بعد اعتراف أميركا بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها للمدينة المحتلة قبل بضعة أيام، تستعد تل أبيب لجولة أخرى من الضغط على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لانتزاع اعترافها بسيادتها على هضبة الجولان المحتلة، وسط توقعات بموافقة الولايات المتحدة على ذلك خلال شهور، حسبما أوردت وكالة رويترز.
وتشكل مساعي إسرائيل سانحة لبشار الأسد لتمديد بقائه في الحكم، وانتعاشة للخطابات العنترية وحشد أصحاب التوجهات القومية والشعبوية حول اللافعل، كما عادة نظام حزب البعث الذي فشل في استعادة الهضبة المحتلة منذ 50 عامًا ونيف.
وفي وقت ما، كان الإسرائيليون على استعداد لبحث إعادة الجولان مقابل السلام مع سوريا، إلا أنهم قالوا في السنوات القليلة الماضية إن الحرب الأهلية في سوريا ووجود قوات إيرانية هناك تدعم دمشق يُظهران أنه ينبغي لإسرائيل الاحتفاظ بالهضبة الإستراتيجية.
"التاريخ في صالحنا"... ما دلالة الاعتراف الأميركي؟
"الهضبة السورية في أيادينا"، عبارة تصدرت بيانًا لجيش الاحتلال الإسرائيلي في 10 يونيو 1967، كانت هذه التسمية الأكثر شيوعًا وقتها عن كلمة الجولان. ومرتفعات الجولان هضبة إستراتيجية بين إسرائيل وسوريا وتبلغ مساحتها حوالي 1200 كيلومتر مربع. واستولت إسرائيل على حوالي ثلثيها من سوريا. ونقلت مستوطنين إليها ثم أعلنت ضمها إليها في 1981 في خطوة لم تحظ باعتراف دولي. وفي عام 2000 عقدت إسرائيل وسوريا محادثات رفيعة بشأن احتمال إعادة الجولان إلى دمشق مقابل إبرام اتفاق سلام وتطبيع العلاقات مع تل أبيب، لكن المفاوضات انهارت دون أسباب واضحة، كما فشلت محادثات لاحقة توسطت فيها تركيا. وفي تصريحات لوكالة رويترز، أمس الأربعاء، قال وزير المخابرات الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن تل أبيب تضغط على إدارة ترامب للاعتراف بسيادتها على الجولان المحتلة. "هناك فرصة عظيمة مواتية واحتمال كبير لحدوث هذا في بضعة أشهر قد تزيد أو تنقص قليلًا". وكشف كاتس أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ناقش الفكرة للمرة الأولى مع ترامب خلال لقائه به في البيت الأبيض في فبراير 2017، وأنها قيد النقاش حاليًا على مستويات متعددة داخل الإدارة والكونجرس في الولايات المتحدة.الجولان بين الاحتلال وسوريا النظام...بـ"اعتراف أميركي"، متى تضمّ إسرائيل الجولان بعد القدس؟
بين الحرب الأهلية والاحتلال يجد السوريون في الجولان المحتل أنفسهم عالقين ويواجهون مستقبلًا غامضًا، بين نظام تجاهلهم على مدار عقود، ودولة احتلال تغازلهم بإغراءات الأمان والسلامة والعمل على حساب فقدان هويتهم الأصلية.وأضاف "هذا هو الوقت المثالي للإقدام على مثل هذه الخطوة. الرد الأشد إيلامًا الذي يمكن توجيهه للإيرانيين هو الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان- ببيان أمريكي، إعلان رئاسي، منصوص عليه (في القانون)“. واعتبر أنها رسالة إلى طهران ستكون "أنتم تريدون تدمير (إسرائيل حليفة الولايات المتحدة)، وإثارة هجمات (ضدها)؟ فانظروا، لقد حدث العكس تمامًا"، فيما قلل من احتمال حدوث أي توتر بين موسكو وواشنطن في هذا الشأن. وربط كاتس بين الوجود الإيراني في سوريا وسعيها للاعتراف الأمريكي بالجولان، قائلًا "هذه لحظة الحقيقة بالنسبة للأسد. هل يريد أن يكون وكيلًا لإيران أم لا؟". وأشار وزير المخابرات إلى أن الخطوة الأمريكية بشأن الجولان يمكن أيضًا أن تدفع الفلسطينيين لاستئناف محادثات السلام، بعد رفض رسمي فلسطيني لقرار ترامب في ديسمبر الماضي بنقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس. وقال "عليهم أن يسارعوا ويجلسوا مع إسرائيل، لأن إسرائيل إذا قالت إنها عازمة على أن تكون فسوف تكون ولن تتراجع، والتاريخ في صالحنا".
ما وضع الجولان؟ ومن يعيش هناك؟
وبين الحرب الأهلية والاحتلال، يجد السوريون في الجولان المحتل أنفسهم عالقين ويواجهون مستقبلًا غامضًا، بين نظام تجاهلهم على مدار عقود، ودولة احتلال تغازلهم بإغراءات الأمان والسلامة والعمل على حساب فقدان هويتهم الأصلية. وحاولت سوريا استعادة الجولان المحتلة في حرب أكتوبر 1973، لكن فشل هجومها المتزامن مع التحرك المصري في شبه جزيرة سيناء. ووقعت دمشق وتل أبيب هدنة في 1974. وبموجبها استعادت دمشق القنيطرة وقرى في أجزاء "غير محتلة" من الجولان، والتي ما زالت مُدمرة مبانيها حتى الآن، وهو ما يبرره النظام السوري بأنها لن تُرمم قبل استعادة الجولان. وتحتل الهضبة موقعًا إستراتيجيًا، فالمتحكم فيها يمكنه رؤية تخوم العاصمة دمشق، التي تبعد عن الجولان 60 كيلومترًا، وإذا التفت إلى الغرب يمكنه رؤية مروج الجليل، حيث الأراضي الفلسطينية. فضلًا عن أن 14% من مصادر المياه فقدتها سوريا، لذا تطالب بالجزء الشمالي الشرقي من بحيرة طبرية (قرار مجلس الأمن 242 و338). وحتى الآن ترى الأمم المتحدة الجولان "أرضاً سورية محتلة"، بينما تطالب تل أبيب بضمها إليها. وتاريخيًا، تنتمي غالبية سكان الجولان إلى القبائل القادمة من شبه الجزيرة العربية، منها قبيلة الفضل، وهي كبرى القبائل العربية، تقيم الآن في القسم الشمالي الغربي من الجولان، وترجع بأصولها إلى الفضل بن عباس، أحد أبناء عم النبي محمد. عدا امتدادات لعشائر فلسطينية في داخل سوريا، حيث لجأت إلى الجولان عام 1948، ومع تتالي العهود الحاكمة منذ الفتح الإسلامي، استقرت في الجولان أقليات، مثل: الشركس والتركمان والدروز. [caption id="attachment_149603" align="alignnone" width="700"] علم الخمس حدود للدروز على سطح منزل[/caption] ومنذ 1967، دمرت إسرائيل 350 بلدة، وقرية، ومزرعة وطردت 131 ألف سوري من الجولان، ونقلت إليها قرابة 20 ألف مستوطن. ومع تفاقم الأزمة السورية، استغلت تل أبيب هذه الأوضاع في العودة للمطالبة بشرعية وجودها في الجولان. كما زار نتنياهو المنطقة في 2016، وتعهد بأن "الجولان سيظل دائمًا في أيدي إسرائيل". وفي 2015، أطلق خطةً مفتوحة تهدف إلى زيادة عدد المستوطنين غير الشرعيين إلى 100 ألف. وتطلق إسرائيل إغراءات وحوافز مالية لنقل المزيد من المستوطنين والطلاب إليها، إذ نقلت جامعة "أوهالو" من منطقة طبرية إلى مستوطنة كتسرين غير القانونية في الجولان المحتل. وقامت باستثمار الملايين في المستوطنة، بما في ذلك بناء مساكن جديدة للطلاب، وتقديم مرتبات شهرية تصل إلى 75٪ من رسوم الإيجار. وفي السنوات الأخيرة، حاولت إسرائيل استرضاء السوريين في الجولان، بعد عقود من تجاهلها للسكان الأصليين ومصادرة أراضيهم وممارسة التمييز. ومنحت سلطات الاحتلال المجالس المحلية العربية "الدرزية" موارد مالية كبيرة لبناء المدارس، والطرق وغيرها من مشاريع البنية التحتية العامة. وأتاحت إسرائيل للدروز خيار الحصول على الجنسية، لكن أغلبهم رفض ذلك بموجب تحريم درزي. ويعيش هناك نحو 20 ألفًا من الدروز يحملون صفة "مقيم دائم". وحاولت سلطات الاحتلال الاستفادة من موارد الهضبة السورية، حيث دشنت منتجعًا سياحيًا للتزلج في شمالها، واهتمت بتحسين قطاع الزراعة، حيث تنتج مزارعها أجود محاصيل التفاح والعنب المستخدم في صناعة النبيذ.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...