صدر كتاب "وانت السبب يابا... الفاجومي وأنا"، وأدهشت القراءَ صاحبتُه نوارة التي تعرف بكونها مدونة وناشطة وصحافية مصرية مهتمة بالعمل العام وحقوق الإنسان وقضايا الحريات، بحكاياتها مع والدها الشاعر أحمد فؤاد نجم، ووالدتها الكاتبة صافي ناز كاظم، مما جعلها تتصدر مشهد العائلة للمرة الأولى.
بدأت نوارة المولودة في القاهرة 8 تشرين الثاني/أكتوبر مشوارها في كنف أب استثنائي ذي مكانة في حكايات الثقافة المصرية.
أدهشتني نوارة، وهي الكاتبة التي بدأت عملها محررة أخبار ومترجمة بقناة النيل للمعلومات (إحدى قنوات النيل المتخصصة في التلفزيون المصري) منذ عام 1997، بطريقة سردها الأزمات في حياة عائلة استثنائية، وجرأتها في الكشف عن المناطق المظلمة التي صادفتها منذ طفولتها، دون أن تتخلى عن حبها الكبير للأب، فجاءت الحالة الفاجومية رائقة كعادتها، ولكن هذه المرة على طريقة الابنة.
أثبتت نوارة أن رصيدها قادر على أن يضع اسمها بين كبار الكتّاب في المستقبل القريب، إذا واصلت عملها بكل جهد. ومن المؤكد أن الفاجومي لو عاصر "انت السبب يابا" فسيكون في غاية السعادة بهذا الكتاب، الذي أضاف قيمة أخرى لحكايته التي حاول العديد من الكتاب والباحثين رصدها، ورصد حكاية شريك مشواره الفني الشيخ إمام عيسى.
نوارة الانتصار
الكتاب الصادر عن دار الكرمة للنشر في القاهرة، يتكون من 310 صفحة، ومن 22 حكاية، قسّمتها نوارة بعناية للتعامل مع مواقف بينها وبين والدها، عبرت خلالها عن روح ساخرة مبدعة.
أخذت جينات الموهبة من والدها ولكنها صاغتها بطريقتها الخاصة، فجاءت شجية ومليئة بالبهجة ومشاعر التصالح مع الوالد، بكل جموحه وصخب عبقريته أو حتى مزاجه السيىء عندما يكون في حالة كتابة، كما تحكي نوارة.
صاحبة مدونة "جبهة التهييس الشعبية"، التي سمتها والدتها الناقدة صافي ناز كاظم باسم "نوارة الانتصار" لأن ميلادها جاء بعد نصر أكتوبر 1973 بساعات قليلة، تكشف في مقدمة الكتاب أنها لم تكن تفكر في كتابته، ولم يكن في دائرة خططها لولا تواصل الصحافي إبراهيم عيسى معها بعد غياب لسنوات، وذكّرها بما قاله والدها في حياته بأنها "حارسة الكنز" وتحمل سر أبيها.
تحكي نوارة عن محاولاتها للتهرب من فكرة الكتاب، متذرعة بنفسها القصير في الكتابة، لكن إصرار عيسى حسم الأمر لصالح خروج الكتاب للنور.
عاشت نوارة طفولتها المبكرة في العراق بعد أن غادرت مصر ولم تجتز العامين بصحبة والدتها عام 1975، وذلك إبان سجن والدها في عهد الرئيس محمد أنور السادات.
عملت والدتها في جامعة المستنصرية، والتحقت نوارة بالمدارس العراقية حتى بلغت الثامنة من عمرها.
عادت نوارة إلى مصر نهائياً بصحبة والدتها عام 1980. لم يمر عام حتى اعتقل السادات والدتها يوم 5 سبتمبر/أيلول 1981، في اعتقالات سبتمبر الشهيرة.
قالت نوارة خلال لقائها مع القراء في مكتبة تنمية بالقاهرة، أنها عملت على الكتاب تدريجياً، ولكن يكشف حديثها أيضاً عن أنها عانت حالة طويلة من التردد خلال الكتابة، بالإضافة إلى أنه بعد بدايتها المكثفة بأسبوع واحد في العمل أصابها الصداع المستمر، وشعرت بالتعب، وعانت من متاعب صحية وتوقفت، وكانت قد وصلت إلى الفصل السابع، ليعود إبراهيم عيسى ويدفعها للعمل مجدداً.
"وانت السبب يابا"
طاقة الفاجومي دفعت الكتاب أيضاً للعودة إلى طريقه مرة أخرى ليكتمل 22 فصلاً.
وكشفت نوارة خلال توقيع كتابها بمكتبة "تنمية" بحي المعادي بالقاهرة وسط حشد كبير قبل عدة ساعات، عن أن حكايات الفاجومي لم تنته، وأنها بعد انتهائها من العمل، كان ما يزال هناك الكثير من الحكايات المنسية، ومن المفاجآت التي لم تنشر في الكتاب. ولفتت إلى أن سبب عودتها مع والدتها هو المضايقات التي تعرضت لها من نظام الرئيس العراقي صدام حسين، بسبب رفضها ممارسات نظامه في بداية الثمانينابت من القرن الماضي.
كانت نوارة مصدر إلهام قصيدة نجم الغنائية، في مقدمة تترات مسلسل "حضرة المتهم أبي"... مرت بنوبة اكتئاب حاد خلال عمل والدها، وكانت دائمة اللوم له وقتها، فاستلهم مطلع قصيدة: "نازل وأنا ماشي.. ع الشوك برجليا.. وأنت السبب يابا... ياللي خليت بيا"
حكاية الأب تشكل كنزاً لكل كاتب في الدراما أيضاً، وقام الفنان المصري خالد الصاوي قبل ذلك بتقديم شخصية "نجم" من خلال فيلم "الفاجومي"، ولد في أبو حماد بالشرقية في 22 مايو/ أيار 1929، ويشكل علامة بين شعراء العامية في مصر.
