قبل ثلاثة أيام، تخَطّت الدكتورة في علم النفس ميلانة زين الدين ابنة مدينة السويداء، عتبة الثلاثين من العمر، من غير أن تنتبه لهذا التفصيل على حد تعبيرها.
بهدوء، عالجت مرضاها في الهلال الأحمر، وعادت إلى غرفتها في مدينة جرمانا بدمشق، حيث أنساها الخوف من القذائف إتمام حاجاتها.
وكغيرها من السوريين راحت تقلب صفحات فيسبوك، لتذكرها بعمرها معايدات الناس والأهل والجيران والأصدقاء على حائطها.
نعم إنها في " الثلاثين من العمر”!
ماذا يعني عمر الثلاثين؟
وهل يختلف عن العشرين والأربعة عشرة؟ إنه رقمٌ كغيره من الأرقام.
تفقدت ميلانة ذاكرتها وتساءلت: لم يذكروا إلا الثلاثين ونسوا أني طبيبة في الثلاثين؟
هو المجتمع السوري عموماً الذي قدم "فوبيا الثلاثين" للفتيات السوريات منذ نعومة أظفارهن.
هو المجتمع نفسه الذي يدعي الانفتاح الفكري والثقافي، وهو أيضاً المجتمع الذي اختلف دينياً، ومذهبياً، وسياسياً، وتوحد بريفه ومدنه على تقديم فكرة عن مخاطر عمر الثلاثين للفتيات، منذ كن صغيرات، وأهم تلك المخاطر "العنوسة".
تسأل إيمان (اسم مستعار)، ابنة مدينة حمص من مواليد 1989، ومذيعة على إحدى الشاشات السورية: هل تحدث الطب عن عنوسة في الثلاثين أم أن المتزوجات في سن 14 و18 أصدرن ختم العنوسة؟
زادت الحرب السورية خوف الأهل والمجتمع من تقدم الفتيات في العمر، وخصوصاً المتعلمات منهن، فالخيارات محدودة وجيل بأكمله قتلته الحرب أو هجّرته.
والباقي من الخيارات محدود جداً: عريس متزوج، أو عريس كبير في العمر، في ضوء تنازل الأهل عن كثير من الطلبات، وحتى غض النظر عن طائفة العريس في بعض العائلات.
إنه عام 2018 لكن بعقلية باب الحارة بأسلوب حديث، فخطورة عمر 18 عاماً في زمن الجدات يعادل 30 عاماً في زمن الحفيدات.
ترفض رهف، مواليد 1988، فكرة الخوف من عمر الثلاثين، رغم حديث محيطها الدائم عن الزواج وتأخرها عنه بسبب خيارات العرسان غير المتناسبة مع شهاداتها العليا، وهي تصر على فكرة " يلي ببيت أهله على مهلو". ورغم شهرها الأول بعد الثلاثين أصرت على أن يكون قالب الكيك مزيناً بثلاثين شمعة.
أسئلةٌ كثيرةٌ تراود الفتيات السوريات، وخصوصاً المتعلمات جداً، حول وضع قانون الثلاثين مجتمعياً؟ وأي طائفة هي التي بدأت بتوزيع صكوك الغفران لفتاة تتزوج قبل الثلاثين؟ ولماذا لا يفكر الأهل في المشاكل والأطفال وصعوبات الحياة الزوجية؟ ولماذا لم تغير مأساة الحرب نظرة المجتمع لفتاةٍ في الثلاثين؟
لا أجوبة منطقية داخل جدران أي منزل سوري من الساحل إلى الصحراء، ومن مدن الداخل إلى السويداء، ويستمر الخوف من "العنوسة" في عمر معيّن فرضه المجتمع.
محمود ابن دير الزورو الذي يعمل صحفياً لا يجد مشكلة في الارتباط بفتاة ثلاثينية أو تجاوزت الثلاثين من عمرها، بل يفضل ذلك، كونها اكتملت عقلياً وعاطفياً. وأشار إلى أن المجتمع السوري غير منصف للمرأة من هذه الزاوية، في حين أن الجيل الحالي لا يفكر هكذا. يوافقه في الرأي محمد ابن مدينة حمص الذي يعاني من تجربة زواجه بفتاة عمرها 18 عاماً، وانتهت بطلاق بعد عام وطفلٍ ينتظره مستقبلٌ مجهول.
في السياق نفسه، يٰذكر أن العمر المناسب لزواج الفتاة في المانيا هو 30 عاماً؟ ورغم اختلاف مفهوم الزواج بين العرب والغرب، فقد أقروا في الغرب أن إدارة الأسرة تحتاج نضوجاً عقلياً مكللاً بالعواطف، أما في سوريا فينظر للفتاة الثلاثينية بشفقة وعطف، إذ يجب أن تتسول عريساً للسترة!
هل بالرجل وحده تُستر الفتاة؟
توافق الدراسات النفسية السورية رأي المجتمع الإلماني نظرياً، وتشير إلى أن الفتاة في عمر الثلاثين تكون أكثر نضوجاً وتقديراً لذاتها، وقادرة على تحديد خياراتها، وخصوصاً في مجتمع كالمجتمع السوري ما زال يتصف بذكوريته، ويخيف الفتاة بفوبيا العنوسة.
أما عملياً فيحتاج هذا المجتمع ثورةَ منطق على عاداتٍ فرضها دون منطق، ومعالجة نفسية ضد فوبيا العمر.
لم يشفع لميلانة ابنة السويداء عِلمها، ولم يشفع لإيمان ابنة حمص حوارها الجميل على الشاشة، ولم يشفع لرهف ابنة حلب دراساتها العليا.
كلهن محكوماتٌ بنون النسوة، وبتساؤلات يقابلنها مرة بغضب، ومرة بنكتة، ومرة "بأذن من طين وأذن من عجين".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين