اغتصاب رضيعة عمرها 18 شهر. اغتصاب وسرقة سيدة سبعينية. عصابة التوربني وعصابة البرنس تغتصب وتقتل عشرات الأطفال.
جرائم في مصر تسابقت وسائل الإعلام في نشر تفاصيلها حتى باتت مشهداًً مألوفاً في صحافة القاهرة وفضائياتها.
فقد تصاعدت معدلات تلك الجرائم التي تشمل الاغتصاب والتحرش الجنسي وهتك العرض وزنا المحارم بصورة مفزعة تؤرق المصريين، ولا سيما بعد أن ارتبط الكثير من جرائم العنف الجنسي بالقتل، وتطورت ملامحها بشكل مخيف لتنال من الأطفال على يد بعض الفئات المقربة منهم مثل الأقارب والمعلمين.
وبينما يرصد المختصون أسباباً متعددة لتصاعد تلك الجرائم بشكل يهدد أمن المجتمع المصري وسلامته، تبقى سبل المواجهة غائبة عن بلد ال90 مليون نسمة.
العنف الجنسي مرعب بالأرقام
بحسب دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بالقاهرة، فإن 20 ألف حالة تحرش واغتصاب تقع سنوياً، 85% من ضحاياها من الأطفال، ويتعرض 20% من الضحايا للقتل بطريقة بشعة. كما رصدت إحصائية أجراها المجلس القومي للأمومة والطفولة بالقاهرة 1000 حالة اغتصاب للأطفال في أول عشرة أشهر من عام 2014، وأكدت معظم الدراسات أن العديد من حوادث التحرش بالأطفال لم يتم التبليغ عنها لأسباب عائلية وخوفاً من الفضيحة الاجتماعية. وأعلنت وزارة الداخلية أن عام 2006 شهد أكثر من 52 ألف جريمة تحرش واغتصاب، أكدت وقوع 120 ألف جريمة جنسية عام 2008. بعد مرور حوالي عقد على هذه الأرقام، صرحت إدارة مكافحة الآداب بوزارة الداخلية المصرية أن عام 2016 سجل حوالي 21 ألف حالة تحرش جنسي وشهد أكبر عدد من حوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال. كما كشفت إحصائيات حديثة ارتفاع حالات الاغتصاب خلال الـ5 سنوات الأخيرة، وأن في 85% منها يكون المغتصب معروفاً للطفلة، وفى 45% ينهي المغتصب العملية الجنسية في الدقائق العشر الأولى ويتبعها بالإيذاء النفسي والبدني للضحية، وقد يتطور الأمر إلى قتلها، فيما تفاقمت ظاهرة زنا المحارم لتصل إلى 7 آلاف دعوى قضائية. وشهد شهر مارس الماضي تطوراً جديداً في حالات اغتصاب الأطفال، وأصبحت تستهدف الأصغر سناً وهو ما تمثله واقعة رضيعة لم يتعد عمرها 18 شهراًً فقط، بحسب التقرير الشهري للمؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة. وكان عمر ضحايا الاستغلال والعنف بمختلف أنواعه يراوح ما بين 1 إلى5 سنوات.تصاعد الجرائم الجنسية في مصر... أين الخلل؟
شهد عام 2016 حوالي 21 ألف حالة تحرش جنسي وأكبر عدد من حوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال.. ما السبب؟
أسباب انتشار جرائم الانحراف الجنسي
"الجرائم الجنسية في مصر باتت ظاهرة تستحق الدراسة باستفاضة نظراً لتداعياتها الخطيرة"، يقول الدكتور رشاد عبد اللطيف، أستاذ تنظيم المجتمع بجامعة حلوان، لرصيف22. يعدد أسباب تصاعد وانتشار جرائم الانحراف الجنسي بمصر في السنوات الأخيرة، فيذكر الضغوط الحياتية والاجتماعية المتزايدة على المصريين، وضعف وتراجع دور الدين. وقد أصبح ارتكاب تلك الجرائم شيئاً اعتيادياً للغاية وانتشر بصورة واسعة دون أن يجد من يلقي عليه الضوء بشكل مدروس ويحذر من خطورته. كما يمثل "الهاتف النقال" وتكنولوجيا الاتصالات وشبكات التواصل، برأي عبد اللطيف، عاملاً في انتشار الجرائم الجنسية أيضاً، مضيفاً: "الإنسان قد يحمل عوامل فنائه في يده" والاستخدام غير الرشيد للتكنولوجيا يؤدي إلى ممارسات السلوك المنحرف. المخدرات التي انتشر تعاطيها بين المصريين تعد عاملاً قوياً في ارتكاب بعض الجرائم الجنسية الغريبة كاغتصاب الأطفال والرضع والإقدام على زنا المحارم. ويقول عبد اللطيف أن الدراسات التي تناولت الجرائم الجنسية وجدت، ورغم أنها لم ترجعها لعامل اجتماعي معين، انتشارها أكثر فأكثر في المناطق الشعبية والمساكن العشوائية والمناطق التي يتزايد فيها الفقر وتقل معدلات الدخل، فيكون الانحراف الجنسي لتعويض النقص الاقتصادي.الخوف من المقاضاة
في رأي عبد اللطيف، فإن العقوبات القانونية المنصوص عليها كافية للغاية لردع مرتكبي الجرائم الجنسية، غير أن الإشكالية تكمن في صعوبة إثبات الجرائم ومحاكمتها في كثير من الأحيان، فضلاً عن خوف الضحية من الكشف عن الجريمة ومقاضاة الجاني تجنباً للعار والفضيحة. ولا يتوقع عبد اللطيف بأي حال من الأحوال إمكانية القضاء على الجرائم الجنسية في مصر، مؤكداً أن الظاهرة لن تنتهي، ولكن يمكن الحد من انتشارها وخفض معدلاتها من خلال وجود رقابة كافية من الأسرة، والتحكم في العوامل المؤدية لتلك الجرائم، وفي مقدمتها الدخل المنخفض والبطالة والوقاية الاحترازية المرتبطة بالقيم الأخلاقية التي تعرضت بدورها لعوامل ضغط اجتماعية أدت إلى انهيارها. ويطالب عبد اللطيف بتطبيق ضوابط على الإعلام في ما يخص نشر موضوعات ووقائع يمكن أن تشجع على الانحراف والجرائم الجنسية، كما أن مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والمساجد والكنائس عليها أن تقوم بدورها الداعم للمجتمع في هذا الصدد.بلد محروم فيها الشباب من الجنس
يؤكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، لرصيف22، أن الشعب المصري لديه مشاكل جنسية، فمصر ثاني دولة عالمياً في التحرش الجنسي، ويمثل فيها التحرش سلوكاً عدوانياً ضد المرأة، كما أن مصر ثاني دولة في مشاهدة المواقع الجنسية. ويرجع صادق ذلك إلى وجود المدارس المنفصلة وعدم الاختلاط بين الأولاد والبنات خلال الدراسة، بما يجعل الولد ينشأ وينظر للمرأة كسلعة جنسية ولا يتعامل معها كزميلة، وينتهي الهوس بها إلى ممارسة عدوانية ضدها وشتائم مقززة. يصف صادق مصر بأنها بلد محروم فيها الشباب من الجنس، قائلاً: "أصبح لدينا أزمة جنسية في المجتمع، صنعها الإعلام الذي بحث عن الإثارة، ورجال الدين والشيوخ الذين يتكلمون في الجنس". ويضيف: "أدى ذلك إلى تحذير كثير من دول العالم للسائحات عند النزول إلى مصر من التعامل مع المصريين لأن لديهم هوساً جنسياً". كما أن عدم تعليم الجنس في المدارس من خلال الكتب والدراسات، بحسب صادق، جعل المصريين يعرفون الجنس من خلال هذه المواقع بما تحمله من صور خاطئة رسخت في الأذهان أن كل امرأة أجنبية عاهرة.الثقافة الذكورية السائدة
يرجع أستاذ علم الاجتماع، ارتفاع معدلات الجرائم الجنسية، إلى سيادة الثقافة الذكورية، وتصوير المصريين الجنس كأنه غزو وفتح عسكري، ونتيجة تلك الثقافة يتناول المصريون كماً كبيراً من المنشطات الجنسية بسبب معاناتهم من أمراض ضغط الدم والسكري والسمنة وقلة ممارسة الرياضة، مما يتسبب لهم في ضعف ومشاكل جنسية يغطون عليها بالشتائم والعنف ضد المرأة، وهذا المجتمع الذكوري يمكن أن يتقبل شخصاً ملحداً لكنه يرفض بشدة أي شخص مريض جنسياً ويعتبر ذلك بمثابة كارثة. ويؤكد صادق أن الإحصائيات المعلنة بشأن الجرائم الجنسية في مصر، لا تعبر عن الحقيقة مطلقاً ولا يوجد ثقة فيها، لأن أغلب تلك الجرائم غير معلن وغير موثق، ولا سيما تلك الجرائم المتعلقة بالاغتصاب من قبل الأقارب والمحارم، التي يتم التكتم على الغالبية الساحقة منها لأن الإعلان عنها فضيحة وعار بل قد يستتبعهما قتل الجاني وربما المجني عليها. ويقر صادق بمشكلة اغتصاب الأطفال وتزايد معدلاتها بشكل مخيف مشيراً إلى أن 50% من جرائم الاغتصاب يتم ممارستها ضد أطفال. ومع تزايد العنف ضد المرأة والنظر إلى السيدات نظرة جنسية، وانتشار الجوع الجنسي في مصر، تنامت ثقافة مجتمعية تعتبر العدوانية ضد المرأة تعبيراً عن الرجولة، حتى انتشرت مقولة "أنا أتحرش إذن أنا رجل".ثورة ثقافية وجنسية لا بد منها
الحل في رأي صادق يكمن في ثورة ثقافية واجتماعية وجنسية، وتغيير الإعلام والتعليم وتسهيل أمور الزواج. فالنساء في شوارع مصر مرتعبات من التحرش الذي ينالهن حتى من المراهقين، وفق ما يقوله صادق، في حين يكتفي الناس بالمشاهدة السلبية دون التدخل لإنقاذ المرأة الضحية ونتيجة هذا الهوس الجنسي، تضررت السياحة كثيراً في ظل غياب الأمان. وعلى عكس عبداللطيف، لا يرى صادق أن المخدرات مسؤولة عن الجرائم الجنسية في مصر، مُرجعاً تلك السلوكيات المنحرفة إلى التركيبة النفسية لمن يرتكب مثل تلك الجرائم. ويصف صادق المجتمع المصري بأنه مجتمع مريض نفسياً، لكن لا أحد يريد أن يعترف، والمصريون لديهم نزعة استكبارية لا تجعلهم يعترفون بأنهم مجتمع مريض يحتاج إلى العلاج. وفي رأي صادق، فإن تقويم السلوك يحتاج إلى الأسرة والمدرسة والإعلام والمؤسسة الدينية والمؤسسة الأمنية والقضائية، ولكن تلك المؤسسات في مصر مختلة والأجهزة فاسدة، ومن ثم تحتاج إلى تقويتها أولاً كي تنضبط سلوكيات المجتمع.هل يكفي تشديد الإجراءات الردعية؟
أرجع الدكتور عادل عامر، الخبير القانوني ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية لرصيف22 تضاعف معدلات العنف الجنسي إلى انخفاض مستوى المعيشة وغياب الوعي لدى الآباء والأمهات. فهناك من يسكنون مثلاً في منازل ضيقة وغرفة واحدة تسمح للأطفال برؤية الوالدين أثناء ممارسة العلاقة الحميمة، وهو الأمر الذي دفع الأطفال إلى تقليد ذلك سواء مع أحد أفراد الأسرة، أو التحرش بالنساء خارج الأسرة، حيث يعاني الأطفال نفسياً من البلوغ المبكر. وشدد عامر على أن اغتصاب المحارم والأطفال وهتك العرض والاغتصاب الجماعي، والعنف الجنسي المقترن بقتل الضحية تم رصده من قبل عدد من الجهات المعنية في مصر كظاهرة تصاعد انتشارها أخيراً. ولا يرى عامر أن تشديد الإجراءات الردعية كافٍ وحده في التقليل من الجرائم الجنسية، مستشهداً بتجارب السعودية والصين وإيران التي تسجل أرقاماً هائلة في أحكام الإعدام، دون أن تنجح في الحد من ارتفاع معدلات الجريمة. برأيه، المجتمع المصري محافظ، يسارع دائماً بإلقاء اللوم على الفتاة أو السيدة وتحميلهما دائماً مسؤولية جريمة التحرش والاغتصاب دون محاولة لمعالجة الأسباب الحقيقة أو دون مراعاة لمشاعر الضحية ومحاولة إعادة دمجها في المجتمع. ويلفت إلى أن إدارة مكافحة جرائم الآداب ضبطت خلال السنوات العشر الأخيرة أكثر من 451 ألف قضية آداب سنوياً، وقد ارتفعت جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب إلى أكثر من 521 ألف قضية في الفترة ذاتها. وتشير بضع دراسات، وفق عامر، إلى أن مصر تسجل 120 ألف حالة اغتصاب وتحرش جنسي سنوياً، بمعدل حالتي اغتصاب كل ساعة، وأن 90% من مرتكبي تلك الجرائم عاطلون عن العمل. وقد تغيرت ملامح الجرائم الجنسية في السنوات الأخيرة، فإلى جانب الاغتصاب تضاعفت حالات التحرش الجنسي الجماعي، وخاصة في المناسبات والأعياد، كما تسبب انتشار العشوائيات حول القاهرة في ارتفاع معدلات تلك الجرائم، وخاصة زنا المحارم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...