شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أن يكون لي من اسمه نصيب

أن يكون لي من اسمه نصيب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 13 نوفمبر 201703:15 م
لكل من اسمه نصيب. وبحكم طول المعشر، يصبح لنا من اسماء من نرتبط بهم نصيب أيضاً. كُتب لي الصدق نصيباً، فارتبطت به. وأنا إن خيرت بين كل الصفات لاخترت الصدق، بعد تجربة، كل مرة. كثيرة هي الأسماء التي تعني القوة والكرم والجمال، وهناك عدد لا بأس به من أسماء السيف والمطر والحيوانات المفترسة المختلفة، بالإضافة طبعاً لأسماء القادة والغزاة والطغاة والآلهة والرسل والقديسين. لكن ثمة ندرة في الأسماء التي تحمل الصدق في معناها، أو هذا ما أعتقده. يأخذ زوجي هذه الندرة إلى مستوى آخر، ففي اسمه الصدق، النادر، مكرر: صدقي نديم صدقي. هذا هو اسمه الثلاثي. البعض ينده له أبو نديم، والبعض، وأنا منهم، يقول له صَدّوق، مع الشدة على الدال. ذات مرة سمعت خالته منى تندهه "أبو الصدق"، فكان للنداء، على بساطته، وقع مريح جعلني ابتسم عند سماعه. وكأن رنته طبطبت على كتفي وأكدت لي ما أعرفه عن زوجي. اسمي هالة وتضحكني فكرة أن اسمينا اذا اجتمعا يشكلان اسم الممثلة المصرية هالة صدقي. لا أعرف شكل العلاقات إذا اتخذت من اسم السيدة هالة صدقي أو شكلها أو شخصيتها نصيباً، لكني أعرف شكل العلاقة حينما يرتبط اسم أحد أطرافها بالصدق المكرر. كيف وجد هذا الصدق طريقه إلي من بين أسماء أخرى أحببتها؟ هل علم حاجتي لرفقة هذا الاسم، بمعناه، دوناً عن غيره؟ حاجتي لهذا الصدق بالتحديد: صدقه هو، وليس أي صدق آخر. صدقه الطيب، بلا قسوة أو صراحة فظة. صدق لا ادعاء فيه، حنون لا يجرح: ثابت وغير مشروط. صدق يسمح للطيبة بأن تعيش في بيتنا بأريحية، دون حيطة أو جدران تلفها، ودون أن تخشى على نفسها من الجرح. صدق يرعى الاختلاف ويحبه. **** هو يرى الأشياء بوضوح، وعنده الفصل بين خانات الأبيض والأسود حازم. دخل الرمادي حياته مع دخولي لها، ما أربكه بعض الشيء: فـ "لا" عندي قد تصبح "نعم" بعد قليل، والجزء الأكبر من يومي يطفو في خانة "الربما" و"الممكن". يومي سلسلة احتمالات معلقة، ويومه قائمة أشياء علينا القيام بها. وبين احتمالاتي والتزاماته، تتزن حياتنا. بين جده ومزحي، يصفو اليوم. بين ثباته وهواجسي تصبح المخاوف أقل حدة. يتعبني هذا الرجل الطيب والصادق بنقاشاته، هو ورأسه اليابس. لا يكل هو ولا أمل أنا بدوري من الأخذ والرد. تراودني فكرة الاستسلام، برمادية وسلبية عدائية. لكني أمتنع. للنقاش في العادة دورة حياة: يبدأ صغيراً، يتصاعد ثم يصل إلى نقطة يشعر فيها أحد الطرفين بضرورة الانسحاب التكتيكي، والذي يتبعه في العادة مقولة "خلص مثل ما بدك"، والتي تعني في الغالب "مش مثل ما بدك، بس بدي سَكتك". تكون الرغبة ملحة بالانسحاب عند تلك النقطة، أقنع نفسي بأن التعب من "المماحكة" هو الدافع، لكن الصدق يقتضي النظر بعمق والإقرار بأن الدافع هو الشعور بأني بلغت في النقاش