شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
قد تذهب في رحلة جبلية فتعود مبتور اليد… حياة فلسطينيي الضفة بين تدريبات الجيش الإسرائيلي

قد تذهب في رحلة جبلية فتعود مبتور اليد… حياة فلسطينيي الضفة بين تدريبات الجيش الإسرائيلي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"لم أكن قد تجاوزت التاسعة عشرة من عمري، حين كنت أرعى الأغنام قرب البيت. تعثرت قدمي وأنا ألحق الماشية، وسقطت أرضاً. فإذ بيدي تلامس لغماً. انفجر بي اللغم وشعرت بأنني أطير في الجو. فقدت الوعي على الفور".

كانت تلك اللحظات الأخيرة التي يذكرها محمد مخامرة (21 عاماً) قبل أن يستفيق بعد تسعة أيام ليجد نفسه في العناية المكثّفة مبتور اليد.

وخلال إغماءته الطويلة، استخرج الأطباء الشظايا التي أصابت قدمه وصدره نتيجة انفجار اللغم الذي تركه الجيش الإسرائيلي بعد أن انتهى من تدريباته قرب منزل محمد في خربة المركز في مسافر يطّا جنوب الخليل في الضفة الغربية.

علم محمد لاحقاً بأن أحد رعاة الأغنام أنقذه بعد أن سمع صوت الانفجار من مكان بعيد واتصل بالإسعاف.

ربما نجا محمد من انفجار مخلفات الاحتلال التي تعثر بها وهو يمارس عادته اليومية، إلا أن فلسطينيين كُثراً قد يفقدون حياتهم في الطبيعة الممتدة حول قراهم ومدنهم في الضفة الغربية. وإن لم يفقدوها، فقد يتعرضون إلى تشوهات دائمة وحروق في الجسد. "لا يزال أثر الحادث كبيراً في حياتي. ما هو نفعي في هذه الحياة إن لم تكن عافيتي كاملة؟"، يقول محمد لرصيف22.

يحرق الجيش المزروعات، يتدرب، ثم يترك ذخائره عقب انتهاء التدريبات بين التجمعات السكنية وأمكنة الرعي. "وقد تنفجر المخلفات في أي لحظة في أجساد الناس، سيما رعاة الأغنام الذين تزيد نسبة الإصابة بينهم عن 90٪"، يؤكد المركز الفلسطيني لمكافحة الألغام لرصيف22.

محمد مخامرة فور انفجار لغم أصابه بيده

تدريبات حريبة قرب التجمعات الفلسطينية

"معظم المناطق الشرقية للضفة، أي مناطق الغور، حتى حدود الأردن، تحتوي على العديد من المعسكرات الإسرائيلية وقواعد التدريب"، يؤكد محمد عامر (52 عاماً) لرصيف22، وهو مدير إحدى مدارس قرية تياسير في محافظة طوباس والأغوار الشمالية.

ويشير إلى أن هذه المناطق تُعد مناطق مفتوحة للرماية والتدريب لقوات الاحتلال إذ تُستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة تقريباً. ويشارك في هذه التدريبات سلاح الجو والمدرعات وجنود المشاة وحتى المروحيات القتالية، وفق مشاهداته.

أما هارون أبو وهدان، رئيس مجلس قروي تياسير في محافظة طوباس والأغوارالشمالية، فيؤكد أن أحدث التدريبات في منطقته كانت قبل قرابة الشهر. حين استخدم فيها الجيش الإسرائيلي الأسلحة والذخائر والقذائف، بما فيها الثقيلة، وقد سُمعت الأصوات في الليل.

ربما نجا محمد من انفجار مخلفات الاحتلال التي تعثر بها وهو يمارس عادته اليومية، إلا أن فلسطينيين كُثراً قد يفقدون حياتهم في الطبيعة الممتدة حول قراهم ومدنهم في الضفة الغربية.

"تعاني قرية تياسير من استخدام محيطها ساحةً للتدريبات. فعادةً تترك التدريبات مخلفات حربية غير مرئية للناظر، ما يؤدي إلى إصابة العديد من المواطنين جراء انفجارها، سيما بين فئة الأطفال"، يقول أبو وهدان لرصيف22.

