شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
يجبن شوارع المدن المغربية ليل نهار... سائقات التطبيقات الذكية

يجبن شوارع المدن المغربية ليل نهار... سائقات التطبيقات الذكية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

السبت 16 سبتمبر 202303:22 م

في ساعة متأخرة من الليل صادقت روحاً مرحة محبة للناس ومقبلة على الحياة، لم يكن لقاؤنا صدفة، حذري وحيطتي مما قد يصادفني في الظلام وقلّة سيارات الأجرة بعد الثانية عشر ليلاً حثتني على طلب "توصيلة" من إحدى تطبيقات التوصيل الخاصة.

اسمها نادية عمرها، 32 سنة، بشوشة تستقبل زبائنها بابتسامة وتودعهم بابتسامة، تحاول قدر المستطاع أن تمنحك الراحة وتشبعك بالطاقة الإيجابية طيلة رحلة قصيرة داخل مدينة القنيطرة، إن طلبتها للحديث لبّت وإن كنت صامتاً تحيطك بجو من السكينة.

تجاذبنا أطراف الحديث وفضولاً، اقتحمت حياتها الخاصة وفي جعبتي الكثير من الأسئلة النمطية، أبرزها كيف لفتاة يافعة أن تشتغل في توصيل الزبائن وفي ساعات متأخرة من الليل؟ ففي مدينة صغيرة كالقنيطرة لم أصادف يوماً امرأة تقود سيارة أجرة سوى مرة واحدة وكانت قد تشبهت سلوكاً وصوتاً وهنداماً بالرجال إلى أبعد الحدود.

هي خريجة لإحدى مدارس الفندقة والسياحة، لكن شغفها بعالم السيارات قادها نحو عالم الاستثمار في المركبات القديمة، تغير فيها تحسن من مظهرها وطلائها وتعيد بيعها بثمن مناسب للمهتمين، تقول "كانت لي وساطة جيدة بمطرح خردة السيارات في الرباط وهذا الأمر ساعدني كثيراً في عملي". بعد مدة غيرت عملها لتصبح وسيطة بين بائعي ومشتري السيارات، لم تعمر فيه طويلاً لكنها اكتسبت منه تجربة محترمة تجنبها أن تكون ضحية صفقة بيع سيارة قديمة.

قبل سنة عرض عليها قريبها فكرة توصيل الزبائن فكان التردد سيّد الموقف نظرا للظروف النفسية الصعبة التي كانت تمر بها تحكي" عانيت من مشاكل قاسية أدخلتني في اكتئاب فلم أعد أعرف من أين أبدأ".

قبل سنة عرض عليها قريبها فكرة توصيل الزبائن فكان التردد سيّد الموقف قبل أن تخوض المغامرة

حدث أليم كان محرك نادية نحو القرار السديد حسب تعبيرها، مر شهران على وفاة والدتها وهو نفس التاريخ الذي قررت فيه أن تصبح سائقة خاصة، وبدعم من أسرتها استطاعت بالفعل أن تدخل هذا المجال الذي لم يعد حكراً على الرجال.

تنتهي غالباً من عملها متأخرة، بين الثانية والرابعة صباحاً تدخل البيت منهكة لذلك لا تباشر العمل إلا وقد أخذت من النوم كفايتها، هذا لا يمنع استثناءها لبعض الأيام التي تضطر فيها للاستيقاظ باكرا كي لا تفقد زبائنها الأوفياء.

مدخول إضافي

لم تستطع أن تبوح لوالدتها بعد كون ابنتها أصبحت سائقة، في سن الحادية والثلاثين انطلقت دنيا في عمل جديد بالموازاة مع عملها القار بإحدى الشركات الخاصة، فمادام وقتها يسمح بالعمل بوظيفتين لم لا؟

الحقيقة أن الدافع وراء هذا الاختيار لم يكن الوقت فقط ولكنها الديون التي راكمتها من شرائها بيتا وسيارة، إذ باتت دون مصروف جراء الاقتطاعات الكثيرة فهي المعيلة الوحيدة لأسرة جد صغيرة تتكون من أم وابنة.

لم تستطع أن تبوح لوالدتها بعد كون ابنتها أصبحت سائقة، في سن الحادية والثلاثين انطلقت دنيا في عمل جديد بالموازاة مع عملها القار

يعمل صديقها كسائق خاص، ومن عمله هذا استطاع أن يجني دخلا وفيرا، حفزها على أن تفتح أبواب سيارتها في وجه العموم من طالبي خدمة التنقل بأجر أعلى من أجر سيارات التاكسي وأريح نوعا ما.

لم تكن قد اشترت سيارتها بعد عندما فكرت في دخول هذا العالم المخيف للإناث، حسب تعبيرها، وقبل أن تبدأ استقت القدر الذي يلزمها من المعلومات والحيل من صديقها، تقول "منحني صديقي الطرق التي تجنبني الوقوع في المشاكل مع الشرطة ومع سائقي سيارات الأجرة"

تعيش دنيا في العاصمة الرباط العاصمة، وهي مدينة كبيرة تخول لها القيادة لمسافات أطول والربح أكثر من السائقين الخواص الذين يتواجدون في مدن صغيرة، تستمر قائلة "أذكر أنني جنيت ما يعادل 60 دولارا في ليلة واحدة. كان الوضع محفزاً جداً".

تتنقل الشابة الثلاثينية بين حي الرياض وأكدال والسويسي وهي أحياء راقية تجد فيها زبائن، حسب تعبيرها، محترمين وقادرين على الدفع ويتركون بقشيشاً وعلى نفس المنوال تختار منطقة سلا الجديدة و"تكنوبوليس" مركز الشركات الكبرى في مدينة سلا لترافق زبائنها من الموظفين والطلبة.

أمران يؤرقان دنيا اليوم في مجال التوصيل الخاص، أن تعلم والدتها وهو ما يعني التوقف بالنسبة لها أو أن تقع في شباك سائق سيارة أجرة متخف في شاكلة زبون يختار لها طريقا مؤدية إلى حاجز شرطة، بحكم أن التطبيقات ليست مؤطرة قانونيا إلى حد اليوم.

لا يقبل القسمة

الشغف بالمهنة قد ينتهي بالسائقات الخاصات أحياناً إلى مشاكل قد لا تحمد عقباها، فلا قانون يحميهن ولا نقابة معترف بها قد تدافع عنهن في حال تعرضن لاعتداء معين. ومنذ فترة احتدم الجدال بين مهني سيارات الأجرة وسائقي التطبيقات الذكية خاصة على صعيد مدينتي الرباط والدار البيضاء حيث تنشط التطبيقات بكثرة.

يعتبر سائقو سيارات الأجرة هذا النوع من الخدمات حجر عثرة أمام قوتهم اليومي، بينما يحمل سائقو التطبيقات الذكية شعار التعايش طالما هناك طلب وفير يمكن تقاسمه بين الطرفين.

أمران يؤرقان دنيا اليوم في مجال التوصيل الخاص، أن تعلم والدتها وهو ما يعني التوقف بالنسبة لها ومؤامرات سائقي التاكسي

أوضاع دفعت الكثير من ممتهنات تطبيقات التوصيل إلى العزوف عن هذه المهنة، سلمى أم لطفلين تخلت عن هذا المجال خوفا من نتائج قد تحرمها من رؤية أطفالها أو تفكك أسرتها تقول "لست ملكا لنفسي، أنا أم قبل كل شيء وهذا يسلبني إمكانية الوقوع في المشاكل ويحتم علي تفاديها وإن كان الثمن هو التخلي عن عملي"

بينما انسحبت سائقات بعد تجربة لم تكن مرضية لظروفهن، قررت أخريات المكافحة والاستمرار لتغيير نمط استحوذ على ذهنية المجتمع المغربي إلى وقت قريب، وتأكيد وجودهن رغما عن الحواجز وعن واضعيها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image