شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"ليس لدى الجيش الأمريكي المال للقيام بمهامه": مشكلة أم حل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 28 نوفمبر 201704:06 م

"كانت أمريكا على ما يبدو القوة العالمية المطلقة التي لم تتحول إلى إمبراطورية، والقوة المطلقة الأولى التي ليست لها مخططات عسكرتارية إمبراطورية. لكن الحادي عشر من أيلول 2001 غيّر كل شيء".

تشرح إيمي شوا، في كتابها "عصر الإمبراطورية: كيف تتربع القوى المطلقة على عرش العالم وأسباب سقوطها"، كيف طغى الحديث عن الإمبراطورية الأمريكية على ما سواه بعد الانخراط في الحرب التي اتخذت طابع "التحرّك الاستباقي".

تحدث مؤرخون كثر عن المزايا الرائعة التي تفرض أمريكا كأعظم قوة عسكرية عرفها العالم في تاريخه. من هؤلاء نيال فيرغسون الذي دعا الأمريكيين إلى رمي مخاوفهم من كلمة "فيتنام" بعيداً وارتداء عباءة إمبراطورية بريطانيا العظمى سابقاً.

وفي مقالة شهيرة حملت عنوان "مبررات نشوء الإمبراطورية الأمريكية"، كتب ماكس بوت يقول "أفغانستان وبلدان أخرى غارقة في الاضطراب تستغيث طالبة النجدة من أي إدارة أجنبية متنورة تقوم بما قام به رجال إنكليز كانوا مليئين بالثقة بالنفس ويرتدون السراويل والخوذات المهيبة".

حينها كان واضحاً أن جورج دبليو بوش لا يمكن أن يتحول إمبراطوراً في الشرق الأوسط كحال الملكة فيكتوريا في الهند، لكن "طروحات الإمبراطورية كانت تعني الاستخدام الهجومي والتدخلي للقوة العسكرية بموافقة عالمية أو من دونها لفرض تغيير الأنظمة القائمة"، حسب شوا.

مرّت سنوات على تلك الطروحات. تضرّرت صورة هذا الجيش في مواقع عدة، بينما كانت قوى عسكرية أخرى تشق طريقها لمنافسته. مع ذلك، احتفظ ذاك الجيش ببعض من هيبة كانت مزيجاً من قوة باقية ونوستالجيا ماضية.

في ما كشفه ماكس بوت مؤخراً ما يسهم في مزيد من الكسر لتلك الهيبة. "الجيش الأمريكي لم يعد يملك مالاً كافياً ليقوم بعمله"، هذا كان عنوان ما نشره في "فورين بوليسي". حسب بوت، ثمة الكثير من الإشارات المقلقة التي تشي بأن الميزانية الدفاعية قاصرة عن ملاقاة التزامات الولايات المتحدة في العالم، وأن الجهوزية العسكرية أمام مشكلة حقيقية تؤثر بشكل خطير على الجيش الأمريكي. وهو ما كان وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس قد عبّر عنه في يونيو الماضي قائلاً إنه كان "في حالة ذهول" مما رآه من جهوزية الجيش للقتال.

