افتتح في صنعاء أول معرض للكتب المقرصنة، في وقت تبدو ثورة تكنولوجيا الاتصال والطباعة شرعت الأبواب لسرقة حقوق المؤلف والناشر على السواء.
يشهد اليمن حرباً أهلية توصف بالكارثة غير المسبوقة، خصوصاً لجهة الدمار الكبير وتفشي المجاعة والأوبئة، بيد أن هذا لم يباعد كثيراً بين اليمنيين والقراءة . وما زال الكتاب الورقي محافظاً على مكانته حتى بين مستخدمي الحواسيب والفضل يعود إلى الشبكة العنكبوتية.
اليمن عضو في اتفاقيتي تريبس وباريس. وفي 2012 صدر "قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة"، إلا أن ظاهرة قرصنة حقوق الملكية في البلد الأفقر والأقل استقراراً إلى تفاقم، كنتيجة حتمية لابتلاع الميليشيات المسلحة مؤسسات الدولة والمجتمع وفق ما يرى يمنيون.
ثورة القرصنة
بدلاً من انتظار مواسم معارض الكتاب أو السفر لحضور حفل موسيقي أو مهرحان سينمائي، يكفي أن تبحث عبر محرك غوغل لتحصل على نسخ مجانية من أحدث الكتب والأفلام والأغاني والبرمجيات. فعلى سبيل المثل، تباع نسخة ويندوز 10 في صنعاء بمبلغ 150 ريالاً (أقل من نصف دولار) مقابل 145 يورو في متجر شركة مايكروسوفت.
فلئن أدت ثورة تكنولوجيا الاتصال والطباعة إلى تدفق المعلومات بسرعة وسلاسة لتعم أرجاء المعمورة المختلفة، إلا أنها فتحت ثغرة كبيرة لقرصنة حقوق الملكية، خصوصاً في البلدان النامية.
صحيح أن الحرب التي يشهدها اليمن على خلفية انقلاب مسلح نفذته ميليشيات الحوثيين والقوات الموالية للنظام السابق، عطلت الاقتصاد اليمني بما فيه سوق الكتاب حتى أمسى الحصول على الرغيف مهمة عسيرة، إلا أن ذلك لم يحل دون وصول الكتب الجديدة من خلال تصويرها أو إعادة طبع نسخها المنتشرة على الإنترنت.
خلال سنوات دراسته، وحتى بعد تخرجه في جامعة صنعاء عام 2015، ظل هيثم (26 سنة) يعمل في مكتبة خاصة بصنعاء. أطلق هيثم مطلع العام الماضي، مشروعه الخاص "بوك توداي"، وهو عبارة عن متجر على "فايسبوك" لتحويل الكتب الإلكترونية المقرصنة نسخاً ورقية مع خدمة التوصيل إلى البيوت.
يعترف هيثم لرصيف22، بأنه يربح جيداً من تحويل الكتب الإلكترونية كتباً ورقية، موضحاً أن كلفة الطباعة الفاخرة للنسخة الواحدة تصل إلى 700 ريال (أقل من دولارين).
يضم معرض نظمه "بوك توداي"، أكثر من 200 عنوان.
جميع النسخ المعروضة تبدو طبق الأصل من الكتب الأصلية الصادرة عن دور نشر عربية شهيرة. ولئن خلا المعرض من مؤلفات يمنيين "تجنباً للملاحقة"، إلا أن الحصول على مؤلفات يمنية ممكن عبر التواصل مع مزودي الخدمة من خلال أرقام الهواتف التي ينشرونها على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي والواتساب.
كتب سودٌ
تعود ظاهرة قرصنة حقوق الملكية إلى ما قبل الحرب وتشمل الكتب والأغاني والبرمجيات. لكنها لا تقتصر على اليمن فحسب، فغالبية الدول العربية تعاني منها. يذكر الروائي اليمني علي المقري لرصيف22، أنه عثر في صنعاء والقاهرة وعمّان على نسخ كثيرة مزورة من رواياته، لكنه لم يستطع هو ولا الناشر إيقاف ما يقوم به مصورو الكتب وفق قوله. وإضافة إلى وجود صفحات على "فايسبوك" مثل "بوك تودي" و "مدينة الكتب اليمنية"، تنتشر في صنعاء ومدن يمنية أخرى محال تجارية تختص بتحول الكتب الإلكترونية ورقية. ويقول بائعو كتب مقرصنة أنهم يتعاملون مع مطابع مصرّح لها تعمل بتقنيات حديثة كالتغليف الحراري. يعزو المقري تفاقم ظاهرة الكتب المقرصنة إلى انعدام القدرة على استيراد الكتب من خارج اليمن بسبب الحرب، مشيراً إلى أن بعض هذه الكتب يظهر بشكل غير مكتمل من خلال مسح بعض الأسطر أو الصفحات، أو اسودادها، أو غياب صفحات أو الاختلاف في ترقيمها. العيوب التي يذكرها المقري قد تنطبق على بعض الطبعات، خصوصاً التي تصور بوساطة الكاميرا والماسح الضوئي. أما بالنسبة إلى الكتب التي يسوقها محترفون، فتخلو تماماً من العيوب وفق ما لاحظ رصيف22 على الكتب التي ضمها معرض "بوك تودي". يقول هيثم أن تقنيات الطباعة تسمح بإزالة جميع العيوب المنتشرة في النسخ الإلكترونية مثل أسماء الأشحاص والمنتديات، مؤكداً أنه يتجنب طبع الكتب التي تتعارض مع قناعاته مثل كتاب "وهم الإله"، وغيره من الكتب التي تنفي وجود الخالق . علاوة على كسرها قيود الرقابة، توفر شبكة الإنترنت وتقنيات التصوير والطباعة فرصة ذهبية للقراء الفقراء في بلدان كثيرة مثل اليمن الذي يعاني فيه المواطن من عدم القدرة على توفير الغذاء ناهيك بشراء الكتاب. فلئن شكلت ثورة التكنولوجيا ثمرة تطور الرأسمالية، إلا أنها حررت الشعوب الغقيرة من عوز المعرفة وفق ما تقول لرصيف22 الناشطة المدنية رجاء حسين (36 سنة)، معتبرة محتوى الفضاء الافتراضي ثورة معرفية بامتياز جعلت الجياع يعرفون حقيقة جوعهم وأسبابه. يرى الذين تحدث إليهم رصيف22 أن الحصول على المعرفة حق إنساني، وأن دعم الكتاب والكاتب مسؤولية الدولة، خصوصاً في البلدان ذات الدخل المتدني. وثمة من يعد نشر الكتب المقرصنة فضيلة. ودرج الكاتب فايز البخاري على طبع اسمه على النسخ التي يصورها متبوعاً بـ "غفر الله له ولوالديه" . يذكر هيثم أن كاتبين يمنيين طلبا منه طبع مخطوطات لهما وبيعها من دون أي مقابل. لكن المقري صاحب "اليهودي الحالي" و "حرمة" و "بخور عدني" الذي تُرجمت رواياته إلى لغات عدة، يأخذ على أصحاب شعار "دعوا الناس يقرأوا" تواطؤهم مع القرصنة، مؤكداً أن هؤلاء لا يدركون أن عدم حصول الكاتب على حقوقه قد يمنعه من مواصلة الكتابة، "بخاصة إذا لم تكن لديه مهنة أخرى يعيش منه". وتعذر على رصيف22 الحصول على تعليق وزارة الثقافة واتحاد الناشرين اليمنيين.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون