي الأوبرا لا يكفي الصوت العذب فقط ،‏ بل يحتاج حسن الأداء إلى تقنيات فنية خاصة في التحكّم في الصوت وتمديده وخفضه ، ويرتبط ذلك بكيفية التحكّم في مخزون الهواء والتنفس للمؤدّي. ‏وعلى خلاف الرأي السّائد لا يتحكم الحلق وحده في الغناء‏ بل تتجنّد جميع طاقات الجسم على الرّكح لتقديم أعذب ما لديها من إحساس فني إلى درجة الانتشاء، فيكون بذلك الجسم من يغنّي على المسرح لا الحنجرة.‏ ومن هنا، تعتبر السوبرانو يسرى زكري أنه من الضروري أن يحافظ المغني على التوازن التام لتنسيق ذلك الخيط الرّفيع الذي لا يُرى بين الصوت وحركات الجسم، وذلك ما يحتاج إلى تمرّن وتدريب وكثير من الجهد الجسدي والطاقة. فلحظة الانتشاء تغيرت ولم تعد مرتبطة بالحناجر النّاعمة بعدما انتقلت العروض من الكنائس والأماكن المغلقة إلى دور الأوبرا والمسارح. بل باتت رجّة الصوت المتحررة من الحناجر الطريق إلى الاستمتاع في اعتماد كبير على أجهزة تضخيم الصوت الطبيعية في الجسم ‏خاصة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image