وتكشف مغامرته مع رفيق المشوار الشيخ إمام عيسى عن حالة فنية استثنائية اختلطت بالجماهير وتفاعلت معهم، ولذا اختارت المجموعة العربية في صندوق مكافحة الفقر التابع للأمم المتحدة أحمد فؤاد نجم سفيراً للفقراء عام 2007.
البحث عن الفاجومي
تبقى حكاية نجم كحالها في صفحات الكتاب، تعبر عن حدوتة للنضال وهو الرجل العنيد الذي صارع الحياة منذ وفاة والده وانتقاله إلى بيت خاله بالزقازيق، وتنقله بين المهن المختلفة في مقتبل حياته، وعَلَّم نفسه القراءة، والكتابة، واشترك مع الآلاف في المظاهرات التي اجتاحت مصر عام 1946، ليبدأ في صياغة موسيقاه الخاصة.
ويروي الكتاب رحلة الابنة المستمرة في البحث عن أبيها، تقول نوارة: "كان العثور على أبي أمراً شاقاً جداً، فهو مثل الزئبق لا يمكن الوصول إليه إلا بشق الأنفس"، كما تروي عن حرص والدتها على مد جسر التواصل بينها وبين والدها بعد انفصالهما، عقب زواج استمر خمس سنوات (أغسطس/ آب 1972–يوليو/ تموز 1976).
بروحها الساخرة تجاوزت نوارة صعوبات الطفولة، وبدأت مشوارها بالتخرج من قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب في جامعة عين شمس عام 1996، وعملت منذ السنة الأولى من دراستها صحافية تحت التدريب في مجلة "الشباب"، التي تصدرها مؤسسة الأهرام، بين عامي 1992 و1994، وترجمت في ديسمبر/ كانون الأول 2010، قبل ثورة يناير بعام واحد، بعض وثائق "ويكليكس" المتعلقة بمصر، ونشرت هذه الترجمة مسلسلة في موقع الدستور الإلكتروني، ثم في كتاب "الوثائق التي هزت العالم... وثائق ويكيليكس"، بالاشتراك مع عبده البرماوي، وكان شعار مدونتها "جبهة التهييس الشعبية، التي تابعها عشرات الآلاف منذ عام 2006: "الحرية لم تخلق إلا لمن يحملون أرواحهم على أكفهم"، وبجانبه صورة لطفلة تعض سلكاً شائكاً.
الانتصار للأب
تحكي نوارة في كتابها عن أبيها وذكرياته التي لا تغيب عن خاطرها، تقول بنت الفاجومي: "لم يكن ذكرى في يوم، كان دوماً حاضراً، لن أروي إلا قصتي (قصته) عبر كاميرا مثبتة فى حدقة عين طفلة ثم مراهقة ثم شابة، عاشت في ظل شخص استثنائي على المستويين الإبداعي والإنساني. تمر بأحداث لم تفهم بعضها، وتعاملت مع البعض الآخر على أنها طبيعة الأشياء، ثم عرفت بعد ذلك أن هناك تجربة إنسانية تستحق أن تُروى حتى إن بدت عادية في بداية الأمر".
وتكشف الحكايات عن أن نوارة كانت مصدر إلهام قصيدة نجم الغنائية، في مقدمة تترات مسلسل "حضرة المتهم أبي" وكانت تمر بنوبة اكتئاب حاد خلال عمل والدها، وكانت دائمة تلومه وقتها، فاستلهم مطلع القصيدة الذي يقول: "نازل وأنا ماشي.. ع الشوك برجليا.. وأنت السبب يابا... ياللي خليت بيا.. لا فرشت لي بستان.. ولا حتى بر أمان.. أعيش عليه إنسان.. والدنيا في إيديا".
"كان العثور على أبي أمراً شاقاً جداً، فهو مثل الزئبق لا يمكن الوصول إليه إلا بشق الأنفس"... تحكي نوارة عن أحمد فؤاد نجم، في مذكرات أصابها أثناء كتابتها صداع وتوقف لفترة قبل أن تنهيه
ونرافق تلك العائلة عبر صفحات الكتاب في "حالة خاصة" جمعت نوارة والفاجومي بعد ذلك، وانتقالهما للحياة في حي المقطم.
كما يكشف الكتاب عن مشاهد مهمة وكواليس خفية في حياة «نجم» الإبداعية، فعندما يكون في حالة كتابة يستيقظ عابساً ولا يرغب في محادثة أحد، يشغل نفسه في الأعمال المنزلية، مثل كنس البيت، وغسل الأطباق، ويكون في حالة مزاجية سيئة، ويُفضل الابتعاد عنه.
الروح النقية لنوارة نجم كانت عنصر قوة للكتاب، الذي حقق أصداءً طيبة خلال الأسابيع الأخيرة، فقد نجحت بالتعامل مع سيرة لم تكن عادية بروح واثقة، نظرت للمرآة مباشرة، وقررت أن تعقد جلسة مصارحة، فحمل الكتاب انتصاراً كبيراً لوالدها يضاف لرصيده الحافل، وقدم رؤية درامية جديدة لكواليس حياة رجل وسط أسرته، استطاع أن يصنع الفارق وهو يقف صلباً في مواجهة العالم، ومن هنا يأتي الإحساس المتجدد بالفخر بنوارة ووالدها، وكتابها الثري.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومينحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com