تعتمد قرية المالح والمضارب البدوية في محافظة طوباس على الزراعة وتربية المواشي. إلا أن أهلها، حسبما يؤكد رئيس المجلس مهدي دراغمة لرصيف22، يعانون من مضايقة الاحتلال للمزارعين ومربي الثروة الحيوانية، بتدريباتهم المتكررة.

"إن ترك تلك المخلفات ذات الأشكال والأحجام المتعددة في المناطق الزراعية وبين المساكن، هي إحدى الوسائل المستخدمة والهادفة إلى تهجير المواطنين"، يقول دراغمة.

ويردف: "يعتبر الاحتلال هذه المناطق مناطق عسكرية مغلقة، ومناطق تدريبات وإطلاق نار تمتد لمساحة تقدّر بنحو 200 كم مربع من أراضي المحافظة".

ويؤكد أسامة أبو حنانة، رئيس المركز الفلسطيني لمكافحة الألغام، في حديثه لرصيف22 أن الجيش الإسرائيلي يخصص لتدريباته مناطق عسكرية مغلقة كمنطقة مسافر يطا جنوب محافظة الخليل، وقرى العقبة وتياسير في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، وقرية عرب الرشايدة في محافظة بيت لحم، وغيرها.

ولعل السلطات الإسرائيلية، تستغل هذه المناطق كأداة لتهجير المواطنين الفلسطينيين. فقد أخلى في سنوات سابقة تجمعات وقرى تقع ضمن ما عرفها بالمناطق العسكرية المغلقة. وفي أحيان كثيرة، يتم إخلاء هذه التجمعات خلال 24 ساعة فقط.

مخلفات تدريبات الجيش الإسرائيلي في منطقة الرشايدة، محافظة بيت لحم

قد يفقد الفلسطينيون أرواحهم

"قد يظن الأطفال أنهن يلهون بمجرد قطعة حديدية، فتنفجر في وجوههم وأطرافهم. وربما تنفجر في المزارع الذي يزرع أو يحرث أرضه مع أولاده، أو في أشخاص يبحثون عن رزقهم من خلال جمع الخردة"، يقول محمد عامر.

ويضيف: "لا يتعرض المواطنون وحدهم لهذه الخطورة، فحتى الماشية لا تسلم منها. إذ سقطت قبل 3 أشهر قذيفة، خلال تدريب الجيش، بين أغنام أحد الرعاة، فقتلت عدداً منها".

وبلغ عدد ضحايا مخلفات التدريبات العسكرية في الأعوام الخمسة الماضية، 19 فلسطينياً فقد 4 منهم أرواحهم، بحسب المركز الفلسطيني لمكافحة الألغام.

وفي العام 2019، أصيب 5 أطفال من طلبة المدارس الذين لا تزيد أعمارهم عن 10 سنوات في منطقة عرب الرشايدة في محافظة بيت لحم. ذلك بعد أن عبثوا بكرة حديدية.

وتُعتبر محافظة بأن محافظة طوباس والأغوار الشمالية، تليها محافظة الخليل، فمحافظة بيت لحم، من أكثر المحافظات التي شهدت إصابات ووفيات جراء مخلفات الجيش.

قد يظن الأطفال أنهن يلهون بمجرد قطعة حديدية، فتنفجر في وجوههم وأطرافهم. وربما تنفجر في المزارع الذي يزرع أو يحرث أرضه مع أولاده

"ومنذ احتلال الضفة الغربية وإعلان مناطق محافظة طوباس والأغوار الشمالية مناطق عسكرية تخدم تدريبات الاحتلال، سقط 18 شهيداً وأصيب 128 من سكان المنطقة ورعاة الأغنام، 85٪ منهم من الأطفال الذين أصيبوا بإعاقات دائمة"، يؤكد معتز بشارات، مسؤول ملف الأغوار في المحافظة، لرصيف22.

ومن المخلفات التي يرميها الجيش بين التجمعات، الفسفور الأبيض، الذي يمتد تأثيره على الأرض والبشر، يقول أبو وهدان.

ويشير إلى أن الخطر المحدق بالمواطنين ليس في المخلفات غير المتفجرة فحسب، إنما في القذائف التي لا تسقط في المناطق المخصصة لسقوطها.

"كل من يخرج في رحلة إلى الجبال أو لرعي أغنامه قد يصادف الخطر في وجهه، من طلقة بندقية حتى صواريخ الطائرات"، يضيف مؤكداً.

ماذا تفعل الجهات الرسمية؟

توجه محمد مخامرة بعد بتر يده إلى الكثير من المؤسسات والجمعيات من أجل مساعدته في تركيب طرف صناعي، "لكن دون فائدة ترجى"، بحسب قوله.

وربما يُختزل عمل الجهات الرسمية في الوقاية والتوعية بمخاطر المخلفات. "نعمل في مسارين، في المسار التوعوي، وفي علميات ميدانية لتطهير حقول الألغام وتفكيك الأجسام المشبوهة"، يؤكد أبو حنانة.

ويشير إلى أن المركز اتبع طرقاً حديثة للتوعية، كان من أهمها إنشاء تطبيق مخصص للتوعية يتبع منهجية مركز الألغام التابع للأمم المتحدة في جنيف، بالإضافة إلى مجلة منشورة وتدريب معلمين ومعلمات في المدارس، بالإضافة إلى متطوعين استفاد من إرشادهم نحو 10 آلاف شخص.

محمد مخامرة بيده المبتورة بعد الإصابة

وليس ثمة غنى عن تفجير الألغام وتطهير مناطق التدريب من المخلفات. فبحسب مهدي صالح الذي عمل لصالح مؤسسة "هالو تراست" الدولية لمكافحة الألغام، فقد أحصي قرابة 2000 جسم من المخلفات العسكرية في الأراضي الزراعية والرعوية وبين التجمعات السكنية.

"منحت قوات الاحتلال الصلاحية للمؤسسة من أجل أن تقوم بالتعامل مع هذه الألغام وتفجيرها، واتُفق على أن يقوم الجيش بتفجيرها بالتنسيق مع المؤسسة. لكن ذلك لم يحدث سوى مرة أو مرتين كل ثلاثة أشهر. يُتلف في كل مرة 20 لغماً فقط"، يقول صالح لرصيف22.

ويتابع: "وعقب فوز الحكومة اليمنية الإسرائيلية، رفضت سلطات الاحتلال متابعة إزالة تلك الألغام والمخلفات بذريعة شح ونقص المتفجرات التي تستخدم لإتلافها. ما يعني بأن منطقتنا تحتوي على أكثر من 1700 من تلك المخلفات، ناهيك بتلك التي لم يتم تحديدها أو التعرف على مكانها أصلا".

ويؤكد أبو حنانة أن إسرائيل تمنع السلطة الفلسطينية من العمل في مواقع التدريب لإزالة المخلفات الحربية، بذريعة أن تلك المناطقة مصنفة "ج"، أي المناطق التي يسيطر عليها الجيش أمنياً.

"اجتمعت قبل أسابيع مع مديرة الأمم المتحدة في جينيف وأطلعتها على الواقع، وجددنا الاقتراح بأن تتم إزالة تلك المخلفات عبر طرف ثالث من خلال مؤسسة "هالو تراست" المتخصصة في إزالة الألغام"، يقول أبو حنانة.

رفضت سلطات الاحتلال متابعة إزالة تلك الألغام والمخلفات بذريعة شح ونقص المتفجرات التي تستخدم لإتلافها

ويردف: "وقد نزود الطرف الإسرائيلي، عن طريق المنظمات الدولية، بإحداثيات عن أماكن ساحات التدريب الإسرائيلية التي تنتشر فيها المخلفات الحربية، من أجل أن يعمل على إزالتها. فوعدت المديرة بالتدخل لدى الإسرائيليين".

ويؤكد أبو حنانة أن الاقتحامات اليومية التي تتعرض لها محافظات الضفة الغربية منذ الحرب المستمرة على قطاع غزة تزيد من خطورة الأمر، فالجيش يستخدم الذخائر وصواريخ الطائرات في الأراضي الفلسطينية.

وبحسب بيان للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، الصادر عام 2022 بمناسبة يوم البيئة العالمي، فإن المساحات المصادرة لأغراض القواعد العسكرية ومواقع التدريب تقدر بنحو 18% من مساحة الضفة الغربية.

فالفلسطيني، إن لم تُصادر الدولة أرضه، أو يستوطن الإسرائيلي فيها، قد يجدها محمّلة بالألغام التي تنفجر في جسده وروحه، حتى في رحلة جبلية مسالمة. 

مخلفات تدريبات الجيش الإسرائيلي في منطقة الرشايدة، محافظة بيت لحم

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard