لتطبيق التعليم الجنسي في لبنان تاريخ من الخلافات، فقد كان موضع نقاش لأول مرة عام 1995 حين قامت منظمات تابعة للأمم المتحدة والعديد من الخبراء تحت إشراف المركز العلمي للبحث والتطور، بتصميم منهج للتعليم الجنسي مخصص للصف الثامن (من 12 إلى 14 سنة).
تضمن المنهج التغييرات التي تحدث أثناء عملية البلوغ وتشريحاً للأعضاء التناسلية ووظائفها ونظرة عامة إلى الدورة الشهرية للمرأة والخصوبة.
كذلك تتطرق إلى الأمراض الجنسية ووسائل تنظيم النسل، بالرغم من أن تلك الموضوعات كانت مطروحة من منظور محلي، مع التأكيد أن العلاقة الجنسية تنحصر في أطار الزواج. ويشير المنهج إلي الإجهاض كحل أخير في الحالات الحرجة (وفقاً للقانون اللبناني).
واجه المنهج رد فعل سلبياً من عدد من رجال الدين. وبالرغم من أنه كان قائماً على مبادئ علمية، فإن تلك الموضوعات اعتُبرت حسّاسة ثقافياً.
قال المنتقدون إن تطبيق المنهج سيقود إلي الانحراف والتعامل مع الجنس على أنه أمر بسيط (تحديداً بين التلاميذ غير المتزوجين)، وهو ما وصفه رجال الدين بالمبادئ الغربية غير الأخلاقية.
وتحت ضغوط المعارضين، حذفت وزارة التعليم المنهج، إلا أن مدارس عدة ما زالت تدرّس نسخاً مختلفة منه للتلاميذ.
لم تكن المحاولات لاعتماد المنهج على مستوى الدولة ناجحة. وحتى اليوم، ما زال التعليم الجنسي أمراً مثيراً للجدل وفقاً للثقافة الذكورية في لبنان.
ولكن في مقابل نقص المعرفة الجنسية والتناسلية المقلق في المجتمع اللبناني، عمل بعض الأشخاص والمنظمات بتفانٍ على تزويد العامة بمعلومات وافية يعتمد عليها فيما يتعلق بهذا الأمر.
هنا، نعرّف ببعض تلك المنظمات وبالأشخاص الذين يديرونها.
جهود كبيرة يبذلها أفراد ومؤسسات في لبنان من أجل عدم وصم الأحاديث المفتوحة عن الجنس بالعار
في استطلاع لآراء التلاميذ في المدارس الإعدادية حيال التعليم الجنسي في لبنان، تبيّن أن المقاطع الجنسية الإباحية هي المصدر الرئيسي للمعلومات لدى الطلبة
كيف ينظر للتعليم الجنسي: مبادرة شخصية
فرح مهنّا، مدرّسة أحياء سابقة للمرحلة الثانوية ببيروت، شعرت بالحاجة الشديدة للتعليم الجنسي في لبنان حين حاصرتها، في إحدى الحصص، أسئلة ومفاهيم خاطئة وآراء متضاربة حول الصحة الجنسية. من خلال رسالة الماجستير التي تعدها، تلقي مهنّا الضوء على آراء التلاميذ في المدارس الإعدادية حيال التعليم الجنسي في لبنان. أغلبية من شاركوا في استطلاع الرأي الذي أجرته يؤيدون التعليم الجنسي في لبنان، مع تحفظات على عدد من المواضيع. ولاحظت مهنّا أن شبكة الإنترنت، خاصة المقاطع الجنسية الإباحية، كانت المصدر الرئيسي للمعلومات لدى الطلبة، وهذا ما أنتج العديد من المفاهيم الخاطئة التي تنعكس سلباً على المساواة بين الجنسين، وتؤدي إلى سلوكيات خطرة. تؤمن مهنّا بأن "هناك مسؤولية تقع على عاتق كل معلّم لتمكين تلاميذه من اتخاذ قرارات واعية في حياتهم، ومن الحكم على محتوى المعلومات التي يتلقونها". وأضافت "هذا لن يتم إنجازه إلا عن طريق توفير الأدوات اللازمة، بما في ذلك معلومات علمية صحيحة ومهارات تواصل فعّالة لاتخاذ قرارات تؤدي إلى حياة جنسية وتناسلية صحية". لاحقاً، سينشر البحث الذي تعدّه مهنّا ليساهم في تعويض نقص المنشورات المتعلقة بمواقف العالم العربي حيال التعليم الجنسي وتوفير فهم أفضل للمشكلة وطرائق حلها.اللجنة الدولية لطلبة الطب في لبنان
تطوعت دانا نابلسي، وهي طالبة طب في السنة الثالثة، للعمل مستشارةً لزملائها في اللجنة الدولية لطلبة الطب في لبنان. توفر المنظمة معلومات عن الصحة الجنسية والإنجابية للمدارس ومجموعات الكشافة. مدة الجلسات التي تشارك فيها نابلسي تراوح بين ساعة وساعتين على الأكثر، لذلك تسعى هي وزملاؤها لتغطية الأمور المهمة. قالت نابلسي "نشرح الجانب التشريحي والوظيفي ونناقش النظافة الصحية بعد الدورة الشهرية والبلوغ والعادة السرية، والجنس بالتراضي والاغتصاب والأمراض المنقولة جنسياً وفيروس نقص المناعة البشرية والرغبة الجنسية ووسائل منع الحمل ومواضيع أخرى". من جانب آخر، تفرض مدارس عدة حدوداً على المواد الجنسية المخصصة للطلاب. تقول نابلسي إنه طُلب منها عدم فتح نقاشات تتعلق بالعادة السرية ومراحل العملية الجنسية والرغبة الجنسية ووسائل منع الحمل مثلاً. لكنها أكدت أن لدى المحاضرين الحرية في الإجابة عن أسئلة الطلاب.الجمعية الطبية اللبنانية للصحة الجنسية
