شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
عن الرغبة بحفظ ذكرانا بعد الموت و

عن الرغبة بحفظ ذكرانا بعد الموت و"الوصفة السحرية" لتخليدها آلاف السنين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 28 ديسمبر 201702:10 م
"إذا أردت أن يذكر الناس اسمك بعد موتك، حقق إنجازاً ما يستحق الكتابة عنه، أو اكتب شيئاً يستحق عناء القراءة" - الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن. من أين يأتي هاجس الناس بتخليد ذكراهم بعد وفاتهم؟ ولماذا يحرص معظمهم على ترك ذكرى طيبة أو حفظ اسمهم في عالم الأحياء حتى لو عنى رحيلهم الأبدي انتفاء المردود المعنوي المباشر لمثل هذا الأمر عليهم؟ درجت المقولة الشعبيّة على تذكير الأحياء بأن "المقابر ملأى بأناس حسبوا أن الدنيا لن تسير بدونهم" كدعوة للتخلي عن الكِبَر و"معرفة البشري الفاني لحجمه". حسناً، الدنيا لا تقف عند أحد، ولكن ماذا عن أهمية الذكرى والذكريات والإنجازات التي يتركها هذا الأحد؟ هنا يأتي فيض الأحاديث والروايات الدينية التي تحث على ترك الأثر الطيب في الدنيا، والذي تعادله كتابات أدبية وأبحاث نفسية استفاضت في تمجيد البطولات والمآثر التي تُبقي الراحل حياً في الأفئدة والعقول. وإن رأت فئة أنها غير معنية بحفظ ذكراها بعد الرحيل، يبقى الطاغي تاريخياً وحتى اليوم نقيض ذلك، سواء بالسعي للخلود عبر مهنة أو منصب ما، أو من خلال عمل فني أو مبادرة خيرية… وحتى عبر تأسيس عائلة وإنجاب أطفال. ولكن ماذا عن أولئك الذين بقيت ذكراهم حيّة لسنوات طويلة، لآلاف السنين؟ لماذا قاوم توت عنخ آمون، على سبيل المثال، النسيان، بينما يهدّد الأخير ذكرى أشخاص كالليدي ديانا أو لاعب كرة القدم ديفيد بيكهام؟

الخوف والحب... أبرز أسباب الرغبة بحفظ الذكرى

لم يُحسم الجدل بشأن ما بعد الموت، هل ثمة حياة أم عدم أم عودة من خلال التقمّص، فبقي الخوف من الموت طاغياً لا يضاهيه سوى غريزة التعلق بالحياة. التفكير بأن ذكرانا ستبقى بعدما نرحل، تخفف قليلاً من وطأة هذا الخوف، كما تجعلنا أقل قلقاً من ترك من نحب وما نحب بعد الرحيل. ثم تأتي الطبيعة البشرية التي تميل للتعلق بالأشياء والمتع الحسيّة، ما يجعل الشخص يميل لفكرة بقائه مرتبطاً بها بعد الموت، من خلال ذكراه. وهو رابط نفسي يشبه ذاك الناتج عن سعي الشخص للحصول على التقدير في حياته وتأطيرها في أحيان كثيرة وفق نظرة الناس إليه. بين الأسباب كذلك ما كرسته الثقافات بشأن الاستمرارية وحمل الاسم من جيل إلى آخر، فضلاً عن الأثر الثقيل للصيت والسمعة التي تتوارثها الأجيال وتؤثر في صلب حياة مجتمعات كثيرة. ويرى آخرون في هذه الرغبة وقوداً للعيش، ودافعاً للعمل والسعي والحب والعطاء والطيبة. في المقابل، يثير أولئك الذين يستخفون بالموت ويهزأون بفكرة حفظ ذكراهم، مشاعر متناقضة لدى الآخرين. حين كتب أستاذ أخلاقيات علم الأحياء والأورام الأمريكي إيزيكييل إيمانويل مقالاً تحت عنوان "لماذا أريد أن أموت في عمر الـ75"، تلقى آلاف الرسائل التي اتهمته بالجنون أو الحجود. وكان إيمانويل قد انتقد الناس، المدفوعين بحس الأنا المرتفع، الساعين للخلود، قائلاً إنهم مؤمنين أن العالم لا يمكنه الصمود في حال غيابهم، ويرون في خلودهم إنقاذاً له من الانهيار.[

ذكرى تحدت الزمن وأخرى تبددت: أسباب للصمود آلاف السنين

في تحقيق مطوّل لـ"BBC Future"، تحت عنوان "من ستبقى ذكراه حيّة بعد ألف سنة"، تفتتح الكاتبة زاريت غورفيت الكتابة بسؤال طُرح عليها وعلى كثير معها في جولة على أحد مقابر لندن الشهيرة. "من منكم يعرف توماس سايرس؟"، كان هذا السؤال الذي سمعوه أمام قبر يحمل اسمه. خيّم الصمت أما جهل الجميع بالاسم. تبيّن لاحقاً أن سايرس كان أشهر رياضيي العصر الفيكتوري. حضر مبارياته كبار المسؤولين، ولم تُعقد اجتماعات رسمية في أوقات المباريات التي يشارك فيها، بينما كانت الملكة فيكتوريا تطلب إبلاغها مجريات المباريات ونتائجها مباشرة. وحين وفاته، مشى في جنازته، التي امتدت لكيلومترات، أكثر من 100 ألف شخص. وفي المقبرة، تسلق المئات الأشجار لكسب رؤية أفضل أثناء دفنه. ولكن بعد حوالي 150 سنة تحول سايرس وذكراه إلى غبار.
"كي تصبح الشخص الأكثر شهرة في العالم، عليك أن تقتل الشخص الأشهر في العالم"؟ ما الذي يجعل ذكرى البعض خالدة لآلاف السنين؟
لماذا قاوم توت عنخ آمون، الذي مات في عمر الـ18 ولم يترك انجازات تذكر، النسيان بينما يهدّد الأخير ذكرى أشخاص كالليدي ديانا أو لاعب كرة القدم ديفيد بيكهام؟
لكن لماذا بقي آخرون حتى يومنا هذا، فبتنا ندرس عنهم ونحلّل حياتهم وشخصياتهم؟ تقدّم غورفيت مجموعة من الأسباب.

