لم يتوقع الشيخ عبدالله المطلق عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، أن تأخذ فتوى قصيرة أطلقها خلال برنامج أذيع عبر أثير نداء الإسلام، أكد فيها أن العباءة الطويلة، ليست إلزامية في الإسلام، صدًى واسعاً. فبعد ساعات قليلة، انتشرت فتواه، والتي تخالف السياسة الدينية التي سارت عليها السعودية لعقود، بشكل واسع في أنحاء العالم المختلفة. ومع أن المطلق حاول التخفيف منها لاحقاً، إلا أنه أثار جدالاً كبيراً. سبب الجدال في أنها صدرت من أحد رجال الدين البارزين، ومن عضو في هيئة كبار العلماء، والهيئة الدائمة للإفتاء، الأمر الذي يعطيها بعداً أكبر، لأن الفتاوى لا يسمح بها إلا للمعتمدين، وهم عادة يتمسكون بتفسيرات متشددة للدين.
يكفي لباس محتشم
أكد الشيخ المطلق في فتواه، أن العباءة التي تتميز بها المرأة السعودية، ليست مفروضة على المرأة بل يكفي أن ترتدي لباساً محتشماً. وقال في برنامجه الإذاعي الأسبوعي: "أكثر من 90 في المئة من المسلمات الملتزمات في العالم الإسلامي، لا يعرفن العباءات ونحن نراهن في مكة والمدينة. هناك نساء ملتزمات حافظات القرآن ومن الداعيات إلى الله، لكن ما عندهن [ليس لديهن] عباءات"، مشدداً، على أن المرأة ليست ملزمة بارتداء العباءة". بعد ساعات من فتواه، أصدر المطلق بياناً رسمياً، أكدها فيه، لكنه حاول التخفيف منها، موضحاً أن كلامه كان موجَّهاً إلى جميع المسلمات، لا إلى السعوديات تحديداً. إلّا أنه شدد على أن :"كل لباس يحصل به الستر، وتتوافر فيه الشروط الشرعية، هو حجاب مقبول، ما دام ساتراً جميع البدن وفضفاضاً، ولا يبيّن تفاصيله”، مضيفاً: “لا ينبغي حمل جميع نساء المسلمين على لبس ما تعارف عليه في مجتمع ما من أنواع العباءات على أنه هو الحجاب دون غيره؛ فلكل مجتمع خصوصيته". ونفى المطلق أن يكون هدفه من فتواه الدعوة إلى خلع الحجاب وإشاعة السفور والتبرج. ولكن، من أين أتت العباءة؟خلاف ليس جديد
ترتدي السعوديات عباءات سوداً، في أوقات السنة كلها، ومع أن هناك ألواناً تزاحم اللون الأسود، إلا أنه ما زال الأكثر سيطرة، وهي يتم تفصيلها بطريقة خاصة، تضمن أن تكون واسعة. الخلاف حول العباءة، ليس بجديد، غير أن المتتبع تاريخ السعودية القديم، بخاصة في القرى والمناطق البدوية، يكتشف أنها تقليد جديد، لا يزيد عمره على حوالى الخمسين سنة. فنساء الجنوب، أو القرى الزراعية، كن يكتفين بما يسمينه (الجلال)، وهو قطعة من القماش توضع على الرأس والكتفين. ولكن، مع ظهور ما يسمى الصحوة الإسلامية، في أواخر السبعينيات، بدأ المجتمع السعودي يتشدد أكثر في ذلك. ظل الانقسام مستمراً بين فريق متشدد يرى أن المرأة مجبرة على ارتداء عباءة سوداء فضفاضة تتدلى من الرأس لتخفي معالم جسدها بالكامل، ومن يقول أن المهم هو أن يكون لباساً ساتراً، مهما كان شكله، الرأي الآخر صودر بالقوة. هناك صور قديمة في مطلع الأربعينيات، لنساء سعوديات في البادية، أو أجنبيات كن يعملن في آرامكو، تظهر أن العباءة التقليدية، لم تكن منتشرة بقوة، واستمر ذلك حتى منتصف السبعينيات. كتبت المؤرخة والناشطة الحقوقية رقية حمود الشيب، مقالة في صحيفة الوطن في 25 أغسطس 2012، أكدت فيها: "أن العباءة زي حديث سواء في منطقة نجد أو الحجاز أو الجنوب وفي البادية أيضاً، ولم يتحدد شكل العباءة الحالية إلا في السنوات الأخيرة، حيث كانت المرأة منذ نحو 70 سنة وبسبب الظروف الاقتصادية أو ثقافة العصر نفسه تلبس العباءة الرجالية في ظروف خاصة عند خروجها، وبعضهن لا زالت تطلق على العباءة اسم البشت". يرى مؤرخون أن العباءة النسائية السوداء جاءت إلى السعودية من سوريا والعراق أو حتى مصر، منذ نحو 80 سنة، حينما كانت النساء ترتدين ما يعرف بالـ "ملاءة"، أو "الملاية". وقبل ذلك كانت السعوديات يرتدين قطعاً ملونة من القماش تختلف في التصميم وفقاً للمنطقة.يرى مؤرخون أن العباءة النسائية السوداء جاءت إلى السعودية من سوريا والعراق أو حتى مصر، منذ نحو 80 سنة، حينما كانت النساء ترتدين ما يعرف بالـ "ملاءة"
باحث في تاريخ القطيف: "العباءة بشكلها الحالي، وصلت إلينا من العراق، فقبل ذلك لم نكن نعرفها"تقول أميمة الخميس، وهي عالمة وباحثة نسوية في مقال بحثي لها نشرته في صحيفة الرياض في 18 أكتوبر 2014: "العباءة بلونها وشكلها الحالي ليست وليدة نمط ثياب نساء جزيرة العرب، وفي الأغلب وصلت إلينا عبر الأتراك إبان الحكم العثماني الذين اختاروا لحجاب نسائهم اللون الأسود، وهو اللون الذي يتوافق مع شروط الحرملك الطامس وجودَ النساء في الفضاء العام المدني تماماً، كما أنه ينسجم مع أجوائهم الباردة وهوائهم المثلج". في القطيف (شرق السعودية)، لم تختلف الحال عن البادية أو الجنوب والحجاز، فقبل ستة عقود، كانت الأمور أقل تشدداً، وأكثر ألواناً، وكانت النساء يختصصن بزي يطلق عليه (الملفع)، وهو نوع من القماش الشفاف المطرز، الهدف منه إخفاء ملامح اللباس التي ترتديه المرأة، لكي لا يكون واضحاً، لكنه لا يغطيه تماماً. ويقول الباحث في تاريخ القطيف، أحمد الطيب لرصيف22: "العباءة بشكلها الحالي، وصلت إلينا من العراق، فقبل ذلك لم نكن نعرفها".
