شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
تأملات في مئوية نزار قباني

تأملات في مئوية نزار قباني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 19 مارس 202302:32 م
Read in English:

One-hundred years later: Reflections on Nizar Qabbani's centenary

على مدى عام 2020 كان عشّاق الموسيقى الكلاسيكية على موعد مع أمسيات فنية في كبرى دور الأوبرا في العالم احتفالاً بالذكرى 250 لولادة الموسيقار الألماني بيتهوفين. ولكن وباء كورونا يومها أدى إلى إلغاء وتأجيل معظم تلك الحفلات أو تسجيلها وعرضها "أونلاين" في دور عارض خاوية من الجمهور. حزن الشعب الألماني بالتحديد من هذا التأجيل، فالشعوب عادة تنتظر سنوية وفاة مبدعيها أو ولادتهم، للاحتفال بهم ورفع رأسها بين الشعوب الأخرى للقول بأنها أنجبت ذلك العازف العبقري أو الرسام المبدع أو الأديب الفذ.

في مصر مثلاً كان من المقرر الاحتفال وطنياً بالذكرى المئوية لولادة نجيب محفوظ يوم 11 كانون الأول/ديسمبر 2011، لولا الاضطرابات الأمنية التي رافقت سقوط الرئيس حسني مبارك في بداية ذلك العام. اختصرت الاحتفالات يومها على بعض الندوات والمحاضرات الجامعية، مع إعادة إصدار معظم رواياته المعروفة من "زقاق المدق" وثلاثية "بين القصرين" و"قصر الشوق" و"السكرية" وصولاً إلى العمل الأشهر "أولاد حارتنا". وفي النمسا، يتم الاحتفال سنوياً ومنذ عام 1956 بما سمّي "أسبوع موزارت" (27 كانون الثاني/يناير – شباط/فبراير من كل عام)، عبر سلسلة من الحفلات والعروض الفنية.

حتى في سوريا فقد احتفلت مدينة حلب بألفية أبي الطيب المتنبي في كانون الأول/ديسمبر 1935 وأقيمت لأجله أمسية أدبية رفيعة المستوى في فندق بارون بمشاركة الأخطل الصغير وعمر أبو ريشة وغيرهم. بعدها بعشر سنوات، نظم "مجمع اللغة العربية" احتفالاً كبيراً بألفية أبي علاء المعري يوم 25 كانون الأول/ديسمبر  1944، أقيم على مدرج جامعة دمشق تحت رعاية وبحضور رئيس الجمهورية شكري القوتلي. وقد خصصت الدولة السورية يومها مبلغ 40 ألف ليرة سورية للاحتفال الذي ضمّت فعالياته محاضرةً للدكتور طه حسين في دمشق ومعرة النعمان، مع إصدار كتاب عن المعري قدّم له الشاعر الكبير خليل مردم بك. وقد وُضع تمثال شهير للمعري يومها ظل صادماً حتى إسقاطه وقطع رأسه أثناء الحرب السورية عام 2013.

نظراً لكثرة الهموم والتحديات في سوريا، يبدو أن هذه المناسبة سقطت من الذاكرة الجماعية للسوريين، ولم يتذكرها إلا قلة قليلة من الناس

بعد يومين سنكون على موعد مع مئوية نزار قباني، أشهر شعراء سوريا والوطن العربي في العصر الحديث، الذي ولد بدمشق في 21 آذار/مارس 1923 وتوفي في لندن يوم 30 نيسان/ابريل 1998. نظراً لكثرة الهموم والتحديات في سوريا، لكن يبدو أن هذه المناسبة سقطت من الذاكرة الجماعية للسوريين، ولم يتذكرها إلا قلة قليلة من الناس، كان من ضمنهم الإعلامي نضال قوشحة الذي أراد تنظيم ندوة تلفزيونية في دار نزار القديم في مئذنة الشحم داخل مدينة دمشق القديمة، بحضور ومشاركة فنانين كبار غنوا أشعاره، مثل نجاة الصغيرة وكاظم الساهر وماجدة الرومي، ومعاصرين عرفوه عن قرب مثل الأديبة كوليت خوري. ولكنّ ظروف البلاد والزلزال المدمر الذي ضرب سوريا في 6 شباط/فبراير 2023 حال دون ذلك في الوقت الحالي.

