شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
زوج الآنسة منال (2 من 3)

زوج الآنسة منال (2 من 3)

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الخميس 19 يناير 202312:03 م

(6)

"عمرك ما هتصدق إحنا خلّفنا إزاي إلا لو عشت الحكاية وشفتها بعينيك... بص يا سيدي... كانت الحياة هِدْيت وراقت من ساعة ما طيّبت بخاطر مراتي وقلت لها ما تشغليش بالك بموضوع الخِلفة... أنا كان نفسي ربنا يرزقني ببنت وهو ادّاكي ليّا مكان بنتي وأهوه الحمد لله على الأقل ادّأني بنت كبيرة مش هاتعب في تربيتها... المهم في يوم لقيتها بتكلمني في المكتب وبتقول لي هاعدي عليك عشان نفسي أجيب لِبّ ونتمشى في الشارع سوا ونقعد في حتة نقزقز لِب زي أيام الخطوبة.

واحنا ماشيين في وسط البلد لقينا راجل كُبّارة وشّه كله نور... شكله كده بتاع ربنا ويدخل قلبك على طول... وقّفنا في الشارع وقام ماسكني من إيدي وماسكها من إيدها وسألنا انتو متجوزين؟ قلنا له الحمد لله... قال من قد إيه؟ قلنا له من 14 شهر... قال طبعا ما فيش خلفة... برّقنا من الخضّة وقلنا له انت عرفت منين... قال ما تسألونيش عن أي حاجة بس هل ممكن أشرب معاكو شاي... الفضول خلاني أمسك فيه عشان أعرف حكايته... خدناه على البيت ولقيته بيسألنا هو انتو مؤمنين بالعلاج بالقرآن وقبل ما نرد قال لنا ممكن أقرا الرقية الشرعية على المدام... قلت له اتفضل أهوه في الآخر كلام ربنا مش هيضر.

هل سيصعب على محامٍ يده في السوق أن يقوم بتزوير بعض الأوراق ليثبت صحة قصته التي لو كان مالئاً يده منها بالفعل لاكتفى باللجوء إلى النيابات والمحاكم وأخذ حقه بالقانون؟

قعد يقرا عليها لحد ما وصل آية الكرسي... لقيتها بتصرّخ وصوتها اتغير وبقى صوت راجل مخنشر ومحشرج كده... قعد الشيخ يكلم صاحب الصوت اللي طالع من جواها ويسأل انت مين وبتعمل إيه ومن أنهي نوع جن وجاي سحر ولا تكليف وتكليفك إيه بالضبط... لقيتها بترد بصوت الراجل المخنشر وبتقول أنا مكلف بالأذى وساكن في الرحم باستنى جوزها لما ييجي يعاشرها آخد السائل المنوي أموّته وتاني يوم أتفّه ولو حصل حمل باقطع وريد الرحم... كل ده بيحصل وأنا قاعد مبلّم ومش قادر أستوعب اللي شايفه قدامي.

المهم بعد ما الشيخ كمّل الرقية الشرعية قال لي خلاص كده الملعون مات والحمد لله... ولقيت مراتي فاقت بعد ما كانت في شبه غيبوبة... الشيخ قال لها خلي بالك هتلاقي عندك حالة إسهال وترجيع ما تقلقيش دي جثة اللعين... وفعلا تاني يوم كلمتني من شغلها بتقول لي إن عندها إسهال وترجيع... أنا قلت جايز يعني صدفة... بس بعدها بيوم شفت رؤية فيها سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام وسيدنا عمر بن الخطاب... كنت عارف سيدنا عمر بس مش عارف مين اللي معاه فسألته مين ده يا سيدنا فقال لي ده رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تلزم صلاة الفجر... قمت صاحي من النوم ومصحي مراتي عشان تصلي معايا الفجر قالت لي دي أول مرة تعملها قلت لها عشان سيدنا النبي بشرني بيوسف... اتعاملت معايا على إني أهبل... قلت لها طاوعيني بس... وفعلا بعد كذا أسبوع اتقطعت عندها الدورة الشهرية... خدتها ورحت للدكتور اللي رحنا له قبل كده... لقيته مستغرب شوية وهو بيكشف عليها... لما عمل لها سونار لقيته داخ وقعد على الكرسي قال لي انت عارف هاقولك إيه قلت له عارف... عارف إنك هتقول لي مراتي حامل والحمل كان يوم 23 ستة اللي فات والتخصيب كان الساعة اتنين بالليل... اتخض وقال لي انت عرفت منين قلت له عشان لما نزلت من عندك أنا قلت مش هاسأل الناس أنا هاسأل ربي وهو مش هيكسفني.. ومن بعدها الدكتور ده شفته ماشي في الشارع لقيته مربّي دقنه قد كده... سألته ليه عمل كده؟ قال لي مش عايزني أشوف آيات ربي وألتزم... أنا فكرت أعمل زيه وأسيب دقني بس خفت ده يأثر على الشغل في المحاكم مع بعض القضاة الرزلين فقلت ربنا عالم باللي في نيتي وفضلت محافظ على صلاة الفجر لحد ما حصل اللي حصل... ربنا يسامحني ما عدتش زي الأول بس ناوي أرجع والله.. ربنا يعين".

(7)

نادراً ما كان الأستاذ يشخُر، لكنه حين سمع هذا الجزء من القصة شخر وأفاض في شخرته وانتابته كريزة ضحك جعلتني أظن أنه سيطلب وقف الاهتمام بالقضية والبحث عن حكاية تحترم عقول سامعيها، وقبل أن أعتذر له على إضاعة وقته في هذه القضية التي بدت لي جادة ومنطقية في البداية، رفع سماعة التليفون واتصل بمشرف الإنتاج وطلب منه منحي مكافأة خاصة قال إنها ستتكرر وتتضاعف لو واصلت إحضار حالات كهذه إلى البرنامج، وطلب مني الاستمرار في محاولة إقناع الزوجة بالحضور إلى البرنامج لمواجهة زوجها، ثم صمت قليلاً وقال إن عدم حضورها لن يجعله يلغي الحلقة لأن الحكاية بها من المشهيات ما يكفي لكي يشتري المشاهد ويستمتع بالفرجة على واحدة من أفضل حلقات البرنامج منذ بدأ.

نادراً ما كان الأستاذ يشخُر، لكنه حين سمع هذا الجزء من القصة شخر وأفاض في شخرته وانتابته كريزة ضحك جعلتني أظن أنه سيطلب وقف الاهتمام بالقضية والبحث عن حكاية تحترم عقول سامعيها

وحين سألته عن سر شخرته وإغراقه في الضحك كأنه يسمع قصة هزلية، قرر في لحظة صفا نادرة أن يمنحني بعضاً من فيوض حكمته:

"يا ابني افهم، مهمتنا ليست أن نصدق الناس، مهمتنا أن نسمعهم، أن نعطيهم فرصة للفضفضة ونزح الهموم الكابسة على أنفاسهم، ولذلك حسك عينك تكون قاطعت الرجل البائس وهو يحكي لك عن فتوحاته الربانية، فقلت له مثلاً إن الطب لا يستطيع معرفة ساعة التخصيب وتاريخه وإنه لو قال هذا الكلام لطبيب سلفي مربّي لحيته من عشرين سنة سينتع له شخرة أطول من التي شخرتها، أو سألته كيف أصبح عمر بن الخطاب معرفة قديمة له ولماذا أخذ كلامه ثقة إلى هذه الدرجة بينما يمكن أن يكون قد رأى الشيطان في منامه كما يقول الدين نفسه، لو قلت له هذا الكلام أو غيره لسمعت منه كلمتين بايخين وخسرته إلى الأبد، أصلاً هو لا يحكي لك كل هذا الهري لتصدقه، هو يحكيه ليصدق نفسه، ولذلك سيتهمك بعمى القلب وضعف الإيمان لو قلت له إنه وقع في قبضة نصاب قراري، لو كان مكشوفاً عنه الحجاب لما سأله هو وزوجته في البداية عما إذا كانا متزوجين أم لا، وأنه يسأل هذا السؤال لكل زوجين يقابلهما في الشارع، فتصيب مرة وتخيب مرات.

هذا الرجل ليس حالة خاصة، برنامجنا وكل البرامج المماثلة قائمة على رجال ونساء مثله، حياتهم مليئة بالأخرام والثغرات المنطقية، ولكي يسد كل منهم أخرام حياته ليكملها بأعلى قدر من التماسك عليه أن يعيش حكاية مثل هذه، لو لم تحصل فعلاً لاخترعها، خلي بالك أنت تخدمه وتخدم طفله المسكين حين تصدقه وتأخذه على قد عقله، يعني لو فتحت لهذا الرجل باب الشك بجد في مصداقية حكايته، سيروح إلى مناطق لا يجب أن يذهب إليها، أقلها سيتساءل هل خانته زوجته مع شخص غيره واتفقت هي وعشيقها مع الشيخ المزعوم على هذا الملعوب الذي تفوقت فيه على نفسها كممثلة، وساعتها سيقتلها ويقتل ابنه ثم يقتل نفسه ونخسر فرصة تقديم حلقة تكسّر الدنيا.

ثم يعني، لا تستغرب أن يصدق رجل قانون مثل هذا الهراء، أنا أقدم منك بسنين وأعرف أكثر منك بقرون، وقد رأيت قبله وسأرى بعده مثقفين وأطباء ومهندسين وأساتذة جامعة يصدقون ما هو أهرى وأخرى، ليس لأنهم نسوا ما تعلموه عن المنطق والعقل والتفكير العلمي، بل لأن كل ما تعلموه لن يكون كافياً لحل تناقضات حياتهم وملء الخواء الذي يشعرون به حين يعجزون عن مواجهة حقائق الحياة وتحمل مسؤولية أفعالهم واختياراتهم، وبعدين يعني ما تحبكهاش أكثر من اللازم، مثلما جعل الله هؤلاء سبباً في رزق المشعوذ الذي التقاه صاحبك في الطريق، جعلهم سبباً في رزقنا الذي تتبطّر عليه، قم إلى شغلك وحاول أن تحبه أكثر لكي أحبك أكثر".

"ثم يعني، لا تستغرب أن يصدق رجل قانون مثل هذا الهراء، أنا أقدم منك بسنين وأعرف أكثر منك بقرون، وقد رأيت قبله وسأرى بعده مثقفين وأطباء ومهندسين وأساتذة جامعة يصدقون ما هو أهرى وأخرى..."

(8)

"لما ورّاني ابن خالة منال وثيقة التصادق اللي بتقول إنها على ذمة راجل غيري.. أنا افتكرته بيشتغلني.. قلت أكيد عايز هو وعيلته يقلّبني في قرشين.. بعد ما سمع إني سافرت بره كذا سنة وربنا فتحها عليّا من وسع... وعشان كده ما صدقتوش على طول ورحت أكشف على الورق رسمي فهمي نظمي... ومن هنا اكتشفت مصيبة إن المدام بقت آنسة وإنها مطلعة البطاقة اللي وريتها لك دي واللي ما ليش فيها أي وجود لا أنا ولا ابنها اللي حرماني من إني أشوفه... ولما واجهتها بكل ده قالت لي أنا لا طلعت بطايق ولا اتجوزت عرفي ولا أعرف الناس اللي بتتكلم عنهم دول واهبط بقى واتسد لو عايز تشوف ابنك... أنا طبعاً ما سكتش وقعدت أسأل واتطقّس وسط نسوان ورجالة عيلتها... عرفت من ولاد الحلال إنها راحت عملت عملية قبل ليلة دخلتنا عشان لما أخش عليها ألاقيها بنت وإنها قررت تسيب جوزها الأولاني لما دخل السجن ينفذ حكم عسكري طلع عليه بالحبس سبع سنين.. ولما عمل مشكلة جوه السجن ورزعوه سنتين كمان... رمت طوبته وقالت أشوف لي شوفة تانية ومع الأسف ما لقتش أعبط مني عشان يلبس ويشيل.. طب بذمتك اللي تعمل كده بقلب ميت هيبقى صعب عليها تزوّر بطاقة.. عاذرك عشان مش مصدق.. أصل انت مش فاهم هي ليه بتعمل كل ده.. الهانم بتساومني دلوقتي عشان أتنازل عن القضايا والبلاغات اللي رفعتها عليها على أساس إنها ترمي لي العيل وأبريها رسمي وأسيبها تشوف حالها مع عريسها.. العريس الأولاني إزاي؟ الأولاني لسه في السجن.. ده عريس تالت يا أستاذ.. عرفت من كذا يوم إنها لسه موقّعاه.. عمره 61 سنة.. شايب وعايب.. خلته يسيب مراته وبنته ويتجوزها عُرفي.. واتضح إنه راجل واصل وليه سكك مع ناس كبيرة في الشركة المصرية للاتصالات.. جاب لها قرار نقل لاسكندرية عشان تكون جنبه وخد لها شقة على البحر في جليم ورامية ابني مع أمها وعايشة حياتها على الآخر.. بس وحياة أمي اللي باندم إني ما سمعتش كلامها.. ما هاستريح ولا هيهدا لي بال إلا لما أحبسها هي وعريس الغفلة.. ولو ما عرفتش هاقتلهم".

"عرفت من ولاد الحلال إنها راحت عملت عملية قبل ليلة دخلتنا عشان لما أخش عليها ألاقيها بنت وإنها قررت تسيب جوزها الأولاني لما دخل السجن ينفذ حكم عسكري طلع عليه بالحبس سبع سنين..."

(9)

العملية زَرْوَطت على الآخر، وأصبح فيها ثلاثة أزواج، واحد في السجن والثاني في جليم والثالث يغيب عنا يوماً أم يومين ثم يعود ليلوح بأوراق وعقود وصور بطاقات شخصية، ويحكي تفاصيل جديدة باتت تجعلنا نشك في رجاحة عقله الذي ربما تضرر بفعل صدمة هجرها له، أو ربما اكتشافه أن طفلهما ليس من صلبه. يعني، هل سيصعب على محامٍ يده في السوق أن يقوم بتزوير بعض الأوراق ليثبت صحة قصته التي لو كان مالئاً يده منها بالفعل لاكتفى باللجوء إلى النيابات والمحاكم وأخذ حقه بالقانون؟ هل نفوذ الزوج الثالث باتع إلى هذه الدرجة التي تشل أيدي أجهزة الأمن عن تنفيذ حكم صدر على هذه المرأة الخارقة بالحبس لجمعها بين زوجين؟ طيب، هل يوجد أصلاً زوج ثالث أم أنه موجود فقط على الورق وفي خيال صاحبنا المشوّش؟ وماذا سيحدث لو تبنينا روايته وأتحنا له فرصة عرضها على الناس ثم اتضح أنها محض هذيان؟ ألن يضر ذلك بمصداقية البرنامج الذي يحبه الناس لأنهم يشاهدون فيه فضائح حقيقية تزيد من رضاهم عن أنفسهم لأن حياتهم لم تتدهور إلى هذا الحد فيحمدون الله ويقررون شراء بعض ما رأوه في إعلانات البرنامج؟

لم تطل حيرتنا في الإجابة على كل هذه الأسئلة، لأن الزوج الثالث أثبت وجوده بالفعل في إنذار على يد مُحضَر وصل إلى القناة يحذرنا فيه واحد من أكبر وأشرس محاميي البلد من التعرض لسمعة موكلته وزوجها السيد فلان الفلاني، وحين حاول الأستاذ استغلال صداقته القديمة بالمحامي الشرس ليطلب منه إقناع موكلته بالظهور في البرنامج ولو حتى بالصوت فقط، تلقى رفضاً قاطعاً للفكرة. لم ييأس الأستاذ الذي أصبح إيمانه بالحكاية أقوى بعد أن شك فيها بعض الوقت، فذهب إلى المحامي الشرس بصحبة محامي القناة الذي لا يقل عنه شهرة وشراسة، وقال إنه سيمنح الزوج المخدوع فرصة حكاية قصته للناس بكافة تفاصيلها ولكن دون أن يورد الاسم الكامل للزوجة، وبالتالي ستفضح هي نفسها بنفسها حين تقوم برفع دعوى قضائية لتنشر الصحف بعدها اسمها الكامل وستكون قد خسرت حقها في الرد داخل البرنامج، ليأتينا الرد سريعاً بموافقتها على اللقاء بنا لنسمع جانبها من القصة على أن نتعهد بعرضه بكل أمانة، وذهبت للقائها في الإسكندرية أنا والأستاذ.

...

نختم الأسبوع القادم بإذن الله.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image