نقطة قوة قد لا تتكرر، وأن الانسحاب التكتيكي يضمن لي تسديد هدف مفاجئ وإنهاء الحديث دون سابق إنذار. انسحاب بكبرياء، أقول لنفسي في قرارتها. راقبت نفسي بعد عام على الزواج وأنا أتوقف عند هذه النقطة، رمقتها وأنا أعرف سهولة أن تضع هذه النفس الرحال ها هنا، لكني تنفست وطلبت منها أن تكمل المسير. ارتفعت الوتيرة وتصاعدت، كانت المراحل التالية شائكة، لكننا أكملنا دورة حياة النقاش، وخرجنا منه عند نقطة تلاقٍ: أرض جديدة خلقناها معاً. من الصعب خوض نقاش لآخره بشجاعة ونحن نخشى الهزيمة. في الحقيقة، من الصعب خوض أي شيء في الحياة للنهاية ونحن نخشى من أي شيء. **** الحب الصادق يعني حبه لحبي أشياء لا يستسيغها: للأغاني والأفلام المصرية التي تزعجه. للفنادق الصغيرة التي تخنقه والرحلات غير المنظمة إلى مدن متسخة يمقتها. لثرثرتي عن أشياء تضحكني في أوقات تركيزه، وأراه صادقاً حينما يسأل حائراً، قلقاً، عن سبب صمتي إذا انقطعت هذه الثرثرات. الحب الصادق يعني أيضاً أن آمن على اختلافي وضعفي معه، أن أيقن بأنه لن يوظفه - في أي زمان أو مكان- حينما يراه ويعرفه، ضدي. لن يحاول أن يهزمني في نقاش ليسدد أهداف في مرماي. حينما يسكن ضعفنا ويجد من يحويه، حينما لا نخشاه ولا نخشى عليه، عندئذ فقط نشعر بقوتنا ونتمكن منها. من حبه الصادق تأتي قوتي. وبسببه أكمل نقاشاتي ومعاركي للآخر.
حينما يسكن ضعفنا ويجد من يحويه، حينما لا نخشاه ولا نخشى عليه، عندئذ فقط نشعر بقوتنا ونتمكن منها
يقول لي، دون أن يقول: لا تخافي، قولي لا، أظهري مخالبك. يقول دون أن يقول: لا تبالي، كوني كما تشائين أن تكوني. شعرت خلال سنوات زواجنا الخمس أن حبي له بدأ يأخذ من اسمه نصيباً: في امتناعي عن ادعاء تعب لا أشعره ليقوم هو بمهمات إضافية في المنزل. في معرفتي جيداً أن بمقدوري أن أطيل فترة اعتذاره مني وشعوره بالذنب قليلاً، ورفضي الفكرة ليقيني بأنه لن يقوم بذلك حتى وإن أمكن. في رفضي للتحايل، في أصغر أشكاله، لأن صدقي، ببساطة، لا يتحايل. في الإصرار على البحث عن نقاط التلاق في النقاشات والقرارات والاختيارات، وتفضيلها على فرض هدنات تافهة، تبعد إلى أجل غير مسمى الوصول إلى حلول. نجدها، يعتذر أحدنا للآخر أحياناً، ونضحك في الغالب متسائلين كيف بدأنا هذا الجدل؟ لكن يبقى تحدي الصدق الأكبر عندي في أن أقول له، كما يقول لي: كن. لا تبالِ بشيء، كن كما تشاء أن تكون ولا تخف. أن أحبه دون أن أفكر بنفسي وبيتنا وحياتنا ومستقبلنا، ودوره فيها كلها. هو الصدق الأصعب، واسمي ليس صدقي. غريب أمر الصدق وقدرته على تغيير أشياء، تبدو لا تمت له بصلة، فينا. النقاش يمتد فترات أطول، الحصول على أمر يستنفذ طاقة أكبر، الأسئلة أكثر، الأمر متعب أحياناً لكن فيه متعة حقيقية وصافية، تليها راحة مختلفة. كما أن رفقة أبو الصدق في المشوار تجعل هذا الطريق الأصعب، أجمل. ***** صديقي الصادق، صدقي، كل عام وأنت بخير.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image