ما الذي يمكن أن يتسبّب بصدمة لمقاتل مثل ماتيس؟

ينقل بوت عن المحلل العسكري الأمريكي دان غور الجواب: "ليس لدى الجيش الأمريكي اليوم سوى ثلاث فرق قتالية مجهزة من أصل 50 فرقة مدربة لخوض المعارك... وبسبب نقص التمويل وحاجة الآليات للصيانة لا يوجد سوى نصف المقاتلين والمجندين من المارينز والبحرية جاهزين للقتال". وبخصوص السلاح الجوي، يشير غور إلى وجود نقص بحوالي 1000 طيار، علماً أن هذا السلاح قد تقلص في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ. والحال نفسه ينسحب على البحرية الأمريكية. لقد تراجع عدد السفن التابعة لسلاح البحر من 594 عام 1987 إلى 278 اليوم. بينما بقي العمل على نفس الوتيرة، يقع على عاتق البحارة العمل أكثر من 100 ساعة في الأسبوع، حسب سيث كروبسي من "معهد هادسون". وهذا الواقع قد أدى، وفقًا لتقرير بوت، إلى وقوع حوادث مأساوية بين البحارة خلال الصيف الماضي، وقد قتل أكثر من 62 بحاراً خلال السنوات الست الماضية.
جيوش روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية تزداد قوة، بينما تتراجع قدرات الجيش الأمريكي...
يظهر الجيش الأمريكي أكثر من أي وقت مضى كـ"فقاعة"، تُنسب إليه قوة أكثر من تلك التي يدعيها
بناء على ما سبق، لم يأت مؤشر "هيريتاج" للتصنيفات العسكرية على نحو مفاجئ. وفق هذا المؤشر، يتراوح تصنيف الجيش الأمريكي بين "الهامشي" و"الضعيف". وتثير هذه الحقائق القلق في ظل تزايد قوة الجيوش الأخرى كجيوش روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، وتطور ترساناتهم العسكرية. يعطي بوت مثالاً عن تطوير الصين وروسيا لغواصة بحرية على الديزل لا يمكن للجيش الأمريكي، بقدراته الحالية، رصدها. تبدل ميزان القوى العسكرية ذاك يهدد أيضاً، والكلام لبوت، مفهوم "باكس أمريكانا" الذي تكرس بعد الحرب العالمية الثانية، ويترك الولايات المتحدة وحلفاءها عرضة للعدوان.

ما موقف الكونغرس والإدارة الأمريكية من كل ما تقدم؟

يشير تقرير "فورين بوليسي" إلى أن هذه المشكلة معترف بها على نطاق واسع من الكونغرس ومن الإدارة، لكنه يستبعد القيام بشيء لمعالجتها. خلال حملته الانتخابية، وعد دونالد ترامب بصرف ميزانية أكبر للدفاع وزيادة العديد من 450 ألف إلى 540 ألف، في البحرية وسلاح الجو… ولكن ميزانية الدفاع التي أقرت في مايو الماضي لم تف بأي من تلك الالتزامات. اقترح ترامب زيادة 45 مليار دولار أو 10% إلى ميزانية الدفاع (مع استثناء تكاليف الحرب). قال الرئيس إن ذلك "واحد من أكبر المبالغ التي تصرف لزيادة ميزانية الدفاع في التاريخ الأمريكي". لكن التقرير يكشف أن ذلك هو في المرتبة الـ16 كأكبر زيادة منذ العام 1977. والأهم أنها بعيدة كل البعد عن مواجهة التحديات القائمة. موافقة الكونغرس على الـ700 مليار دولار لميزانية الدفاع في زيادة 97 مليار دولار عن طلب ترامب لا تحل المشكلة. حسب بوت، تمرير مشروع القانون هذا ليس سوى خطوة رمزية، فالمال الذي يحصل عليه البنتاغون مصدره الاعتمادات الإضافية التي لا تكون عادة سخية نظراً لتعدد الأولويات. يضيف بوت بأن ترامب، المنشغل بمسائل كثيرة أخرى، لا يظهر أن الميزانية الدفاعية أولوية بالنسبة له أو لمساعديه. وحتى ماتيس وزير الدفاع، المناصر لمبدأ الإنفاق العسكري، لم يجعله أولوية كما فعل كاسبار وينبيرغر في الثمانينات. برأي الكاتب، فإن ماتيس منشغل بمنع ترامب من بدء حرب عالمية ثالثة أكثر من الدفاع عن المصاريف العسكرية. وينقل عن جون ماكين قوله إن المقامرة مستمرة، والخاسرون هم رجال ونساء في الزي الرسمي التزموا الدفاع عن الولايات المتحدة. في المحصلة، يظهر الجيش الأمريكي أكثر من أي وقت مضى كـ"فقاعة"، تُنسب إليه قوة أكثر من تلك التي يدعيها بينما يتخبط في مشاكله اللوجستية والمالية، على وقع تخبط داخلي بين الإدارة والكونغرس والأطراف الأخرى.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image