في أواخر عام 2023 وبعد الحرب على غزة انتشرت صور على مواقع التواصل لخضروات أُردنيّة المنشأ في الأسواق الإسرائيليّة، وسط موجة مقاطعة واسعة للمنتجات الإسرائيليّة ومنتجات الشركات الداعمة لإسرائيل وارتفاع أسعار بعض الخضروات في السوق الأردنية وانتشار المجاعة في شمال قطاع غزة نتيجة عدم وصول المساعدات.
صور الخضروات المنتشرة أثارت غضب الكثير من الأردنيين، إذ نُظّمت العديد من الوقفات والاحتجاجات الداعية إلى وقف تصدير الخضار إلى إسرائيل ودعم قطاع غزة بالمساعدات لوقف المجاعة الحاصلة فيه.
فهل توقف التصدير تحت الضغط؟
لماذا يصدّر الأردن الخضروات لإسرائيل؟
في تصريحات لرئيس اتحاد المزارعين الإسرائيليين، عميت يفراح، يوضح أنَّ ما يقارب 75% من الخضروات و20% من الفاكهة المستهلكة كانت تأتي من غلاف غزة من أجل تلبية احتياجات السوق الإسرائيليّة. إلا أنَّ عدم تمكن المزارع الإسرائيلي من جني محاصيل الغلاف، ونقص العمالة، بسبب الحرب على غزة، دفعا التجَّار للتوجه إلى الأردن بحثاً عن بدائل.
يقول المدير العام لاتحاد المزارعين الأردنيين محمود العوران لـرصيف22: "هناكَ اتفاق بين أربعة من التجار الأردنيين واثنين من تجار الضفة الغربيّة من أجل شراء الخضار من المزارعين الأردنيين وبيعها لتجار فلسطينيين لإرسالها إلى السوق الإسرائيليّة".
مدير اتحاد المزارعين الأردنيين: "هناكَ اتفاق بين أربعة من التجار الأردنيين واثنين من تجار الضفة الغربيّة لشراء الخضار من المزارعين الأردنيين وبيعها لتجار فلسطينيين لإرسالها للسوق الإسرائيليّة".
ويبيّن أنَّ هؤلاء التجار الأردنيين على معرفة تامة بأن الخضروات التي ستُباع في إسرائيل، غير أنه لا يوجد تطبيعٌ مباشر بين المزارع الأردنيّ والتجّار الإسرائيلين، خاصةً أنَّ معظم المزارعين يُرسلون منتجاتهم إلى ساحة التصديرات في الأسواق المركزيّة كسوق عمّان المركزي، وسوق العارضة، وهنا محلّ الخلاف في ما يتعلّق بالتصدير للسوق الإسرائيلية.
التصدير لإسرائيل يرفع أسعار الخضار في السوق الأردني
يفضّل الإسرائيليون منتج الخيار غير الشوكي المشابه لذوق الأردنيين بعكس ما يطلبه سكّان الدول الأُخرى التي يقوم الأردن بالتصدير لها؛ -بحسب اتحاد المزارعين الأردنيين-، وهذا السبب يزيد من الطلب عليه ويرفع سعره حين نقصه في السوق الأردني.
وبحسب أرقام اطلع عليها رصيف22 فقد تمَّ تزويد السوق الأردنيّ يوم السبت 17 شباط/ فبراير 2024، بـ280 طن من الخيار، و453 طن من البندورة، و203 طن من الكوسا.
وانخفضت الكميات يوم الأحد الذي يليه إلى 225 طن من الخيار، و476 طن من البندورة، و97 طن من الكوسا.
وتابعت انخفاضها يوم الإثنين إلى 140 طناً من الخيار، و415 من البندورة، و94 طناً من الكوسا. وهو اليوم الذي يصادف بدء الأسبوع في إسرائيل وحركة التصدير.
لكن لمن يصدر الأردن اليوم؟ يقول العوران إن الأردن يصدر عادةً لدول أوروبا عبر سوريا، لكن حدودها مُغلقة الآن، ومن الصعب التصدير عبر الطيران لارتفاع تكلفة الشحن، كما أن هناك اختلافاً في ذائقة الأنواع المفضلة بين الأردني والأوروبي، ويصدر للخليج، لكن في الفترة الحالية يساعدهم المناخ هناك على إنتاج محاصيلهم لذا يقل الاستيراد.
