شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
شعارات سياسية على السوريين تجاوزها

شعارات سياسية على السوريين تجاوزها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 1 يونيو 201704:37 ص

أربع سنوات مرّت على الثورة السورية، أربع سنوات كان من المفترض أن تشهد زخماً كبيراً في إنتاج الطروحات الجدّية التي تنطلق من قراءة واقعية لطبيعة المجتمع السوري المتنوّع، ولطبيعة حاجاته بالارتباط مع ما هو متاح أو ممكن. ولكن حتى اللحظة، يمكننا القول إن أفضل الطروحات التي قُدّمت لم تنجح في تجاوز عموميات الشعارات السياسية التأسيسية التي ردّدها الثوار في الساحات.

بعد أربع سنوات على الثورة، لم نشهد من يتصدّى لمهمّة دفع الثورة إلى تجاوز الذهنية التي علقت بها في الفترة الماضية، اللهم إلا أخيراً، وبشكل خجول جداً ومحدود جداً، وذلك بعد أن فقدت الثورة جدواها (كل ثورة تفقد جدواها بعد أن يتحلل النظام ويظهر من داخله مَن يقارعه عسكرياً). ولعلّ مردّ هذا الشلل هو الخوف من تهمة خيانة الثورة.

في بداية الثورة خرجت كمية من الشعارات التأسيسية، منها الانفعالي مثل "يلا إرحل يا بشار" و"ما منحبك ما منحبك" مضافةً إليه تنويعة من الكلام الذي يتركه صالحاً لاستخدامه كهتاف. هذا إلى شعارات كثيرة يمكن تقسيمها إلى نوعين: شتائم تطال رموز النظام وعائلاتهم ولفتات تضامنية مع مناطق أخرى كانت تعبّر في الآن نفسه عن الرغبة في تجاوز المناطقية، وعن عدم القدرة على ذلك. وظهرت شعارات قليلة يمكن اعتبارها شعارات سياسية.

ومع تطوّر الأحداث السورية، فتحت شعلة الثورة السورية البلاد على أزمة معقّدة وعلى حرب أهلية. وبرغم غياب أصحاب الشعارات السياسية التأسيسية عن الساحة (إما قتلهم النظام أو اعتقلهم أو هاجروا أو قتلتهم أو اعتقلتهم مجموعات مسلّحة وُلدت من رحم تفكك السلطة المركزية) فقد عجز خطاب المعارضات السياسية عن تجاوز تبسطية هذه الشعارات.

R22_Obsolete_Syrian_Slogans_Titles__1_20150317R22_Obsolete_Syrian_Slogans_Titles__1_20150317

ولهذا الشعار نسخة أخرى تقول "نحنا بدنا الحرية إسلام ومسيحية ودروز وعلوية" وصيغة مضادة تقول "المسيحية عَ بيروت والعلوية عَ التابوت". أخفى هذا الشعار العاطفي تعقيدات المجتمع السوري المنوّع وراء صيغة سرعان ما أثبت تطور الأحداث لاجدواها. لم يتم العمل جدياً على التجاوز الضروري لهذا الشعار من أجل فهم التمايز بين القوميات العربية والكردية والأرمنية والسريانية والتركمانية، ومراعاة تكوّن الشعب السوري من تنوّعات اجتماعية عدّة (سنّة، علويون، مسيحيون، اسماعيليون، شيعة، مرشدية...). وعلى النيّات الطيبة التي أنتجت هذا الشعار التصقت نيات خبيثة تهدف إلى طمس التنوّع الاجتماعي والتأسيس لشكل آخر من الديكتاتورية، أو أقلّه تلكأت المعارضات السورية في ابتكار تعريف جديد لـ"الشعب السوري" ينجح في تحويل التناقضات الاجتماعية إلى طاقة فعالة في محاربة الاستبداد.

R22_Obsolete_Syrian_Slogans_Titles__2_20150317R22_Obsolete_Syrian_Slogans_Titles__2_20150317

ولهذا الشعار نسخات كثيرة، منها "الله سوريا حرية وبس". لم تعمل المعارضات على تجاوز عمومية مفهوم الحرية إلى البحث بشكل جدّي عن تطبيقاته الممكنة على الواقع السوري واجتراح آليات تنفيذية لها، أي إلى المطالبة بنظام سوري بديل له شكل واضح يتأسس على مفهوم الحرية. ومنذ البدايات، عنت الحرية في ذهن بعض مؤيدي النظام حرية شرب الكحول، وعنت في ذهن الإسلاميين تطبيق الشريعة... وحتى الآن لا يمكن الوقوع على تعريف سوري عام للحرية. وإن كان السجال الدائم والأبدي حول مفهوم الحرية جزءاً أساسياً منه فمن الأكيد أنه بعموميته لا يصلح للاستهلاك قبل إلهامه نظاماً عاماً صالحاً للحياة.

