شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أنغام وعمرو دياب.. أن تُخلّد نفسك وأنت على قيد الحياة

أنغام وعمرو دياب.. أن تُخلّد نفسك وأنت على قيد الحياة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحريات الشخصية

الأربعاء 2 أغسطس 202311:13 ص

"(البريء) هو اللي هيعيش، (الهروب) هو اللي هيعيش، (أحمد سبع الليل) مش هيموت"، جمل ردّدها الفنان أحمد زكي في إحدى نوبات غضبه أمام الكاتب والسيناريست بلال فضل، بحسب ما روى الأخير، ورغم أن الموقف دالّ على هاجس الموت الذي عاش فيه الفنان الراحل، لكنه أيضاً إدراك منه أن أعماله الفنية الجيدة هي فقط من تضمن بقاء اسم أي فنان أو مبدع، أو تقضي عليه بالنسيان بمجرّد رحيله.

نظرة أحمد زكي لم تكن سوى تعبيراً عن "الكتالوج" الذي عاش به الفنانون والمبدعون، وأقصد أن هاجسهم الأول كان الأعمال التي يقدّمونها فقط، ومن خلالها فحسب يمكنهم صنع مسيرة تصمد أمام الزمن، وتنال التكريم والتخليد بعد رحيلهم، سواء من قبل أوطانهم أو محبيهم، وهو أمر له أشكال مختلفة، بداية من إطلاق أسمائهم على قاعات ثقافية أو شوارع مشهورة، وصولاً إلى تأسيس متحف لمقتنياتهم، كما حدث مع نجيب محفوظ ومحمد حسنين هيكل بعد وفاتهما.

يقول يوسف السباعي في مقدمة روايته "أرض النفاق": "إني أود أن أكرّم نفسي وهي على قيد الحياة، أبغى المديح الآن وأنا حي، وإذا مت شيّعوني بألف لعنة"، تلك النظرة السباعية هي ما تبنّتها أنغام التي احتفلت منذ أيام بعرض مقتنياتها في متحف خاص بها، في المملكة العربية السعودية، عرضت فيه أبرز فساتينها ومجموعة من الإكسسوارات الخاصّة بها.

في أمر لم يسبقها إليه أحد، المطربة أنغام تفتتح متحفاً خاصاً بها يحوي مقتنياتها، وتتفق على إحياء حفلة كل أول خميس من كل شهر، على خطى "خالدة الذكر" أم كلثوم

وقبل متحف المقتنيات الخاصة الذي يُقام عادة للفنانين والمبدعين الاستثنائيين، وبالتأكيد بعد رحيلهم، أعلنت أنغام منذ أشهر تعاونها مع شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، الذراع الفني والإعلامي للدولة، لتنظيم حفلة في الخميس الأول من كلّ شهر، لتستدعي لدى المصريين صورة أم كلثوم في أشهر طقوسها، وهي الحفلة الشهرية التي كانت تقيمها في الخميس الأخير من كل شهر، وكانت تتم أيضاً بواسطة مؤسسات الدولة، ومنذ رحيلها لم تُقدم فنانة على إحياء الحفلة الشهرية سوى أنغام، التي بهكذا تصرف وضعت نفسها جنباً إلى جنب بجوار "خالدة الذكر".

تلك الخطوات ليست من قبيل الصدفة، رغم أن القائم عليها قد يكون مؤسسات وهيئات رأت في أنغام فنانة تستحق أن تُخلّد، وفي رأيي هي كذلك، ليس لجودتها الغنائية فقط، ولكن لإخلاصها لمسيرتها الخاصة التي صنعتها بنفسها وإدارتها لموهبتها بشكل صارم، لكن ذلك أيضاً صادف رغبة لدى أنغام في تخليد وتكريم نفسها وهي على قيد الحياة، فببساطة، لماذا تنتظر أجيالاً قادمة تحكم عليها، أو تترك مسيرتها بين أيدي هيئات ومؤسسات تقرّر إن كان ما قدمته يستحق متحفاً أم مجرّد قاعة واسم شارع؟ وإذا كان بإمكانها أن تصنع الصورة التي تريدها بنفسها فلتفعل ذلك، ومن هنا استعادت ببراعة طقس الحفلة الشهرية لتلبس ثوب أم كلثوم وتصبح "الست الجديدة".

وحين جاءتها فرصة أو عرض لإقامة متحف خاص بها لم تتردّد، لترسّخ صورتها كفنانة غير قابلة للنسيان، ولتقطع الطريق أمام الأجيال المقبلة في تحديد مكانتها في تاريخ الغناء، ففي النهاية تلك فنانة أقيمت لها المتاحف، وهي الوحيدة التي أقيمت لها حفلة شهرية كـأم كلثوم، بما تمثل الأخير من حالة خلود فريدة.

في عام 2008 قدّم عمرو دياب برنامج "الحلم" ليصبح أول فنان عربي، يصنع فيلماً تلميعياً عن مسيرته الفنية وهو حي، ويكون ضيفاً رئيسياً في الحلقات ليحكي قصة صعوده ونجاحه الكبير

ما فعلته أنغام لم يكن الأول من نوعه، ففي عام 2008 قدّم عمرو دياب برنامج "الحلم" ليصبح أول فنان عربي، على حد متابعتي، يصنع فيلماً تلميعياً عن مسيرته الفنية وهو حي، ويكون ضيفاً رئيسياً في الحلقات ليحكي قصة صعوده ونجاحه الكبير، دون التطرّق إلى أي سلبيات أو نقد أو حتى أخطاء ارتكبها، ولم يكن خافياً على أحد أن "الهضبة" بهذا البرنامج أراد أن يصنع سرديته التي سيتركها للتاريخ، في ظلّ ندرة حواراته التلفزيونية، حتى أصبح هذا البرنامج هو المدخل الوحيد لعالم واحد من أبرز فناني الوطن العربي خلال ثلاثة عقود.

بالتأكيد ما قدّمه عمرو دياب وأنغام من فن خلال مسيرتهما الفنية يستحق التخليد، وصحيح أن الجوائز التي يحصل عليها أي مبدع هو جزء من الخلود، لكن عمرو وأنغام تحديداً لم يكتفيا بذلك، وأرادا فعل كل شيء وهما على قيد الحياة، وعدم ترك مسيرتهما للمجهول (وهذا بالمناسبة حقهم في ظل دولة من داخلها تحتقر الفن أصلاً) لكن السؤال الأهم، إذا ما سار كل فنان على نفس النهج، فأضحى لدينا عشرت المتاحف والأفلام التي يصنعها النجوم بأنفسهم لأنفسهم، لصنع سرديتهم وفق ما يريدون، فماذا يتبقى لدى الباحثين والمهتمين والأجيال المقبلة، إذ كلما اختاروا فناناً لدراسته قيل لهم: زوروا متحفه الذي أقامه وهو على قيد الحياة، أو شاهدوا فيلمه الذي قدّمه بنفسه وقضى ساعات بجوار المونتير ليقرّر ما يُعرض وما يُحذف، بل وهل يقدر باحثون وسط كل هذا على تقديم وجهة نظر مغايرة لسيرة فنان أو مبدع، مع العلم أننا شعب نقتنع أن كل من له فيلم أو متحف إنسان عظيم بالضرورة ولا يجوز الاقتراب منه؟

ربما أكون حالماً وأقول إن هناك أجيالاً قادمة ستقدر على فعل ذلك، وستخلد من يستحق وتكرّمه، وهما يستحقان وسأكون منصفاً وأقول إن من حقهما تكريم نفسيهما قدر ما يستطيعان، لكني سأكون صادقاً أيضاً بأن ما يقدمانه هو فقط ما سيبقيهما، أنا هنا متفق مع أحمد زكي تماماً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image