من جانبها طالبت الجمعية الوطنية لحماية المستهلك، بتخفيض الكميات التي تُصدَّر لبعض أنواع الخضروات، لحاجة السوق المحلي لها، خصوصاً وأن أسعارها بدأت بالارتفاع، وهي سلع أساسية لا يمكن الاستغناء عنها.
ولفت رئيس الجمعية محمد عبيدات، في بيان إلى تلقي الجمعية شكاوى عديدة من المواطنين تتعلق بارتفاع أسعار بعض أنواع الخضروات، مثل الطماطم والخيار والبصل الأحمر والفلفل الأخضر بجميع أنواعه بعد "عمليات التصدير" الحاصلة على الرغم من حاجة السوق المحليّة لهذه المنتجات.
منرجهته، يؤكد المحلل الاقتصاديّ حسام عايش لرصيف22 أنَّ ارتفاع سعر سلعةٍ معينة يوجِب وقف تصديرها لأن ذَلك يؤثر بالضرورة على المستهلكين، كأسعار الخيار التي ارتفعت أخيراً.
وفي تصريحاتٍ لوزير الزراعة الأردنيّ خالد الحنيفات لفت إلى أنَّ الوزارة لا تمنح أذونات تصدير للخضروات والفواكه، ودورها في عملية التصدير ينحصر في حماية المنتج المحلي وفتح الأسواق.
ارتفاع الاستيراد والتصدير لإسرائيل
وكان الحنيفات قد رفض أن يقدم إجابة عن سؤال النائب في البرلمان الأردني صالح العرموطي بتزويد البرلمان بأسماء الشركات التي تقوم بتصدير الخضروات والفواكه لإسرائيل، وبخصوص الاستيراد صرّح بأنَّ أي فاكهة واردة إلى الأردن هي ذات منشأ أوروبي، ومرورها عبر ميناء حيفا إلى الأردن هو ترانزيت.
ومن قبل هذا الاستجواب النيابي، قال الحنيفات بعدم وجود آلية قانونية تمنع تجار الخضار من التصدير إلى إسرائيل، وأن هذا القرار عائد للقطاع الخاص وليس مرتبطاً بالقطاع العام.
هذه التصريحات لوزير الزراعة استفزت الرأي العام الرافض لأي حركة تجارية مع إسرائيل، وقد عقّب عليها الناشط السياسي ميسرة ملص على صفحته في فيسبوك بقوله: "هذا تصريح أقبله من وزير في سويسرا وليس في الأردن، نحن نعرف الأدوات التي يملكها النظام ليُخضع الكل، وإذا أردتم أن نقتنع أنكم لا تملكون الأدوات لمنع التصدير أعطونا الحرية التي يملكها المواطن السويسري، واتركوا للجان مقاومة التطبيع حرية الحركة والاعتصام أمام الشركات المصدرة للخضار، ولا تقمعونا واتركونا (نشمس) أصحابها ونزور عائلاتهم وعشائرهم ونبين خطورة ما يفعله أبناؤهم، وبعد ذلك أقبل تصريحاتكم هذه".
رفض وزير الزراعة الأردني في استجواب نيابي التصريح بأسماء الشركات التي تقوم بتصدير الخضروات والفواكه لإسرائيل، وبخصوص الاستيراد صرّح بأنَّ أي فاكهة واردة إلى الأردن هي ذات منشأ أوروبي، ومرورها عبر ميناء حيفا إلى الأردن هو ترانزيت فقط
وكان وزير الزراعة قد أوضح أنَّ بعض الشركات الأردنية لديها اتفاقيات مستمرة مع إسرائيل، وهناك شروط جزائية ترتبط بعقود منذ عدة أعوام، وهي ليست مرتبطة بوزارة أو رخصة، قائلًا "لا نشجع على التصدير إلى إسرائيل ولكن هذا يعود للقطاع الخاص".
وزير الزراعة كان قد صرّح أيضاً خلال نفس الاستجواب بأن التصدير لإسرائيل انخفض بشكل كبير. إلا أنَّ الأرقام المنشورة على موقع الوزارة تشير إلى ارتفاعها منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بشكل واضح.
وهو ما يؤكده لرصيف22 نقيب أصحاب شركات التخليص ونقل البضائع ضيف الله أبو عاقولة، بقوله إنَّ هناكَ حركة نشطةً على تصدير الخضار والفواكه إلى إسرائيل، مؤكداً على أنهم تجار أُردنيون من القطاع الخاص يعملونَ مع تجار فلسطينيين.
الاستيراد والتصدير إلى إسرائيل بالأرقام
ارتفعت الصادرات الإسرائيلية إلى الأردن في العام 2023 بنسبة 13% إلى الأردن، وبنسبة 73% إلى مصر، و54% إلى البحرين، و128% إلى المغرب، و5% إلى الإمارات، وهذه الأرقام مقارنة بعام 2022 وفقاً لبيانات وزارة الاقتصاد الإسرائيلية التي نشرها موقع كالكاليست العبريّ.
في الوقت الذي صرح وزير الزراعة الأردني بانخفاض حركة تصدير الخضار لإسرائيل صرح نقيب أصحاب شركات التلخيص ونقل البضائع في الأردن لرصيف22 بوجود حركة نشطة على تصدير الخضار والفواكه إلى إسرائيل.
وعلى الرغم من أنَّ الصادرات الإسرائيليّة إلى الأردن تُعدُ الأقل ضمن البلدان المذكورة، إلا أن صادرات الأردن إلى إسرائيل بلغت 1300 طن من الخضروات شهرياً قبل الحرب على غزة، بحسب وزارة الزراعة الأردنيّة، وارتفعت لتغدو الأعلى ضمن 24 دولة صدّرت لإسرائيل خلال الحرب بحسب تحقيق نشره موقع ساسة بوست، بيَّن أن الكمية تزايدت أضعاف ما كانت عليه، خلال الفترة الممتدة من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى فبراير/شباط 2024.
وبيّن التحقيق أنَّ المَصدر الوحيد لصادرات الخيار هي شركات تركية وأردنية، فيما صدّرت الشركات الأردنية وحدها 10 آلاف طن من الخيار، أي ما يزيد عن 80% من المجموع الكلي لمستوردات إسرائيل منه، وقرابة 26 ألف طن من أنواع مختلفة من الخضراوات، إذ إنَّها -الشركات التركية والأردنية- هي المصدر الوحيد لأنواع محددة مثل الكوسا، والفلفل.
ويصدّر الأردن الخضروات والفواكة لإسرائيل منذ توقيع معاهدة السّلام الأردنيّة الإسرائيليّة "وادي عربة"، وكانت البلاد وقّعت اتفاقاً سابقاً لمنح المنتجات الزراعية الأردنية أفضلية في الأسواق الإسرائيلية خلال سنة الراحة اليهودية "السبتية"، وذلك اعتباراً من أيلول/ سبتمبر2021 إلى أيلول/ سبتمبر 2022.
وأعلنت وزارة الزراعة آنذاك أنَّ "هذا الاتفاق سيرفع الصادرات الأردنية للجانب الإسرائيلي إلى ما يزيد عن 50 ألف طن من الخضروات والفواكه خلال الفترة المذكورة".
الشركات الأردنية والتركية هي المصدر الوحيد لأنواع محددة من الخضار لإسرائيل، مثل الفلفل والكوسا والخيار، وبحسب أرقام رسمية ازدادات صادرات الأردن من الخيار إلى ما يزيد عن 80% من مستوردات إسرائيل منه
فيما كانت هناك مطالبات برلمانية وشعبية باتخاذ إجراءات لوقف التصدير ومحاسبة المتورطين، في الوقت الذي نادى البعض بتفعيل قانون "المقاطعة الاقتصادية وحظر التعامل مع العدو" رقم 11 لسنة 1995، الذي أوقف اعتبار إسرائيل عدواً بعد معاهدة السّلام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.