"بعد نقاشات طويلة استمرت لأكثر من عام ونصف العام مع الجانب الإسرائيلي، توصلنا إلى توافق مبدئي يقوم على أن الحصة الفلسطينية 32 مليون متر مكعب سنوياً من المياه (22 للضفة و10 لغزة) بأسعار 3.3 شيكل للمتر المكعب في الضفة الغربية و3.2 شيكل للمتر المكعب في قطاع غزة، وهذا الأمر من شأنه أن يخفف العطش الذي تعانيه غالبية التجمعات الفلسطينية".
هكذا أعلن رئيس سلطة المياه الفلسطينية، المهندس مازن غنيم، عن الاتفاق الذي تم برعاية أمريكية مع الجانب الإسرائيلي بشأن حصة الفلسطينيين من المرحلة الأولى من مشروع "التعاون الإقليمي" لقناة البحرين "البحر الأحمر - البحر الميت" بحسب ما أورد الموقع الرسمي لسلطة المياه الفلسطينية.
قناة البحرين أو كما تطلق عليها مصادر إسرائيلية أخرى "ناقل البحرين" هي مشروع إستراتيجي إسرائيلي، تم التفكير فيه منذ سنوات طويلة، منذ الانتداب البريطاني على فلسطين، ثم تواصل بحث هذا المشروع بعد إعلان تأسيس إسرائيل في 15 مايو 1948.
مراحل تطور المشروع
تقول صحيفة "كلكليست" الإسرائيلية في تقرير عرضت فيه التطور التاريخي للمشروع والبدائل المختلفه له إن فكرة "قناة البحرين" مطروحة منذ منتصف القرن التاسع عشر. تحدث عنها بنيامين زائيف هرتسل في كتابه "دولة اليهود"، وكتب في مذكراته لشهر أغسطس 1896 أنه ناقشها كثيراً مع الخبير الكهربائي، يونا "يوهان" كريمينسكي. وأضاف: "شواطئ البحر الميت غنية بالأملاح، يمكن تأسيس صناعات كيميائية كبيرة هناك، ويمكن استخدام المياه العذبة المتدفقة إلى البحر الميت في أغراض الشرب، والاستعاضة عنها بتوصيل مياه البحر المتوسط إلى البحر الميت عبر قناة، تكون في أجزاء منها تحت الأرض نظراً لطبيعة المنطقة الجبلية، والفارق الكبير بين سطح البحرين، يمكن استغلاله كقوة دافعة تقدر بآلاف الأحصنة". كريمينسكي يعتبر من رواد صناعة الكهرباء في أوروبا، وأحد الداعمين الكبار للمشروع الصهيوني، وشغل منصب أول رئيس للصندوق القومي اليهودي. تضيف الصحيفة أنه على مدار الـ120 عاماً الماضية، ظهرت مشروعات مختلفة لشق قنوات أو أنفاق تنقل مياه البحر الأحمر أو البحر المتوسط إلى البحر الميت، وتم التفكير بها في بادئ الأمر كمحاولة للالتفاف على قناة السويس ومنافستها، وبعدها تحولت إلى مشروعات لتوليد الكهرباء وتحلية المياه وأخيراً الحفاظ على مستوى البحر الميت الذي يتراجع بمقدار متر واحد سنوياً، بحسب جلسة الكنيست المخصصة لمناقشة المشروع في 17 فبراير 2008. في الثمانينيات من القرن الماضي، اقترح البروفيسور يوفال نئمان، حينما كان وزيراً للطاقة، حفر قناة تمر أجزاء منها تحت الأرض لتوصيل المياه من البحر المتوسط إلى البحر الميت. كذلك اقترح الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز مشروعاً لحفر قناة بطول الحدود بين إسرائيل والأردن، تنقل مياه البحر الأحمر إلى أعلى نقطة في وادي عربة، ومنها تهبط المياه إلى البحر الميت. اشتملت مشروعات نقل مياه البحر الأحمر أو المتوسط إلى البحر الميت على ثلاثة مسارات: المسار الشمالي، وتضمن نقل مياه من البحر المتوسط عبر قناة تمر في مرج بن عامر ثم إلى وادي بيسان ومنه إلى البحر الميت، أما المسار الثاني، فهو مسار الوسط، ويتضمن ضخ مياه البحر المتوسط من عسقلان إلى الجنوب في قناة مفتوحة ونفق تحت الأرض يمر تحت جبال الخليل حتى البحر الميت، أما المسار الجنوبي، فيتضمن ضخ مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت بواسطة أنبوب ضخم ونفق وقناة في منطقة وادي عربة ومنطقة البحر الميت. وتتابع الصحيفة أنه في عام 1977 تم تشكيل لجنة برئاسة وزير الطاقة، يوفال نئمان، لبحث المسارات الثلاثة، وأوصت اللجنة بمسار منطقة الوسط، وتوقعت أن تصل تكلفة المشروع إلى 1.5 مليار دولار بأسعار ذلك الوقت. اتفقت تل أبيب على نيل قروض من مؤسسة تنمية استقلال إسرائيل بالولايات المتحدة (DCI)، لكن المشروع توقف عام 1985 بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن حفر القناة يتعارض مع القانون الدولي بسبب تأثيرها السلبي على الأردن.مشروع "قناة البحرين"... إسرائيل تسعى إلى ربط الاقتصادين الأردني والفلسطيني بها
قبل وقت قليل من انتفاضة الأقصى، إلى هنا وصلت مفاوضات الإسرائيليين والفلسطينيين والأردنيين حول المياهفي العقد الماضي، أعلن صاحب مجموعة "ديليك"، يتسحاك تشوفا، رعايته للمشروع، وقال إن تلك الرعاية تأتي انطلاقاً من مسؤوليته القومية تجاه إسرائيل، واقترح التنازل عن حفر الأنفاق، واقترح نقل المياه بواسطة قناة واسعة وعميقة. وقدر رجل الأعمال الإسرائيلي تكلفة المشروع بنحو 3 مليارات دولار. في عام 2008، قال تشوفا في مؤتمر رئاسي إن المشروع يمكن إنجازه خلال عامين، وسوف يوفر ما بين 300 و400 ألف فرصة عمل للفلسطينيين، كما أنه سيحول المنطقة إلى مروج خضراء، وسيتم من خلاله أيضاً توليد الكهرباء، وتوطين ملايين المستوطنين على ضفتي القناة، بالإضافة إلى إقامة مراكز جذب سياسي وحدائق ومتنزهات على جانبي القناة، بحسب الصحيفة الإسرائيلية. لكن تشوفا انسحب من تبني المشروع بسبب كلفته السياسية وتعدد الأطراف المشاركة فيه، وعدم اليقين من جدواه الاقتصادية وضمان تمويله، بالإضافة إلى معارضة منظمات بيئية إسرائيلية للمشروع بسبب تأثيره السلبي على البحر الميت، والإخلال بتوازنه الإيكولوجي. في عام 2013، التقى ممثلون عن إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن بمقر البنك المركزي في واشنطن من أجل التوقيع على تفاهمات لتسوية قضايا المياه العالقة بينهم، وبحثوا تنفيذ المسار الجنوبي الذي ينقل مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت بواسطة أنابيب وأنفاق وقناة في وادي عربة ومنطقة البحر الميت. وفي أجواء احتفالية ضخمة بوادي عربة، وقعت الأردن وإسرائيل عام 2015 اتفاقاً نص على وضع وصلة مكونة من 4 أنابيب ضخمة يتم خلالها نقل الماء من البحر الأحمر إلى البحر الميت. الأنبوب الأول طوله نحو 200 كيلومتر ويمر داخل الأراضي الأردنية، وتستمر أعمال وضع هذا الأنبوب 3 سنوات. ويشمل الاتفاق أيضاً إقامة محطة تنقية وتحلية تزود منطقتي العربة الإسرائيلية والعقبة الأردنية بالمياه العذبة وتنقل المياه المالحة الناتجة عن عملية التحلية من البحر الأحمر إلى البحر الميت. لكن اعتزال وزير التعاون الإقليمي في ذلك الوقت، سيلفان شالوم، الذي كان القوة الدافعة للمشروع الحياة الساسية بسبب اتهامات جنسية، أدى إلى توقف المشروع مرة أخرى.
