مساء الثلاثاء الماضي، صدر قرار يسمح للنساء السعوديات بقيادة السيارة. ورغم أن القرار لم يُفعّل بعد، فقد تسبّب بموجة فرح عارمة للعديد من الناشطات اللواتي ناضلن طويلاً من أجل نيل هذا الحق.
مع ذلك، بدا مستغرباً عدم ظهورهن على وسائل الإعلام للتعبير عن رأيهن في القرار. لماذا؟
إحداهن مريم (اسم مستعار) التي، عندما فتحت صفحتها على فيسبوك لتبث فيديو قصيراً يعبّر عن فرحتها، تذكّرت أن هناك أوامر - غير مكتوبة - تمنعها من التعبير عن رأيها في القرار سلباً أو إيجاباً.
قالت هذه الناشطة التي فضّلت عدم الكشف عن اسمها أن هناك جهات - لم تسمها - تواصلت معها قبل بضعة أسابيع وأبلغتها أن المملكة بصدد إصدار حزمة قرارات جديدة، وأنه من غير المسموح لها أن تعلق عليها عبر وسائل الإعلام، خصوصاً الأجنبية منها.
فور صدور القرار، تواصلت مريم مع زميلات لها سبق أن طالبن بمزيد من الحريات للمرأة، فاكتشفت أنهن جميعاً تلقين التعليمات نفسها التي تلقتها هي.
لماذا لا ترغب المملكة في أن تعبّر ناشطات عن سعادتهن بالقرار لوسائل الإعلام؟ تقول مريم لرصيف22 إن القرار، رغم أنه في مصلحة النساء، لا يعني أن المملكة تسير في طريق التقدم، وتعتبر أن القرار قد يحمل رسائل سياسية للدول الغربية.
"لو كان الهدف من القرار إعطاء حق للنساء، فبماذا نفسر صدوره مصحوباً بتعليمات تمنع الناشطات من الحديث عنه للإعلام؟" تسأل الناشطة.
هل صادرت المملكة حق الناشطات في التعبير؟
رحلة رصيف22 للتحقق من أن هناك بالفعل قيوداً على الناشطات السعوديات تمنعهن من التعبير عن رأيهن في القرار الجديد لوسائل الإعلام، بدأت من حساب الناشطة السعودية هالة الدوسري على موقع تويتر.
كتبت الدوسري في صفحتها أن هناك اتصالات من هيئة قضائية للناشطات تطالبهن بعدم الحديث عن القرار، معتبرةً أن الأمر يشبه اتصالات تلقتها هي وناشطات أخريات في العام 2013، من وزارة الداخلية السعودية، تمنعهن من أن يطالبن المملكة بالسماح للنساء بالقيادة.
وأكدت الدوسري أنها تلقت اتصالات من صحافيين تفيد بأنهم حاولوا التواصل مع ناشطات سعوديات بهدف معرفة رأيهن، وفوجئوا برفضهن التعليق من دون إعطاء أسباب.
في المقابل، ظهرت على وسائل الإعلام السعودية شخصيات معروفة بتأييدها للسياسات العامة في السعودية، وأثنت على قرار المملكة بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، ومن بينهم رجال دين كانوا قد حرموا إجازة قرار كهذا.
وفسرت الدوسري هذا الأمر بأن المملكة قررت تكليف شخصيات معينة "مُرضٍ عنها" للحديث لوسائل الإعلام، بدلاً من الناشطات اللواتي حاربن من أجل نيل حق القيادة.
وهذا ما أثار استغراب الناشطة لطيفة الشعلان، عضو مجلس الشورى السعودي، التي ناضلت في سبيل السماح بقيادة المرأة للسيارة في المملكة، فغردت "أكثر الأشياء طرافة اليوم وأمس أن تتصدى نساء للثناء على قرار قيادة المرأة على الإذاعات والقنوات التلفزيونية مع أنهن قلن مراراً نحن ضده".
وغردت ناشطة أخرى "الأكثر طرافة تغريدات المشايخ والاندفاع والتأييد غير المسبوق للقضية، أين كُنتُم من قبل لتنوير المجتمع وإقناعه بضرورة ذلك؟".
ناشطات سعوديات يؤكدن أنهن تلقين اتصالات تمنعهن من الحديث للإعلام عن قرارات المملكة الجديدة...
لماذا لا ترغب السعودية في أن تعبّر الناشطات عن سعادتهن بقرارها الجديد لوسائل الإعلام؟ الناشطات يحاولن الإجابة
لكن لماذا تفعل السعودية ذلك؟
بحسب إحدى الناشطات اللواتي تواصلنا معهن، فإن منعهن من الظهور في وسائل الإعلام قد يكون سببه أن المملكة لا ترغب في أن تستفز المتشددين فيها، بأن ترسل لهم رسالة مفادها أن التغيير تم بعد مطالبات ناشطات لديهن أفكار ليبرالية.
وتضيف الناشطة: "السعودية تريد أن تبعث برسالة للجميع، خلاصتها أنها صاحبة القرار، وهي موجهة تحديداً للعالم الغربي الذي يتهمها بأنها مصدر التطرف، وقد أرادت من خلال هذه الرسالة القول إنها باشرت تدابير إصلاحية حقيقية".
ويذكر أن قرار السعودية الأخير أتى بعد حملة اعتقالات قامت بها المملكة، طالت عشرات الشخصيات المعارضة، وبينهم رجال دين بارزين.
وفي السنوات الماضية، برز نضال النساء السعوديات لنيل حقهن في قيادة السيارة، ومنهن نجلاء حريري التي بدأ التحقيق معها في سبتمبر 2011 بتهمة قيادة سيارتها في المملكة، وأمجاد محمد التي قادت سيارتها وسط الرياض، ومنال الشريف التي اعتقلتها السلطات بعدما قادت سيارتها في شوارع مدينة الخبر.
علماً أن الناشطات اللواتي قررن قيادة السيارة حوكمن ببيان أصدرته المملكة رسمياً في العام 1990، نصّ على عدم السماح للمرأة بقيادة السيارة.
ويوم الثلاثاء الماضي، ومن دون سابق إنذار، وجد السعوديون وسائل إعلامهم الرسمية تقول إن هناك أمراً "بإصدار رخص قيادة السيارات للمرأة".
وفي التفاصيل، أن هناك "أمراً سامياً باعتماد تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية، بما فيها إصدار رخص القيادة، للذكور والإناث على حد سواء".
وستشكل لجنة وصفتها وسائل الإعلام السعودية الرسمية بأنها "على مستوى عالٍ" مكونة من وزارات الداخلية والمالية والعمل والتنمية الاجتماعية لدرس الترتيبات اللازمة لإنفاذ ذلك.
وظهر موقف ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، من هذه القضية أثناء مؤتمر الإعلان عن رؤية المملكة 2030، في إبريل 2016، حين قال إن عدم قيادة المرأة السعودية أمر اجتماعي وليس دينياً.
"اليوم، المجتمع غير مقتنع بقيادة المرأة، لكن المستقبل تحدث فيه متغيرات، ونتمنى دائماً أن تكون متغيرات إيجابية" قال الأمير السعودي يومذاك.
لم يتمكن رصيف22 من التواصل مع مسؤول حكومي سعودي لتأكيد قرار منع الناشطات السعوديات من الظهور على وسائل الإعلام أو نفيه.
لكننا حاولنا متابعة تغطيات الإعلام السعودي للقرار، ولم نجد أي ظهور إعلامي للناشطات البارزات اللواتي حاربن في السنوات الماضية حتى يصبح من حق نساء السعودية قيادة السيارة. فما رأيكم في هذا الأمر؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...