نزار نفسه كتب عن يوم ميلاده قائلاً: "ولدت في 21 آذار/مارس عام 1923 في بيت من بيوت دمشق القديمة، كانت الأرض هي الأخرى في حالة ولادة، وكان الربيع يستعد لفتح حقائبه الخضراء. الأرض وأمي حملتا في وقت واحد، ووضعتا في وقت واحد. هل كان مصادفة يا ترى أن تكون ولادتي في الفصل الذي تثور الأرض على نفسها، وترمي فيه الأشجار كل أثوابها القديمة. أم كان مكتوباً عليّ أن أكون كشهر آذار، شهر التغيير والتحولات؟ كل الذي أعرفه أنني ولدت يوم كانت الطبيعة تنفذ انقلابها على الشتاء، وتطلب من الحقول والحشائش أن تؤيدها في انقلابها على روتين الأرض".

"هل كان مصادفة يا ترى أن تكون ولادتي في الفصل الذي تثور الأرض على نفسها، وترمي فيه الأشجار كل أثوابها القديمة. أم كان مكتوباً عليّ أن أكون كشهر آذار، شهر التغيير والتحولات؟"

قد يختلف النقاد في تقييم شعر نزار، ولكن لا أحد يمكنه أن ينكز مدى أهمية الرجل وشعبيته حتى اليوم، على الرغم من مرور ربع قرن على وفاته. في سنة 2017، صمم النحات السوري وسام قطرميز تمثالاً جميلاً لنزار وضع في بهو دار الأوبرا بدمشق في احتفال أقامته وزارة الثقافة، وهناك تمثال آخر في مدينة كليفلاند الأمريكية في ولاية أوهايو، من تصميم الفنانة السورية ليلى خوري. وقبلها كان هناك مسلسل تلفزيوني عن حياة نزار قباني، للمخرج باسل الخطيب، لعب فيه النجم السوري تيم حسن دور نزار في مرحلة الشباب، والنجم سلوم حداد دوره في المرحلة المتقدمة من عمره.

بدأ نزار قباني مسيرته الأدبية سنة 1943 ولم ينقطع عن الكتابة إلا في مراحل الحزن العميق مثل يوم وفاة ابنه توفيق أو مقتل زوجته العراقية بلقيس الراوي عام 1981. مع ذلك، لم يحمل أي وسام من بلده، علماً أنه الأحق بوسام الاستحقاق أو "وسام أمية"، وهو الذي طالما تغنى بعاصمة الأمويين قائلاً: "وأمية راياتها مرفوعة... وجيادها موصولة بجيادي".

ولم يُطلق اسم نزار قباني على شارع في مسقط رأسه بدمشق إلا في الأسابيع الأخيرة من حياته، أي بعد أكثر من نصف قرن من الشعر. وقد سرّ بهذه اللفتة يومها وكتب عنها آخر ما خطه قلمه قائلاً: "شرفتني المدينة التي خرجت من رحم ياسمينها، وسَقتني من ماء ينابيعها... ووسدتني على ريش حمائمها... وأطعمتني فتافيت الذهب، وفتافيت الشعر... وفتافيت الصبابة... وعلمتني أبجدية الكلام الجميل... والطيران الجميل... والتحليق الجميل على أكتاف الدمشقيات".

كان بودّنا أن تكون مئوية نزار مختلفةً، مثل ألفية المتنبي والمعري وغيرهما من الشعراء الكبار، وهو يبقى حاضراً في الذاكرة الجماعية لملايين الناس، مع احتفالية ودونها. هو لسوريا، مثل بيتهوفين بالنسبة للشعب لألماني أو موزارت للنمسا أو شابلن للسينما العالمية، رائد مجدد وأسطورة يصعب على الزمان تكرارها.    



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image