شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
كيف نكتب ونحن نعيش كلّ هذا الألم؟

كيف نكتب ونحن نعيش كلّ هذا الألم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 4 فبراير 201812:19 م
ماذا نكتب في هذه الأيام، وما هي أولويّة موضوعاتنا؟ هل نكتب لتجنب السقوط في بحور الكآبة أم نكتب من أجل أن نقول لأنفسنا: ها نحن ذا، ما زلنا على قيد الحياة؟ عمّاذا نكتب ونحن في قعر الهاوية؟ لا مكان أدنى مما نحن فيه. لا مجال لسقوطنا أكثر من هذا، لا قعر أعمق من هذا الذي نحن فيه. في سوريا، تحاول تركيا احتلال عفرين الكرديّة وتقصفها بشدّة قاتلةً المدنيين غير عابئة بأحد، مستعينةً بمقاتلين سوريين مرتزقة ينفذون أجندات المُحتل. احتلال يضاف إلى احتلال روسي إيراني أمريكي إسرائيلي سابق. بلاد مقسمة، لا مدينة فيها تشبه الأخرى بمُحتلها ومغتصبها. النظام السوري يقصف إدلب، وحصاره مستمر على الغوطة الشرقية. مئات الآلاف من النازحين واللاجئين الذين يذوقون أنواع العذاب كلّ يوم. مئات الآلاف من المعتقلين الذين يذوقون طعم الموت مئات المرات يومياً، ولا أحد يفكر فيهم، أولئك المظلومين. وفوق ذلك كلّه كوميديا مقرفة تحت مسمى الحوار الوطني السوري في سوتشي. كوميديا مبكية. في لبنان، صراع بين تجار حرب ودم، بلطجية يهاجمون بلطجية. صراع ديوك. هم أمراء الحرب الأهليّة لم يتغيروا، ربما تغيّر بعض الأشخاص لكن "مؤسسات" الحرب الأهليّة هي هي لم تتغير. لم تتحق العدالة ولم يُنصر المظلومون. بلاد لا خدمات فيها؛ لا ماء ولا كهرباء ولا شبكة مواصلات تحترم الناس، وزبالة تحتل الشوارع، ومع ذلك ترى مُسببي هذه الفوضى يتبارون في التباهي بخصال لا يملكونها على قنواتهم الفضائية ويهاجمون آخرين يشبهونهم في الصفات.
كيف نكتب ونحن نعيش كلّ هذا الألم؟ ربما ليس هنالك أسباب منطقية لكل هذا القهر بالنسبة لشخص مثلي، يعيش حياة مريحة في مدينة آمنة في الشمال البارد
عمّاذا نكتب ونحن في قعر الهاوية؟ لا مكان أدنى مما نحن فيه. لا مجال لسقوطنا أكثر من هذا...
في مصر، السيسي قذافي جديد. دكتاتور يعتقل الناس ويملأ السجون، لا يقبل إلا بمرشح كومبارس في انتخاباته الرئاسيّة. بلد يفتقر إلى أدنى الخدمات الرئيسيّة لبشر يبغون حياة عاديّة، لكن رئيسه يطلّ علينا كلّ يومين ليذكرنا بإنجازاته الوهميّة التي لا يعرفها سواه، ضاحكاً مثل أيّ دكتاتور آخر، ضحكة عرفناها سابقاً عند بشار الأسد. تقول النكتة إنّ أهل مصر ماتوا جميعاً وفي يوم القيامة بعثهم الله إلى الجحيم فوجدوا أنفسهم في مصر السيسي. في اليمن، صراعات أهليّة طائفيّة عشائريّة ميلشويّة تلتهم الأخضر واليابس ولم يبقَ حجر فوق حجر. ناس تموت من دون قدرة الحصول على ترف الموت طبيعياً بمرض ما مثلاً. هذا السلاح قادر على قتل كلّ ما فينا من إنسانيّة نفتقدها. وكذا الأمر في ليبيا. وماذا يقول المرء في ما يحدث في بلاد الخليج وفي موريتانيا والجزائر والسودان والعراق والجزائر والمغرب والأردن وفلسطين؟ ماذا يقول عمّا يحدث في إيران وفي تركيا وإن اختلف الأمر قليلًا في البلاد الناطقة باللغة العربيّة. تجهيل متعمد وتعتيم على العلم والمعلومات والمعرفة من قبل فئات تتحكم بمصائرنا، ذلك كله مقابل إغراقنا بخرافات دينية طائفيّة ومؤامراتيّة. تتقافز إلى ذهني الأسئلة: هل هذا ما جنيناه على أنفسنا؟ هل هذا ما نستحقه في بلاد لا تشبه البلاد، في بلاد الأناشيد الوطنيّة التي تشبه الأناشيد النازيّة الفاشية الستالينيّة؟ هل هذه هي البلاد التي نريد؟ وما هو المستقبل الذي ننتظره ونحن نعيش حاضراً كهذا؟ كيف نكتب ونحن نعيش كلّ هذا الألم؟ ربما ليس هنالك أسباب منطقية لكل هذا القهر بالنسبة لشخص مثلي، يعيش حياة مريحة في مدينة آمنة في الشمال البارد، وربما في العالم مصائب كثيرة غير تلك التي في بلادنا، لكن ماذا أفعل وأنا من بلاد عاطفيّة لا ينجينا منها إلا موتنا. إنّه قهري على نفسي وعلى الآخرين وعلينا كلّنا وعلى بلادنا التي أؤمن بأنّها تستحق الأفضل. لكن هل نهرب بالكتابة إلى تفاصيل حياتية من دون أن نلتفت إلى مشكلات بلادنا بدءاً من الاحتلالات والحروب الأهلية وصولاً إلى التعليم السيىء وإهانة المرأة وشيطنة الغريب عنّا وعبوديّة بشريّة تذكر بالقرون الوسطى؟ عماذا نكتب في أيام حالكة كهذه؟ وما معنى الكلام في أيام كهذه؟ لا أريد أن أكون متشائماً، إذ أعرف أنّ الأدب والكتابة هما القيمة المعرفية الحقيقية التي تتركها المجتمعات للتاريخ وللأجيال اللاحقة. لكن ما فائدة الكتابة إن لم تستطع إيقاف رصاصة متجهة إلى قلب شخص ما؟ على كلّ حال، في الغالب إنّ مُطلق هذه الرصاصة لا يقرأ ما نكتب. ربما هي دعوة قديمة لكنني الآن لا أجد بداً من التفكير فيها. ربما في يومٍ ما تصدر كلّ الصحف والمجلات المطبوعة والمواقع الإلكترونيّة بصفحة أولى بيضاء، تعبيراً عن قلّة الحيلة وقلّة المعنى فيما نكتب في مواجهة هذا الأسى الطاغي على بلادنا، بلاد الأسى.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image