شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
مذكّرات فتاة متحررة من جيل اليوم (12): أنا في مباراة كرة القدم

مذكّرات فتاة متحررة من جيل اليوم (12): أنا في مباراة كرة القدم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 12 أغسطس 201712:37 م
لست مشجعة شغوفة للرياضة بسبب القيم الذكورية التي تدعمها المؤسسات الرياضية. يُغفر للرياضيين كل خطأ يرتكبونه - مهما كانت الفعلة غير أخلاقية أو عنيفة أو حتى جريمة جنائية طالما ظلوا رياضيين جيدين. لا أرى تلك المعاملة نفسها في أي مهنة أخرى: إذا كان زميلك معروفاً بأنه يضرب زوجته، فمن الطبيعي ألا يُشاد به لقدرته على ملء التقارير بشكل أسرع من أي شخص آخر في المكتب، بل سوف يُطرد من العمل أو على الأقل يُعزل اجتماعياً. أنا لست من محبي المؤسسات التي تصرّ على إعطاء الأولاد والرجال لقب الأبطال من غير استحقاق، فقط لإعفائهم من عدد لا يحصى من الجرائم والجنح ما بين الاعتداء الجنسي، وتفادي المسؤوليات المالية، وتعاطي المخدرات، والقيادة تحت تأثير الكحول، والعنف المنزلي، وجرائم أخرىومع ذلك، أحب الاستكشاف. عندما أخبرني صديقي ماجد أن لديه تذكرة إضافية لمشاهدة مباراة كرة القدم المنتظرة هذا الموسم، والتي سوف تُجرى في مدينتي، قلت: "لمٓ لا؟". نصحني ماجد أن أترك هاتفي في المنزل وألا أحمل أي مبالغ نقدية لأن المباريات ليست بالمكان الآمن للنساء. ضحكت، وذكرته أنني أعيش في واحد من أخطر الأحياء في البلاد. ولكن على الرغم من ردي، عملت بنصيحته. قضيت ليلة كاملة أفكر في العنف الذكوري الذي يملأ الملاعب والمساحات الرياضية، واستنتجت أن كوني امرأة أمر كريه. في يوم المباراة، توجهنا إلى الملعب في وقت مبكر لنتجنب الزحام والتدافع. وجدنا مقاعدنا بين الحشود الحريصة على حضور المباراة واستقررنا بها. ظللت أبحث عن فتاة أخرى من شأنها أن تشاركني ما أشعر به، ولكن يبدو أنني كنت الفتاة الوحيدة في دائرة قطرها 8 كيلومترات. بدأت المباراة والهتافات. استمتعت بمعانقة الغرباء عندما كان يحدث شيء مثير في الملعب، وتوجيه الصراخ العنيف والشتائم إلى الفريق الخصم. لم أفهم ما كان يحدث. حتى يومنا هذا، ليس لدي أي فكرة عن الفرق التي كانت تلعب. أما ماجد، فلم يكن يستمتع بوقته كما كنت استمتع. أمضى مدة المباراة يحاول التأكد من أن أحداً لم يضايقني.
استمتعت بمعانقة الغرباء عندما كان يحدث شيء مثير في الملعب وتوجيه الصراخ العنيف والشتائم إلى الفريق الخصم
ظللت أبحث عن فتاة أخرى تشاركني ما أشعر به، ولكن يبدو أنني كنت الفتاة الوحيدة في دائرة قطرها 8 كيلومترات
الحق يقال، كان المكان مضيافاً بشكل مدهش، وكان المتفرجون من حولي لطفاء للغاية معي، ومعظمهم سعداء أن فتاة تشاركهم ما يحبونه. شاركني ما لا يقل عن أربعة رجال سجائر الحشيش، وأعطاني أحدهم حبوب نورداز، وبدأت أعتقد أن الفتيات مرحب بهن هنا، ما دام معهن ماجد يرعاهن (كانت هذه الفكرة لتزعجني إن لم أكن أدخن السيجارة الرابعة). أترون؟ نسرع جميعاً إلى الحكم ونوجه أصابع الاتهام لدول مثل السعودية أو إيران تمنع المرأة من الخروج مع أحد رفاقها من الرجال، ولكن في النهاية، واقعنا مماثل تماماً لما يحدث في معظم البلدان العربية. بحلول نهاية المباراة، كان "فريقنا" هو الفريق الفائز وكان عدد من الفتيان يناولونني ملابس ولوازم مشجعي الفريق ويعلمونني الهتافات الاحتفالية المناسبة. كان ماجد يقف قريباً مني لعدم السماح لأي شخص بالتصرف بشكل غير لائق، وأصر على أن نرحل في وقت مبكر. عندما خرجنا من الملعب، أدرك أن شخصاً ما قد سرق هاتفه، الأمر الذي وجدته مضحكاً، وأنني قد سرقت عن طريق الخطأ وشاح الفريق الخاص بأحدهم. أُبقي الوشاح حتى يومنا هذا تذكاراً. تم إغلاق الملعب الآن، بعد سلسلة من الاشتباكات العنيفة خلال مباريات الديربي. أحياناً أفكر في تجربتي مع كرة القدم، وأتساءل عما يفعله الرجل الذي أعطاني حبوب النورداز ليستمتع بوقته الآن؟ ماذا يفعل بكل هذه الطاقة والشغف العدواني الذي بداخله؟ أين يخرجه؟ هل وجد فريقاً جديداً يشجعه أم أصبح ذا آراء سياسية واحتج ضد غلق الملعب؟ ألا يزال يشارك حبوبه مع الغرباء الذين يشجعون فريقه أم هل يحتاج كل الحبوب لنفسه الآن بعد أن أخذوا منه ملعبه؟ لأن الملعب ينتمي حقاً له. الملعب ينتمي له ولجميع هؤلاء الفتيان النحفاء عراة الصدور الذين عانقوني وحاولوا أن يتحسسوا صدري. وينتمي لي. لدي مقعد فيه الآن. كان الملعب كل ما يمتلكونه، فمن يعانقون الآن؟ أتفهم الأمر الآن. الرياضة بالنسبة لهم هي الكتابة بالنسبة لي: وسيلة للتنفيس عما بداخلهم، وهي طريقة اكتشفوها عن طريق المصادفة ويراها الكثيرون طريقة عدوانية و/أو مهينة. إن اختفت أو اُخذت منهم بالقوة، فأين سيذهبون؟ وماذا سيمتلكون؟ هيا يا "ضع هنا اسم فريقك المفضل"!

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image