أتذكر عندما كان الصيف يعني أن تسمر بشرتي لأبدو مثل واحدة من نجمات مسلسل جيرسي شور، وأياماً لا نهاية لها نقضيها على الشاطئ، وألعاب مع أقاربي تنتهي عادة بشجار، وليالي صيفية طويلة دافئة.
لم نكن نكترث لشيء حينها، لم يكن لدينا امتحانات نهائية، ولا تدريب صيفي، ولا ميزانية للمصروفات، ولا وظائف يحب أن نتقدم للحصول عليها. كنا نستمتع بوقتنا، ومتعتنا كانت حقيقية وبريئة، تلك التي لم يكن لها تداعيات على مستقبلنا.
لا أعتقد أنني سوف أجد أي أنشطة كهذه مرة أخرى، أستمتع بها دون أن تدمرني.
أتذكر مرة أننا استأجرنا منزل على الشاطئ مع العديد من الأعمام والعمات وأبناء العمومة. كنا نقضي أيامنا في السباحة، العراك في الرمال، العراك بين الأمواج، العراك الحقيقي... عندما أفكر في الأمر الآن، أظن أننا كنا نتعارك في معظم ألعابنا.
عندما كنا نعود من الشاطئ، كنا جميعاً نصتف عراه جنبا إلى جنب في الفناء الخلفي وأحد الكبار يرشنا بالمياه بخرطوم حديقة لنستحم. كنا نمرر الشامبو والصابون بيننا، وأتذكر عدة مرات عندما كنت أغلق عيني لفترة طويلة ويفوتني دوري في الشامبو. أعتقد أنني أصبت بالقمل في رأسي بعد ذلك.
بعدها كنا نأكل، وكأي عائلة عربية، نتسم بعقلية السجين عندما يتعلق الأمر بالطعام: دائماً نقلق أن الطعام لن يكفي.
رأيت بعيني جدتي الطيبة وهي تضرب الأطفال على رأسهم إذا اقتربوا من خبزها، ورأيت أيضاً العديد من المشاجرات تفرق بين أعمامي بسبب البطيخ.
لم أكن آكل كثيراً عندما كنت طفلة، كنت أرمي حصتي من الطعام من النافذة في الحمام. عندما كان يأتي الليل، كان الكبار يخرجون معاً ونبقى نحن تحت إشراف مراهقي العائلة، وكنا نمرح كثيراً. أتذكر أنني كسرت مرة سناً من أسنان ابن عمي الذي يكبرني بسبب الحلوى.
عمري 21، لا ينبغي أن يكون لدي كل هذا الحنين إلى الماضي. ولكن ها أنا أشتاق إلى أيام لا نهاية لها على الشاطئ
لا يزال لدي حفلات المسبح الصاخبة، والليالي الحارة على الشاطئ، أو حتى مجرد التسكع مع أصدقائي، ولكن...أنا لا أريد منكم أن تظنوا أنني فقدت كل الفرح في حياتي بعد أن كبرت، لا يزال لدي حفلات المسبح الصاخبة، والليالي الحارة على الشاطئ، أو حتى مجرد التسكع مع أصدقائي، كلها أوقات جميلة. ولكن في الماضي، عندما كان يرن جرس الحصة الأخيرة بآخر أيام المدرسة، كنا نلقي بجميع مخاوفنا وراء ظهورنا. اليوم، انتهت الحصة. لا يزال علي الذهاب إلى العمل بعد خمس عشرة دقيقة بالضبط، قد أتمكن من شراء بعض الطعام في طريقي لآكله في مكتبي. لدي يوم عطلة بعد أسبوعين، قد أذهب إلى الشاطئ حينها. ولكني على الأرجح لن أذهب، علي أن أتجه إلى قسم الشرطة لتجديد هويتي الشخصية وسيسرق هذا الأمر يومي كله. حتى بعد انتهاء مدة عقد العمل الخاص بي بعد شهر، سوف أضطر لزيادة عملي الحر والبحث عن عمل آخر. يجب أن أحافظ على مصادر دخلي. أنا بسن الـ21، لا ينبغي أن يكون لدي كل هذا الحنين إلى الماضي. هذه الذكريات التي أكتبها والدموع في عيني كما لو كنت جندي عجوز ممن قاتلوا أثناء الحرب العالمية الثانية يتذكر حب حياته التي ماتت، لم يقض عليها عشر سنوات من عمري. ماذا حدث ومتى؟ متى قررنا أننا سنهتم بأمورنا؟ متى وضعت هذه الأهداف الحمقاء لنفسي وبدأت في تحقيقها؟ متى بدأت التركيز على أيام صرف الرواتب أكثر من أيام الشاطئ؟ لماذا تبدوا ذكريات أيام لم يقض عليها عشر سنوات كذكريات الخمسينات؟ ماذا يحدث؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...