قبل أيام قليلة نشر أب مصري صورة مع ابنته المُصابة بالسرطان والتي رفضت مستشفى علاج سرطان الأطفال 57357 استقبالها. انتشرت الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي وندد المُستخدمون بموقف المستشفى ودعوا المُتبرعين لتبني حالة الطفلة مادياً.
في مثل هذه المواقف، يتبرع رجال الأعمال أو المؤسسات الخيرية وبعض شخصيات المجتمع ذات المراكز المرموقة بتكلفة العلاج. ويُشاع أنها طريقة فعّالة لتسويق المُتبرع اجتماعياً باعتبار أنه شخص/مؤسسة ذو دور فعّال في المجتمع.
أما عن استقبال الجمهور لهذا، فيتنوع بين احتفاء وبين رؤيته كضرورة حتمية نتيجة للتوزيع غير العادل للثروات، ويظل شبح الشروط الضمنية في الخلفية.
فيفي عبده: أن يكون المُتبرع "راقصة"
سارعت الراقصة المصرية «فيفي عبده» بالتواصل مع الأب وأعلنت تكفلها بعلاج الطفلة على نفقتها الخاصة. حينها، انشق الصف بين المُستخدمين المُحتفين بعمل الخير، فمنهم من دعا لفيفي بالهداية ومنهم من استنكر التبرع لأنها فلوس حرام، ومنهم من واجه فعلها بالسباب والسخرية، وآخرون استقبلوه بنية طيبة وامتنان. لم تكن هذه المرة الأولى التي تتبرع فيها فيفي عبده. يُقال إن لها ابنة بالتبني وإنها من أكثر شخصيات الوسط الفني تعاوناً عندما يأتي الأمر لمساعدة الغير. ولكن الجمهور الذي يعتبر أن امتهان الرقص الشرقي "عيب وحرام" قد لا يعنيه سوى أن تصرفاتها الشخصية ومهنتها "غير مقبولتين" اجتماعياً.لماذا يحتقرون الرقص الشرقي؟
ارتبط الرقص الشرقي في ذهن العامة بالجنس التجاري، فاعتبرت كل راقصة هي بالضرورة مقدمة خدمات جنسية لزبائنها. ويعتمد هذا الاحتمال على كون الرقص الشرقي فناً «إيروسياً»، أي يعتمد أغلبه على الإغواء والغنج. في مجتمعاتنا المحافظة والعابرة للطبقات الاجتماعية، يُتوقع من النساء دائماً الالتزام بمعايير المجتمع، كالاحتشام والطاعة والوقار إلخ. هذا بالطبع ليس كل شيء، فهذه المعايير موضوعة في الأساس للهيمنة على أجسام النساء. ما تفعله فيفي عبده على الإنترنت هو ضرب لكل هذه المعايير. فيفي امرأة واثقة في نفسها، ترقص ولا تخجل من مقاس جسمها. ولا تُعير اهتماماً لكل الذين ينعتوها بالولية والقرشانة بسبب سنها. تملأ صفحاتنا الاجتماعية خفة وحيوية وبهجة في كل مرة تنشر مقطع فيديو لها. فيفي عبده ليست سيدة مجتمع، هي من أبناء طبقاته المطحونة ولذلك لن يعنيها أبداً ما يقوله هذا أو ذاك، فهؤلاء لم يمروا بما مرت هي به. ترقص ولا تهتم بمن يعتبرها فاسدة أخلاقياً أو امرأة "غير خجولة" وغيرها من المصطلحات الهُلامية التي توصم بها النساء إن لم يلتزمن بالمعايير الاجتماعية المتوقعة منهن.يرى المُتنمرون أن فيفي عبده أقل منهم أخلاقياً، وأحطّ منهم قيمياً، لأنها تتصرف في جسمها بحرية...