أسباب تحول المشروع
تشير المصادر الإسرائيلية السابقة إلى أنه حدث تحول في المشروع من محاولة الالتفاف على قناة السويس ومنافستها إلى مشروع لتحلية المياه وتوليد الكهرباء، لكن هذا التحول لم يسقط الأهداف الإستراتيجية للمشروع.يقول رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي الأسبق، أفرايم هليفي، في تصريحات لموقع "والا" الإسرائيلي، إنه "حتى إذا كانت مصر منهمكة في مشكلاتها الداخلية، فإن أية محاولة للالتفاف على قناة السويس قد تدفع القاهرة إلى إعادة النظر في اتفاقية السلام، ونحن لنا مصلحة كبيرة في الحفاظ عليها، فقناة السويس تمثل قيمة كبيرة وإحدى علامات الفخر الوطني المصري، بالإضافة إلى كونها أحد مصادر الدخل الكبرى للحكومة". ويضيف هليفي أن "أية محاولة للالتفاف على قناة السويس معناها عمل عدائي ضد مصر وأعتقد أن هذا الأمر سيؤثر بشكل سلبي على منظومة العلاقات بين البلدين"."قناة البحرين" هي مشروع إستراتيجي إسرائيلي تم التفكير فيه منذ سنوات طويلة، منذ الانتداب البريطاني على فلسطين، ويبدو أنه سيصبح واقعاً
"السلام الإقليمي" ومشروع "قناة البحرين"
يثير توقيت الإعلان عن المشروع العديد من التساؤلات حول صلته بمشروع "السلام الإقليمي" الذي يتبناه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب. بحسب ما ذكرت سلطة المياه الفلسطينية على موقعها الرسمي، فقد التقى رئيس السلطة، مازن غنيم، مع مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات وناقشا الوضع المائي في فلسطين، وأضافت أن الطرفين تطرقا إلى ما وصلت إليه المحادثات مع الجانب الإسرائيلي بخصوص استحقاقات المياه للجانب الفلسطيني من مشروع قناة البحرين، إذ تم اللقاء في شهر مايو الماضي، وأعلن مبعوث ترامب ذاته عن التوصل للاتفاق. ويتضمن مشروع السلام الإقليمي الذي يتبناه نتنياهو وعرضه على ترامب، بحسب ما ذكر موقع "دبكا" الإسرائيلي توثيق التعاون الاقتصادي بين الأردن والسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى بعض الدول العربية الأخرى. بحسب الاتفاق، فإن الاقتصادين الأردني والفلسطيني سيكونان مرتبطين بالمشروع الإسرائيلي، خاصة في ما يتعلق بتوفير احتياجات المواطنين من مياه الشرب والمياه الصالحة للزراعة، بالإضافة إلى أن مشروع قناة البحرين يشكل جزءاً من مشروع "وادي السلام" بين الأردن وإسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية الذي اقترحه الرئيس الإسرائيلي السابق، شيمون بيريز، ضمن رؤيته للشرق الأوسط الجديد. ويقول موقع "المعرفة" في تقرير مفصل له عن قناة البحرين، إن تنفيذ هذا المشروع يتطلب موافقة مصر والسعودية على تعميق وتوسيع مضائق تيران، وهو ما يثير التساؤل حول توقيت تسليم جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية.أهداف إستراتيجية أخرى
لا تقتصر الأهداف الإسرائيلية على ربط الاقتصادين الأردني والفلسطيني بها، بل هناك عدد من المشروعات التي تهدف إلى تحقيقها من وراء ذلك، أهمها مشروع تنمية وتطوير النقب الذي يشكل 60% من إسرائيل. بحسب صحيفة "هآرتس" فهذا المشروع سيمكن إسرائيل من توطين ملايين الأشخاص في المنطقة، بالإضافة إلى تحويلها إلى مصدر كبير للدخل الإسرائيلي. الأهداف الإسرائيلية الأخرى للقناة تمتد أيضاً إلى المساهمة في تنفيذ مشروع كبير يتمثل في نقل القواعد العسكرية التابعة للجيش والموجودة في منطقة الوسط، خاصة أن تلك القواعد تحتل مساحة كبيرة، وتمثل خسارة كبيرة للدولة، وتهديداً إستراتيجياً كبيراً في أي مواجهة عسكرية مستقبلية، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت". ورأى استاذ القانون العام والنظم السياسية والقيادى فى حركة فتح الفلسطينية، الدكتور جهاد الحرازين، في تصريح لرصيف22 أن مشروع قناة البحرين يعتبر خطوة في اتجاه تحقيق فكرة "السلام الإقليمي" أو "السلام الاقتصادي" لافتاً إلى أن المحصلة النهائية التي تريدها الولايات المتحدة وإسرائيل هي دمج إسرائيل اقتصادياً بالعالم العربي، والقناة ستحقق جزءاً من هذه الخطة. واتفق عميد كلية ريبورتاج، والمحلل السياسي، الدكتور حسن مرهج، مع ما ذهب إليه الحرازين إذ أكد أن الاتفاق الذي أعلن عنه سبقته اتصالات عربية - إسرائيلية لتمويل مشروعات "تسد جوع البطون الفلسطينية" على حد تعبيره. وذهب المفوض العام للعلاقات الوطنية والعامة للهيئة العليا لشؤون العشائر، عاكف المصري، في تصريح لرصيف22 إلى أن الاتفاقية التي تم الإعلان عنها مفروضة على السلطة الفلسطينية بسبب حالة التفكك والانقسام الداخلي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 6 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت