إنه يوم السبت، يوم العطلة كما في أغلب دول العالم، وكان يُفترض أن يكون يوماً عادياً، في حياة الأسرة، ولكن، لم يكن كذلك، أبداً. لا في بدايته، ولا حتى في نهايته.
استيقظ طارق "صديقنا" (وهو بطل ثنائية قصتنا ولكنه بطل فرعي)، وإذا به ينتفض من سريره مصعوقاً صارخاً ومرعوباً بعد أن فتح عينيه، ورأى شريكته نيرمين (وهي البطلة الرئيسية)، واقفةً أمامه تنتظر لحظة استيقاظه لتقول له بابتسامة خجولة، وهي في كامل أناقتها: "صباح الخير يا فرعوني الكبير الصغير".
مفتاح الخريطة: "ياااااااااا" هي ياء النداء، "فرعوني الكبير الصغير" هي للتفخيم.
لحظة، ثم استوعب ما حدث، وضحك بشكل هيستيري، وهو مرعوب في الوقت نفسه ويراقب بحذر ملامح شريكته، الثابتة والصارمة. الشريكة التي لم تبادله الضحك. استوعب الموقف و"جديته"، فخفت صوت ضحكته وبدأ يحلل في رأسه "ماذا حدث؟"، على طريقة الإعلامي اللبناني سالم زهران (إن كان هناك من لا يعرفه، حاولوا أن تكتبوا اسمه على محرّك البحث غوغل، وتعرّفوا، واستمتعوا).
طارق: فرعون الصغير الكبير، هل هي تهينني؟ ما هذا اللقب الفضفاض؟ هل من فرعون مقاسه محيّر إلى هذه الدرجة؟
ثم إنني لست بفرعون، ولست مصرياً من الأساس.
وبينما كانت لا تزال واقفةً أمامه بكل انتباه ومن دون حديث، تطوّر التفكير في رأسه، وقال: الكبير الصغير؛ هل تقصد الخرم الظاهر على "فانيلتي" التي هي من ماركة "حنين"، والتي لطالما هددتني بتحويلها إلى رقعة نمسح بها الزجاج؟
بات متيقناً من أن نيرمين تتعاطى "البانغو"، أو أي مواد مهلوسة، شريطة أن تكون مستوردةً، لأن التأثير ليس محلياً، كون طارق كان ولا يزال "خبرة" في هذه الأمور
وبينما كان يفكر في أنه يوم عطلة، ولماذا هي مرتدية بكامل أناقتها، حدث الأمر المفاجئ؛ كانت تنظر إليه وفجأةً بدأت تمشي بشكل عكسي وهي خارجة من الغرفة، وتقول إنها في انتظار قدومه إلى غرفة الجلوس.
مفتاح الخريطة: "إنتِ وخارجة من الغرفة، ما تديش ظهر لجوزك بصي فـ'وشه'".
طبعاً صديقنا ينظر إليها وهي تخرج بهذه الطريقة العكسية وفي رأسه أغنية "Smooth Criminal" لملك البوب الشهير مايكل جاكسون؛ فهو أمام المشية الشهيرة نفسها، ولكن من دون استعراض.
لم يفهم ماذا يجري، ولكنه لم يسألها لأنه أراد أن يكتشف الأمر بنفسه، وهنا بات متيقناً من أن نيرمين تتعاطى "البانغو"، أو أي مواد مهلوسة، شريطة أن تكون مستوردةً، لأن التأثير ليس محلياً، كون طارق كان ولا يزال "خبرة" في هذه الأمور.
لحقها، وسألها ما إذا كانت قد أكلت من تورتة "البراوني"(العجيبة)، الموجودة في الثلاجة، فنفت.
ثم سألها بشكل مباشر: نيرمين هل دخنتِ أو شربتِ شيئاً منذ الصباح الباكر؟
أيضاً كان جوابها النفي.
هنا، عاد إلى حيرته الأولى البعيدة عن أي مواد كيميائية، وبدأ يتذكر ماذا حصل ليلة أمس قبل أن يغفو. كانت ليلةً اعتياديةً، فقد أطفأوا الأنوار وأشعلوا التلفاز على خاصية التشغيل الذاتي لليوتيوب، وهما متعودان على النوم وهما يسمعان أصواتاً خافتةً، ولم يحدث أي نقاش أو حدث جلل يتناسب مع المتغيرات الحاصلة.
ما هذه الحقيبة التي بجانبك؟ ولماذا أنت مرتدية ملابسك وكأننا سنخرج إلى مكان ما؟ هل سنذهب في زيارة إلى خالتك أو خالتي؟ "قطعاً لا، فأنت لا تحب هذه الزيارات يا فرعوني الصغير الكبير"
حين جلس في الغرفة، لاحظ من خلال كلامها أن في صوتها أمراً مريباً، لا يتناسب مع الطاقة التي تتصرف بها، وكأن "الخنّة الأنفية" أصابتها، فابتسم وهو يشعل سيجارته ويشعر في سرّه بأنه "شارلوك هولمز"، فقد اكتشف ما يجري. اقترب منها ليرى ما إذا كانت حرارتها مرتفعةً، وفي يقينه أنها تعاني من أعراض الزكام.
مفتاح الخريطة: كلما اخنفيتي بصوتك أكثر ده دليل أنوثة.
بينما هو لا يفهم معظم كلامها بسبب هذا الصوت، بات عليه أن يسألها ما إذا كانت بخير أو ما إذا كان هناك أمر ما قد حدث، فكان جوابها:
"أنا بخير يااااااااا حبيبي".
طارق: هل أنت متأكدة؟
نيرمين: "نعم يااااااا حبيبي... يا نور عيوني... يا فرعون... يا مأكّلنا... يا مشرّبنا".
طارق: ثم ما هذه الحقيبة التي بجانبك؟ ولماذا أنت مرتدية ملابسك وكأننا سنخرج إلى مكان ما؟ هل سنذهب في زيارة إلى خالتك أو خالتي؟
نيرمين: "قطعاً لا، فأنت لا تحب هذه الزيارات يا فرعوني الصغير الكبير".
كان طارق يشعر بأن اللقب جميل، لكنه فضفاض على يومياته التافهة، لذلك لم يجرؤ على سؤالها عن سرّ اللقب.
وبينما كان يتصفح السوشال ميديا ويتناول فنجان القهوة، قالت نيرمين: "أنا قررت ترك عملي، أريد التفرغ لك، فأنت نعمة من الله كالأكل والشرب، يا حبيبي... أنت كالبخور المسلوق".
طارق مستنكراً: بخور مسلوق؟
- التفرغ لي؟ آخر استعمال لهكذا عبارات كان في زمان ليلى كرم، عندما كانت تمثّل في سن المراهقة. انظري إليّ قليلاً؛ نحن نعيش حياةً فيها كمّاً من التنظيم لا أظن أننا بحاجة إلى أي اهتمام إضافي... صحيح؟
نيرمين قاطعته: "ولكن... آسفة آسفة، قاطعتك، آسفة يااااا حبيبي".
قال والصدمة والاستغراب بارزان على وجهه: "نحن نتكلم بشكل عادي، ليس هناك من مشكلة".
نيرمين: "أعتذر مرةً أخرى، ولكن يااااا حبيبي لقد سمعت حكمةً صينيةً تقول: البيت الذي تمارس فيه الدجاجة عمل الديك، مصيره الخراب".
قال ممازحاً في محاولة لكسر الأجواء التي بدت غير مألوفة إطلاقاً: "وهل هناك من خرااااااااب أكثر من هكذا حكمة؟".
سأغيّر مكان التلفاز أو سأرميه في النفايات بشكل نهائي، ولكن أرجوك افعلي كل شيء؛ ناديني "يا خراااااااب"، ولا تتصرفي بحسب إتيكيت "الخراااااااب" الذي تتحدث عنه ياسمين عز!
وأكمل: "لا أظن أنها فكرة مناسبة".
في هذه اللحظة، نهض من مكانه لارتداء ملابسه والخروج لجلب بعض الحاجيات، فإذ بها تقول له: "إذا كنت ستخرج، فخذ معك النفايات يا فرعوني الصغير الكبير".
مفتاح الخريطة: "أنا ما عنديش الجرأة أقولك إنه ممنوع تقولي لجوزك خد ارمي الزبالة".
قال بينه وبين نفسه: النفايات وفرعون في الجملة نفسها... أظن أنني في ورطة.
ما هي سوى ساعة ونيف، حتى عاد إلى المنزل فوجدها تنتظره عند الباب مرحبةً: "أهلاً يا مأكّلنا... يا مشرّبنا".
طارق وقد بدا عليه التأفف: "حسناً، الآن أريد أن أعلم ما الذي يجري؟"، وبدأ بالحديث عن تصرفاتها الغريبة منذ الصباح الباكر. وبينما همت بأن تقاطعه، استطرد هو في التعبير عن انزعاجه من كونه ليس فرعوناً ولا هو البخور ولا هم في الأساس من مصر الحبيبة.
بقي يتكلم، وإذ بنيرمين تُخرج بنطالاً جديداً لها من الحقيبة التي تلازمها منذ الصباح، بعد أن تبلل بنطالها القديم.
مفتاح الخريطة: "إذا كنت عايزة تخشّي الحمام وجوزك بيتكلم ممنوع تقاطعي وتقومي تمشي لازم تستنيه يكمل".
هنا، أحدث البلل صدمةً في رأسها، فاستفاقت من حالتها، وقالت له:
كم مرةً قلت لك أن تطفئ التلفاز؟ هل أنت راضٍ بأن صوت ياسمين عز، قد دخل في رأسي وتحكم في لا وعيي وأنا نائمة؟
ابتسم طارق، واقترب منها وقبَّل رأسها قائلاً: وأخيراً فهمنا ماذا يجري اليوم، سأغيّر مكان التلفاز أو سأرميه في النفايات بشكل نهائي، ولكن أرجوك افعلي كل شيء؛ ناديني "يا خراااااااب"، ولا تتصرفي بحسب إتيكيت "الخراااااااب" الذي تتحدث عنه ياسمين عز!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.