يرى مؤرخون أن العباءة النسائية السوداء جاءت إلى السعودية من سوريا والعراق أو حتى مصر، منذ نحو 80 سنة، حينما كانت النساء ترتدين ما يعرف بالـ "ملاءة"
باحث في تاريخ القطيف: "العباءة بشكلها الحالي، وصلت إلينا من العراق، فقبل ذلك لم نكن نعرفها"
تطور مستمر
قبل نحو عشرين سنة، لم تكن المرأة السعودية، تهتم كثيراً بشكل عباءتها، ولا لونها، وكانت تعتبرها زياً إضافياً، المهم، ما سترتديه تحتها، بيد أن الموضة المنتشرة، بدأت تمس أصل العباءة ولونها، وحتى شكلها، ومع بدء مصمّمي الأزياء العرب تصميم العباءات، بدأت تصبح أكثر زهواً، ولفتاً للأنظار، ومطرزة بدقة بشكل باتت فيه زياً مستقلاً بحد ذاته، تتجاوز تكلفته الـ300 دولار. تشهد السعودية منذ أكثر من عامين، تحولات كبيرة، بخاصة في ما يتعلق بالنساء، فبدأت سعوديات كثيرات تتحرر من اللون الأسود القاتم للعباءة التقليدية. دخلت موديلات حديثة كثيرة في تصميم العباءت، مست جوهرها، وحولتها من زي فضفاض هدفه ستر ما تحته، إلى عباءات مطرزة وضيقة، ومنقوشة بدقة، وملونة، ومخصّرة، وتنوعت بين عباءة توضع على الرأس، أو توضع على الكتف، وبدأت النساء يرتدينها ملونة ومطرزة، بألوان زاهية من الأبيض والوردي. وهذا تطور كبير في بلد تم القبض فيه على ناشطة حقوقية في أواخر 2016، بتهمة خلعها العباءة في العاصمة الرياض، وتصوير ذلك عبر حسابها على سناب شات.عاصفة من الجدال
لم يتراجع الشيخ المطلق عن أصل فتواه، وهذا ما أثار جدالاً كبيراً، وتحولت صفحات تويتر ساحة جدال. فنشط في البداية وسم #المطلق_العبايه_غير_إلزاميه، في أكثر من 46 ألف تغريدة خلال ساعات. وبعد بيان الشيخ، ظهر وسم #توضيح_الشيخ_المطلق في نحو 25 ألفاً أخرى، وبينهما، وسم #لا_تجعلوا_من_العادات_عبادات. تباينت الآراء، بين أقصى اليمين المتشدد، وأقصى اليسار، فانتقد الدكتور عبدالعزيز الريس، المشرف العام على شبكة الإسلام العتيق، تعقب المطلق. وكتب :"انتظرنا من د.عبدﷲ المطلق كلاماً صريحاً، لكنه للأسف أعاد الكلام وقرر أن الضابط هو الستر، وهذا ضابط واسع تدخل فيه الثياب والفساتين، فلم يتكلم عن لبس الحجاب – الجلباب - الزائد على الثياب، ولا عن حكم لبس ثوب بلا جلباب"، وأضاف: "المحزن أنه في زمن ارتفاع أصوات الليبراليين ضد الحجاب". اعتبر كثر أن المشكلة تكمن في أن المجتمع غير مهيأ لمثل هذه الآراء الصادمة، ومنهم الناشطة الحقوقية هيلة المشوح التي كتبت: "إشكاليتنا أننا مجتمع يجهل الفرق بين العادات والعبادات فاختلطت عليه حتى ألِفها كمقدسات، فأصبح انتقاد العادات تابوهاً قد يتم تكفيرك بسببه". ودافع آخرون عن الشيخ، وأكدوا أنه لم يقصد الذي فُهم منها، منتقدين أخذ فتوى الشيخ بعيداً من هدفها المقصود.تحولات كبيرة
أهمية فتوى المطلق، أنها الفتوى الأولى من نوعها التي تصدر من عضو في هيئة كبار العلماء، المعروف عنها تمسكها بالمذهب الحنبلي المتشدد، واعتبر كثرٌ أنها تأتي في إطار التحولات الكبيرة التي تشهدها السعودية أخيراً التي تهدف إلى التخفيف من القيود المفروضة على النساء، كان أبرزها السماح لهن بقيادة السيارات، ودخول الملاعب الرياضة، وحضور الحفلات الفنية. وتتماشى مع الإصلاحات التي تقوم بها القيادة الشابة للبلاد، في تعزيز انفتاح المجتمع السعودي كأحد الأهداف الرئيسية لرؤية 2030.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه