شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
البكاء والراحة: ماذا لو حللنا الدمع كيماوياً؟

البكاء والراحة: ماذا لو حللنا الدمع كيماوياً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 12 يناير 201806:15 م
  أجلس على الأريكة، أحاول أن أحاور ذاتي، السؤال صعب والإجابة أصعب: ماذا عن سر رفقة الدموع لعيني؟ لماذا أبدو من الخارج شخصية قوية، بينما تغلبني دموعي في المواقف الحزينة والسعيدة كلها؟ هل أنا مريضة نفسياً ودوائي دموع أشعر بعدها بالراحة، أم إنني وحيدة إلى درجة تكون دموعي هي الشريك الخفي لأحزاني؟ أم إنني أمتلك ذاكرة حية خصبة حافلة بحوادث حزينة لا تنسى. مثلاً، لماذا أتذكر، على الرغم من مرور 30 سنة على وفاة جدي، مشهد بكاء كلبنا الأسود أمام منزلنا بجوار سرداق العزاء المليء بالناس.

لماذا غادر كلبنا بيتنا إلى الأبد بعد وفاة جدي؟

نعم، تألمت وبكيت على رحيل الكلب الذي كنت أعتبره أحد أفراد عائلتنا، تصالحت مع نفسي بعد موت جدي ولم أتصالح معها أبداً بعد رحيل الكلب عن بيتنا. البكاء هو الصوت الشجاع الصاخب، في كثير من الأحيان يكون استجابة للألم، ويمكن أن يكون تعبيراً عن الحزن أو السعادة، وأحياناً نصاب بالضيق المفاجئ فتنهمر الدموع من أعيننا.

البكاء يشبه الحضن

قرأت في موقع "ديلي ميل" البريطاني، أن باحثين وجدوا أن البكاء يشبه الحضن، حيث يجعل الجسم يفرز هرمون الأندروفين المسؤول عن السعادة والرفاهية. وأشار الباحثون إلى أن الدموع تنزل برفق وببطء على الخدين ولها تأثير التدليك اللطيف، الأمر الذي يخفف الإرهاق، كما أنها تجعل الدماغ يفرز هرمون "الأندورفين"، ما يؤدي إلى الشعور بتحسّن المزاج، بعبارة أخرى "الدموع هي الحضن الذاتي". يقول الباحثون أن النساء يبكين أربع مرات أكثر من الرجال، في حين أن الأطفال الحديثي الولادة يبكون، ولكن لا يذرفون الدموع حتى عمر الشهرين أو الثلاثة. قلت لصديقتي ما قرأت فردّت: "إحنا بنحس. إنما الرجال لا يشعرون. يومياً، أنا أبكي إما من صخب أولادي أو من تبلد مشاعر زوجي تجاهي أو من مشهد رومانسي في المسلسلات التركية. أما زوجي فمنذ زواجنا من 14 سنة لم أشاهده مرة واحدة يبكي". تحدثني أختي الكبرى عن الموضوع نفسه، فتقول طبعاً الدموع راحة.
البكاء هو الصوت الشجاع الصاخب. في كثير من الأحيان، يكون استجابة للألم، ويمكن أن يكون تعبيراً عن الحزن أو السعادة.
"إحنا بنحس. إنما الرجال لا يشعرون يومياً. أنا أبكي إما من صخب أولادي أو من تبلد مشاعر زوجي تجاهي أو من مشهد رومانسي في المسلسلات التركية. أما زوجي فمنذ زواجنا من 14 سنة لم أشاهده مرة واحدة يبكي".
حماتي، الله يرحمها، كانت تذهب لحضور مراسم عزاء جميع جيرانها، وتبكي بحرقة مع النسوة هناك، ثم تعود لتقول غسلت همومي وتضحك معنا من كل قلبها.
حماتي، الله يرحمها، كانت تذهب لحضور مراسم عزاء جميع جيرانها، وتبكي بحرقة مع النسوة هناك، ثم تعود لتقول غسلت همومي وتضحك معنا من كل قلبها. مرة، ذهبت لأشتري بعض الملابس، ولا أعرف ما الذي دعا صاحبة المحل التي كانت تحكي قصة كفاحها إلى القول: "أنا لم أعد أبكي، دموعي نشفت، الحياة علمتني الصمود، السيدة التي تبكي اليوم عبيطة، الست في مصر بقت راجل، هي التي تتحمل كل شيء، معظم الستات هي التي تنفق على نفسها وعلى بيتها". INSIDE_Crying

اللغة تبدأ مع أول نغمات البكاء

ذكرت دراسة عن الأطفال الرضع في فرنسا وألمانيا، أنهم يلتقطون لكنات أمهاتهم وهم في أرحامهن قبل الخروج إلى الحياة، لذلك يبكون بلكناتهنّ. وقال الباحثون الفرنسيون والألمان أنه حتى في الأيام الأولى القليلة بعد خروج الأطفال إلى الحياة، فإن الفرنسيين منهم يبكون بطريقة مختلفة عن بكاء الأطفال الألمان. ففي حين أن المواليد الفرنسيين في الغالب، لا يُخرجون صرخات ترتفع تباعاً، فإن الأطفال الألمان يميلون إلى الصراخ بطبقة صوت تنخفض تباعاً. ويفترض أن السبب في ذلك هو نماذج طبقات الصوت المختلفة في اللغتين المتصورة وهم لا يزالون أجنة في الأرحام، ثم بعد ولادتهم في وقت لاحق، وذلك وفقاً لدراسة نشرت في جورنال "كارنت بيولوجي". فالطفل يبدأ اكتساب اللغة حتى قبل الولادة طبقاً للدراسة التي تولى تنسيقها علماء ألمان من جامعة فورتسبورغ. وهي تشمل باحثين من معهد ماكس بلانك لعلوم الإدراك والعقل البشري في ليبزغ ومعهد علوم الإدراك وعلم نفس اللغة في مدرسة التفوق الطبيعي بباريس. وكتبت كاثلين فيرمك رئيسة مركز تنمية مرحلة ما قبل الكلام واضطرابات التطور في قسم تقويم الأسنان بمستشفى جامعة فورتسبورغ، إننا أول من قدم دليلاً على أن اللغة تبدأ مع أول صوت للبكاء. وركز العلماء لأغراض دراستهم على المواليد الألمان والفرنسيين، لأن هناك اختلافاً كبيراً بشكل خاص بين اللغتين في ما يتعلق بطبقات الصوت، ومن ثم التنغيم والإيقاع: ففي الفرنسية كلمات كثيرة للغاية، فيحصل ضغط على الحروف في نهاية الكلمة، ما ينتج نغماً مرتفعاً، بينما في الألمانية يكون العكس وفق ما فسرت أنجيلا فريدريسي من معهد ماكس بلانك لعلوم الإدراك والعقل البشري. فعلى سبيل المثل، ينادي الأطفال الفرنسيون آباءهم بكلمة بابا بالضغط على المقطع الثاني، بينما نظراؤهم الألمان ينادون آباءهم بالضغط على المقطع الأول. واكتشفت فيرمك نمطاً مشابهاً بتحليلها أكثر من 20 ساعة من البكاء المسجل. وكتبت أن المواليد الجدد يفضلون تماماً النماذج اللحنية نفسها المماثلة لغة أمهاتهم.

ما هي أنواع الدموع؟

الدمع نوعان: دمع عاطفي ينساب من العين عند البكاء فرحاً أو حزناً. أما الثاني فدمع لاإرادي يسيل لسبب ميكانيكي أو كيماوي، كأن تدخل فى العين ذرة غبار أو أن تتعرض أغشيتها لبخار البصل مثلاً "الذى يتحول حمضَ الكبريتيك عندما يلامس مقلة العين. يقول العلماء أن النوع العاطفي يستجيب لمنبهات مختلفة وتتحكم فيه أعصاب مختلفة، والعجب كل العجب أن قطع العصب الجمجمي الخامس والذي يصل العين بالدماغ يوقف الدمع اللاإرادي، لكنه لا يستطيع منع الدمع العاطفي، والذي يذرف استجابة لهرمون البرولاكتين الذي يستجيب للمواقف العاطفية. INSIDE_Crying2

ماذا لو حللنا الدمع كيماوياً؟

تحليل الدمع العاطفي محاولة علمية حقيقية كتب عنها الدكتور الراحل أحمد مستجير عالم النباتات الشهير، في مجلة الهلال "حاول بعض العلماء أن يجمعوا بعضاً من الدمع العاطفي لتحليله كيماوياً ومقارنته بالدمع اللاإرادي، وافقت ممثلة اشتهرت بأداء الأدوار الحزينة وتدعي أنها تستطيع أن تبكي عندما تريد، وافقت على أن تمنح العلم بعضاً من دموعها، لكنها لم تتمكن من البكاء عندما جلست في المعمل. وأخيراً، عرضوا بعض الأفلام المسيلة للدموع على عدد من النساء فبكين، وجمعت دموعهن في أنابيب اختبار، ثمة أوعية خاصة كانت تستخدم قديماً لجمع الدموع، ويقال أن عيني نيرون دمعتا بكثرة أثناء مشاهدته روما تحترق، حللت العينات واتضح أن الدمع العاطفي يحتوي من البروتين على ما يزيد بمقدار 20 في المئة من الدمع اللاإرادي، كما اتضح أن تركيز عنصر المغنسيوم في الدمع العاطفي يبلغ ثلاثين ضعف تركيزه في الدم، إذاً قد يكون من وظائف البكاء إزالة ما يزيد في الدم من بعض الكيماويات المسببة الكرب، وربما كان هذا هو السبب فيما يشعر به الإنسان من راحة بعد نوبة بكاء".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image