1- التحكم بالصورة

يقدّم اليونانيون القدامى مثالاً جيداً حول هذه النقطة، إذ تحوّل الحفاظ على المجد الأبدي لديهم إلى هوس وطني. يلفت أستاذ التاريخ القديم في جامعة "سانت أندروز" توماس هاريسون إلى أنهم "كانوا مهجوسين بالشهرة إلى حد كبير جداً"، واللافت أنهم "لم يكونوا يخجلون من التعبير علانية عن رغبتهم بالحصول على شهرة أبدية بمختلف أنواعها وأسبابها". بدورها، تقول الخبيرة في التاريخ اليوناني والسياسة في جامعة "إيكسيتير" لينيت ميتشيل إنه "في مرحلة معينة، كان القادة العسكريون ينخرطون في المعارك لغاية محددة هي الحصول على المجد". يقدم يوليوس قيصر مثالاً آخر عن أهمية إدارة الصورة الذاتية، إذ كان مضرب مثل في التسويق الذاتي. كان يصطحب العديد من المؤرخين خلال حملاته للكتابة عنها تزامناً مع حدوثها، كما يُقال أنه لم يسمح سوى لنحات واحد بتنفيذ التماثيل الخاصة به، وكان يتدخل في أدق التفاصيل.read_more]

2- اختيار المهنة بحكمة

إذا أخذنا على سبيل المثال الفلاسفة. قديماً، كثر منهم لم يكن معروفاً على نطاق واسع لدى الناس. بعضهم كذلك اتهم بالهرطقة أو الغرابة. ولكن بعد آلاف السنين، ما زال نتاجهم الفكري حاضراً ومؤثراً في المجتمعات الحديثة، وأسماؤهم تتحدى مرور الزمن. لماذا؟ تقول ميتشل "لأنهم غيّروا الطريقة التي يفكر بها الناس". دافنشي وغاليلي ونيوتن وداروين وأينشتاين ربحوا كذلك المعركة مع النسيان، والسبب كما يراه هاريسون هو أن "العلم كان في الماضي قائماً على الاكتشافات الفردية البطولية"، في حين أن ذكرى الباحث ستيفن هاوكينغ قد لا تصمد طويلاً بعد وفاته. يحذر باحثون من أن من يختارون الرياضة والموسيقى قد يكونون أكثر عرضة للنسيان. الرياضيون قد يؤثرون في وجدان جيل كامل، ولكن بعد خروجهم من دائرة الضوء تصبح ذكراهم مهددة بالتلاشي سريعاً. ويعطي عالم الاجتماع روث بينفولد ماونس مثالاً عن ديفيد بيكهام الذي "سيختفي أثره يوما ما". كذلك الموسيقى لها زمن محدود، إذ يصعب تخيل أن تستمع الأجيال القادمة إلى موسيقى فرقة "البيتلز" في مركباتها الفضائية.

3- لا تكن ملكياً... وكن محظوظاً

للوهلة الأولى، قد يبدو وجود الشخص في عائلة ملكية ضمانة له على طريق الخلود. لكن عالم الاجتماع في جامعة لندن كريس روجك يناقض هذه النظرية، "من سيتذكر الملكة بعد ألف سنة؟ لا أحد على ما أعتقد"، يتساءل روجك مشيراً إلى أن العائلات الملكية تتعاقب مع الأجيال، وعندما يموت أحدهم يعقبه الآخر، فتصبح الأهمية للمنصب أكثر من الاسم. أما الحظ، فهو ما ساعد توت عنخ أمون الذي لفظ أنفاسه في العام 1323 ق.م. حينها لم يكن يُعرف عنه القيام بإنجاز ما بارز، ولم يكن يتوقع أحد أن هذا الفرعون سيعيش بعد موته المفاجئ في عمر الـ18 لآلاف السنين. كان بناء هرم له يستغرق سنوات طويلة ومضنية من العمل، ولأن موته كان مفاجئاً تم دفنه في قبر صغير في ناحية مظلمة من وادي الملوك. ضاع القبر تماماً حتى أعيد اكتشافه في العام 1922، وكان مليئاً بالثروات الرائعة التي تفوق الخيال، بينما كان اللصوص قد نهبوا القبور الأخرى المكشوفة. بعد ذلك دُرس جسده المحنط بشكل تفصيلي وجابت شهرته العالم، وكلما تقدم الوقت كلما ارتبطت الحضارة الفرعونية باسمه أكثر فأكثر. تبقى عوامل أخرى مؤثرة أيضاً، كترك إرث مادي على طريقة الامبراطور الصيني كين شي هوانغ الذي بنى السور العظيم، أو القيام بعمل سيء كحال مارك ديفيد تشابمان، قاتل جون لينون. وقد علّق الأخير حين توجيه التهمة إليه بالقول "كي تصبح الشخص الأكثر شهرة في العالم، عليك أن تقتل الشخص الأشهر في العالم".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image