فيفي عبده تُمثل تهديداً حقيقياً لكل الذين يعتقدون في سيطرتهم على أجسام النساء وكأنها حق
"شرطة الأخلاق على الإنترنت": دعوات هداية وبلطجة إلكترونية
إن تصفحتم حسابات فيفي عبده على مواقع التواصل الاجتماعي تجدون أن أغلب التعليقات تستنكر ما تفعله. يُشاهدون مقاطع الفيديو ثم يدعون لها بالهداية أو يدعونها للتوبة عمّا تقترفه من ذنوب. تغلب الفجاجة على بعض التعليقات فتتحول بدلاً من دعوات بالهداية إلى دعوات بالإلقاء في جهنم والموت وسوء الخاتمة. هؤلاء لا يقبلون أن تكون امرأة مُتحكمة في جسدها، ولا تكتفي حتى بإعلانها لهذا التحكم على الملأ. امرأة مثل فيفي تُمثّل تهديداً حقيقياً لكل الذين يعتقدون في سيطرتهم على أجسام النساء وكأنها حق وليس اعتداء. أن تظهر امرأة وتُعلن رفضها لمحاولات السيطرة المتمثلة في تعليقات العامة، هو بالفعل أمر لافت جداً. في تعليقات مثل: الله يهديكي/ توبي إلى الله قبل الموت/ احترمي سنك/ إيه كرشك ده/ أو حتى اتلمي يا ولية، يجد المُعلقون مُتنفساً لما يعتقدون أنه "أخلاق"، فيما هو في الأصل تعالٍ قيمي وجريمة رقمية. يرى المُتنمرون أن فيفي عبده أقل منهم أخلاقياً، وأحطّ منهم قيمياً، لأنها تتصرف في جسمها بحرّية وعكس ما يتوقعونه من كل امرأة ظروفها كظروف فيفي. لذلك، يدعونها إلى الالتزام بمعايير أخلاقية لم تضعها هي لنفسها، ويوصمون عدم امتثالها لهذه المعايير.كيف تواجه "فيفي عبده" البلطجة الإلكترونية؟
وجود فيفي عبده على الإنترنت وتحديها لكل هذا الكم من البلطجة الإلكترونية اليومية يستحقان الإشادة. كذلك هي ردودها على هذه التعليقات. لا تقتصر الردود على مُستهدفيها، ولكن أيضاً على مُستهدفي الشابات اللاتي يُعلقن على صفحاتها.نشرت فيفي منذ شهور قليلة مقطع فيديو موجّه بالكامل لأصحاب هذه التعليقات. تضمن محتوى الفيديو عبارات عن الحرية الشخصية والحقوق الجسدية وتحدي معايير الجمال، بطريقتها البسيطة التي لم تُحمّل المقطع كلاماً أكاديمياً أو مصطلحات صعبة. ثم، أفادت أن وزنها وجسمها هما أمر عادي، ويجب أن يكونا مقبولين، وما هو غير مقبول هو تعليقاتهم على جسمها وتصرفاتها. وأضافت أن ما تفعله على الإنترنت يخصها، ومَن لا يرضى فعليه مغادرة حساباتها في سلام، لأنها لا تضر أحداً. قالت هذه الكلمات بنبرة ساخرة مُتحديّة وطيبة. مثلها تماماً، فيفي التي فتحت أبواب النجومية لنفسها بنفسها، واستكملت مسيرتها كامرأة شجاعة في مواجهة المحافظين من كل الطبقات الاجتماعية. على الجانب الآخر، جمهور مختلف يحتفي بردودها على المُتنمرين، ويستخدم هذه الردود كـMeme أو في الكومكس، ما يُعرف على فيسبوك بالـThug Life أو قصف الجبهة. أما فيفي عبده فهي مُستمرة في ظهورها العفوي على مواقع التواصل الاجتماعي، تملأ صفحاتنا خفّة وطيبة نحتاجهما.وجود فيفي عبده على الإنترنت وتحدّيها لكل هذا الكم من البلطجة الإلكترونية اليومية يستحقان الإشادة… تملأ صفحاتنا خفّة وطيبة نحتاجهما
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...