هناك نقص شديد في الصحة الجنسية والإنجابية فيما يتعلق بالأقليات الجنسية، لذلك قامت الجمعية الطبية اللبنانية للصحة الجنسية بتطوير منهج تعليمي عن الجوانب الصحية للأقليات الجنسية وراحت تدرّسه لطلبة الطب في بعض الجامعات بلبنان. تقول بيانكا سلّوم المديرة التنفيذية للمنظمة "نسعى للتواصل مع العاملين في مجال الرعاية الصحية وإعداد كفاءات قادرة على التعامل مع متطلبات الصحة الجنسية الخاصة بعملائهم، خاصة الأقليات الجنسية. هذا العام سننظّم ورش عمل لطلبة الطب وطلبة التمريض والأخصائيين الاجتماعيين وأساتذة الطب النفسي وطلاب الصحة العامة".مركز الصحة الجنسية مرسى
يأتي مركز الصحة الجنسية مرسى على رأس الجهود المبذولة في لبنان لتوفير المعلومات العلمية الخاصة بالصحة الجنسية والتناسلية. كذلك يقوم المركز "بتوفير خدمات متعلقة بالصحة الجنسية مع الحفاظ على السرية... وتأمين بيئة عمل ودودة لا وجود فيها للوصم أو التمييز ضد السن أو النوع أو الميول الجنسية". على غرار الجمعية الطبية اللبنانية للصحة الجنسية، يتعاون مرسى مع جامعات محلية "لدعم المحتوى المتعلق بالصحة الجنسية في كليات الطب والتمريض". ويجري مرسى أيضاً اختبارات للكشف عن الأمراض الجنسية ويقدم خدمات استشارية تطوعية يديرها مدربون متخصصون في الصحة الجنسية. خلال الجلسات الاستشارية قد يتلقى الحاضرون معلومات عن موضوعات مختلفة، مثل أعراض الأمراض الجنسية ووسائل المنع والعلاج. تقول منسقة المشروع سارة أبو ذكي "الغالبية العظمى من المستفيدين ينقصهم المعلومات الأساسية التي تؤهلهم لاتخاذ قرارات واعية حيال حياتهم الجنسية مع وجود مفاهيم مغلوطة حول انتقال الأمراض الجنسية ووسائل منعها". لذلك يطبع مرسى منذ نشأته في 2011 نشرات إرشادية عن الأمراض الجنسية ووسائل منع الحمل ويوزعها على العامة. ينتج المركز أيضاً أفلاماً تعليمية عن مختلف الموضوعات المتعلقة بالصحة الجنسية والتناسلية التي في الغالب لا يتم مناقشتها في العلن، مثل العادة السرية وتجارب المتحولين جنسياً.مشروع الألف
المشروع مستوحى من مبادرة ناشطات نسويات في الهند تحت اسم مشروع الألف. وقد أطلق أخيراً المشروع الذي يحمل الاسم نفسه في لبنان خطاً ساخناً للاستشارات الجنسية. تقول زينة عمّار، من منسقي الخط الساخن، إن المعلومات التي توفرها الخدمة تأتي "في إطار الخطاب النسوي الذي يؤكد على استقلالية المرأة والتحكم في جسدها". يوفر الخط الساخن معلومات عن التوجه الجنسي والهوية الجنسية والمتعة والعنف الجنسي ووسائل منع الحمل والأمراض الجنسية والإجهاض. الجمهور المستهدف الأساسي لمشروع الألف هو من المجموعات التي يسهل إلحاق الأذى بها، كالعاملات المهاجرات (غالبيتهنّ من أفريقيا وجنوب آسيا)، واللاجئات (معظمهنّ من سوريا وفلسطين) والنساء اللبنانيات ذوات الأجور المنخفضة، بالإضافة إلى المثليين والمتحولين جنسياً وغيرهم.في الاتجاه الصحيح
هنالك مجموعات أخرى، مثل مركز الموارد الجندرية والجنسانية وشبكة الباحثين العرب المتخصصين بالجنسانية والصحة الجنسية، تبذل جهوداً من أجل عدم وصم الأحاديث المفتوحة عن الجنس بالعار. بالإضافة الى ذلك، قام صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان بمحاولات عدة للدفاع عن القضية وبناء قدرات، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات تثقيف الأقران فيما يتعلق بموضوعات التعليم الجنسي. لا توجد معلومات مؤكدة بشأن الجهود المستقبلية في الاتجاه نفسه، وبشأن مدى التأثير الذي خلّفته تلك المشاريع. قد يعتقد البعض أن الصحة الجنسية والإنجابية ليست بالأمر الملحّ في بلد يضم موارد محدودة ومشاكل صحية عدة. ولكن تبقى الصحة الجنسية والإنجابية أمراً مهماً يمثل القاعدة للعديد من حقوق الإنسان الأخرى في المنطقة. ولا يزال البحث مستمراً عن طرائق فعالة للتعامل مع الصحة الجنسية والإنجابية، وهو ما يبدو اندفاعة في الاتجاه الصحيح، لأن الكثير من الناس أصبحوا يدركون أهمية الصحة الجنسية والإنجابية، ويحاولون تثقيف أنفسهم على هذا الصعيد.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...