R22_Obsolete_Syrian_Slogans_Titles__3_20150317R22_Obsolete_Syrian_Slogans_Titles__3_20150317

ومن الشعارات المشابهة "لا إخوان ولا سلفية، نحن بدنا الحرية"، "لا سلفية ولا إرهاب ثورتنا ثورة شباب". نظرة سريعة على الواقع السوري اليوم تكفي للدلالة على أن مَن أطلقوا الشعارات التأسيسية كانوا يعيشون في عالم موازٍ للعالم الحقيقي. وبعيداً عن ذلك، لا يخفى الميل الإقصائي الذي يعبّر عنه هذا الشعار كونه يلغي وجود شريحتين سوريتين كبيرتين ويستعيض عنهما من جديد بعمومية عدمية تعبّر عنها كلمة "الشجعان". فمن هم هم الشجعان؟ وعادةً كيف تكون أفكار "الشجاع"؟ لا أحد يعلم. في كل الحالات، يُظهر هذا الشعار السعي التأسيسي لاستمالة الدول الغربية بعموميات دون العمل على استمالة شرائح المجتمع السوري، وهذا المأزق لا يزال قائماً.

R22_Obsolete_Syrian_Slogans_Titles__4_20150317R22_Obsolete_Syrian_Slogans_Titles__4_20150317

كثيرة هي الشعارات التأسيسية التي ناجى الثوار بها الله. ولعلّ قرار النظام التعامل بعنف مع أبناء المناطق المعارضة وقصفها بالبراميل وبغير البراميل أعطى هذا الشعار نوعاً من الشرعية كوننا صرنا أمام آلة قتل تفتك بمدنيين لا يتدخّل أحد لنصرتهم. ومن هذا الشعار خرجت أوصاف سياسية تبسيطية للثورة السورية كالقول إنها ثورة يتيمة، على سبيل المثال. ولكن واقع الحال هو غير ذلك. فالعالم وقف منذ البداية إلى جانب الثورة السورية ومدّ المعارضين بالمال وبالسلاح. كما فتح أمامهم أبواب عالم الديبلوماسية بشكل يكاد يكون غير مسبوق. ولكن ممثلي السوريين المعارضين لم يكونوا مقنعين وهجسوا منذ البداية باحتمال سقوط النظام بعد بضعة أشهر وتسليم مقاليد الحكم إليهم، وأجلوا البحث في شكل سوريا المستقبلي إلى ما بعد سقوط النظام. وهذا تصرّف بعيد عن السياسة خاصة في مجتمع متنوّع تُطرح فيه قضايا معقّدة لها علاقة بشكل الديمقراطية وباحترام الاختلاف. من هنا فإن الحديث عن الثورة اليتيمة يكاد ينطلق من السيناريو التالي: قرّر السوريون تغيير النظام وكان على العالم أن يأتي ويغيّر النظام من أجلهم. منذ بداية الثورة، ظهر ميل لا يزال مستمراً إلى الآن: ممثلو المعارضة السورية لم يعملوا مع الشعب بشكل مباشر وألغوا الشعب من المعادلة وتوجهوا إلى العالم مع أن حجتهم هي هذا الشعب.

R22_Obsolete_Syrian_Slogans_Titles__5_20150317R22_Obsolete_Syrian_Slogans_Titles__5_20150317

لم تستمر الثورة سلمية لوقت طويل وسرعان ما تعسكرت لأسباب كثيرة، على رأسها قمع النظام الدموي للمتظاهرين. وبعسكرتها يمكن القول إنها فقدت جدواها وتحوّلت إلى نزاع مسلّح سرعان ما تحوّل هو الآخر إلى حرب أهلية بسبب طبيعة المجتمع السوري المتنوّع. برغم ذلك، برز نموذج كفرنبل، تلك المدينة التي أنتجت أجمل شعارات الثورة السورية. كشفت شهرتيْ كفرنبل وإنتاجها عن الصورة التي يتمنّى كثير من السوريين لو أن ثورتهم تشبهها، وأظهرت توقاً مخفياً إلى زمن السلمية. ولكن سياسياً لم يُبن َ لا على السلمية ولا على واقع تشظي كتائب المعارضة المسلّحة واختلافاتها الفكرية ومرجعياتها الإقليمية المختلفة (ولاءاتها غير السورية). بل بقيت الثنائية التبسيطية التي تتحدث عن معارضة ونظام حاضرة في ذهن الناطقين باسم الثورة السورية، وبسببها برروا الهجوم على معلولا وعلى كسب وعلى أماكن أخرى مفقدين الثورة الكثير من رونقها. كان يمكن للبناء على حب السلمية أن ينعكس بأقل تقدير نقداً لانحرافات كتائب المعارضة المسلّحة وعدم تبريرها. ولكن هذا لم يُلحظ قبل فوات الأوان، وذلك بحجة أن كل قتال للنظام سيكون مفيداً بالضرورة.

أربع سنوات مرّت على ثورة مهّدت لحرب أهلية شرسة حوّلت معظم السوريين إلى نازحين أو لاجئين يعانون من أجل البقاء. مع مرور السنوات، لم تعد الخيارات بين الموت والمذلة كما كان يقول شعور "الموت ولا المذلة". صارت الأولوية هي للبقاء والانتظار. وكان الرحيل خياراً اتخذه معظم من هتفوا في الماضي القريب "والما بيشارك ما فيه ناموس". هؤلاء رحلوا ورحلت معهم الشعارات السياسية التأسيسية. فهل تنطلق ثورة جديدة من رحم الحرب؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image