في عام 2012، شاركت الفنانة اللبنانية أوغيت كالان في معرض جماعي عنوانه "Le corps découvert" - كشف الجسد - في معهد العالم العربي في باريس.
طُبعت على غلاف الكتالوج واحدة من لوحاتها ("صورة الذات"، 1973)، تصور حقلاً وردي اللون يحوله صدع وردي داكن في قاعدة اللوحة إلى نظرة عن قرب لمؤخرة عارية.
عرضت حينذاك كالان لوحات تملأُها خطوط نزوية - أثداء ورموش وعيون وشفاه وأنوف - بأشكال خيالية تبدو كأنها قد خرجت للحياة من دفتر سري ومثير خطه شيل سيلفرشتاين Shel Silverstein غير مكتئب (شاعر ومغن أمريكي). في الرواق وضعت لوحة تمنع من هم دون الثمانية عشرة من دخول صالة العرض.
منذ سبعينيات القرن الماضي، تبعث لوحات كالان المثيرة للجدل البهجة في نفوس بعض من هم محظوظون لرؤيتها وتزعج البعض الآخر. للأسف، لم يحظَ برؤيتها الكثيرون. إن كنتم في إيطاليا في الأشهر الستة المقبلة، يمكنكم أن تروا بعض أعمالها في مبنى أرسينال في بينالي البندقية، حيث تعرض 23 قطعة، بما في ذلك 18 لوحة إيروتيكية مرسومة بالحبر.
ولدت كالان في عام 1931 في أسرة سياسية كوسموبوليتانية. كان والدها بشارة الخوري، أول رئيس للبنان بعد الاستقلال، وكان منزلهم يعج دائماً بالضيوف. كانت تعرف ما هو متوقع منها: أن تكون زوجة وأماً، ترتدي أزياء من ماركات عالمية، ولكنها عرفت أيضاً من كانت حقاً: فنانة لها أفكارها الخاصة عما سيرضيها.
تزوجت حب طفولتها، ثم أتخذت من أعز أصدقائه عشيقاً وخصصت له غرفة في بيتها الزوجي. أنجبت الأطفال لأن زوجها أرادهم، ثم تركتهم، وتركت بيروت، لتذهب إلى باريس عندما كانوا على أعتاب سن المراهقة.
كان جسدها مثار انبهارٍ مستمر لها. في إحدى الفترات وصل وزنها لأكثر من مئتي رطل. في حديثها مع الكاتبة حنان الشيخ، عام 1974، قالت كالان: "اكتسبت الوزن كي أعرف كيف يمكن للمرء أن يعيش حياة كاملة وهو بدين دون أي قيود" (المقابلة نشرت مترجمة لأول مرة في كتاب جديد تحت عنوان Everything Takes the Shape of a Person، يتناول أعوام كالان الأولى في باريس، من 1970 إلى 1978).
كالان وزوجها لم يحصلا على الطلاق مطلقاً، رغم أنها عاشت مع النحات الروماني جورج أبوستو، وكانت تطلب من عشيقات زوجها، من باريس، أن يشترين له الزهور يوم عيد ميلاده.
بطريقة ما، عاشت ما يعتبره المجتمع فضيحة من دون أن يمسها اللوم والاستهجان، حتى من أولئك الذين هم أكثر عرضة لعواقب حياتها غير التقليدية.
ابنتها لا تزال قريبة منها ويعيش أحد أبنائها في منزلها. وكان الحدث الوحيد الذي كادت أن تنفصل بسببه كالان عن زوجها بشكل دائم، هو عندما بدأت التجول في بيروت مرتديةً قفطاناً لأن الملابس الغربية لم تلائمها.
بعد عدة سنوات، ذهبت كالان إلى بيير كاردان، في باريس، لشراء ربطة عنق لزوجها، مرتدية قفطاناً من تصميمها الخاص. أعجب كاردان بالقفطان، واقترحت كالان أن تتعاون معه لتنتج له مجموعة من الأزياء الراقية عام 1974. على الجانب الأمامي لأحد الأثواب، رسمت ثديين، وسرة، ومثلثاً من شعر العانة. وفي الخلف، رسمت الأرداف.
رأيت القفطان في معرض "صنع في لوس انجليس" بمتحف هامر في يونيو الماضي، حيث خصصت صالة كاملة لكالان. بالإضافة إلى القفطان، كانت هناك منحوتات لعارضات أزياء (بما في ذلك واحدة لا يغطيها سوى الوشوم وحجاب للرأس)، وتماثيل صغيرة تبدو وكأنها قطع مرافقة لمنحوتة فينوس ويلندورف Venus of Willendorf، لوحة لونها وردي من سلسلة لوحات باسم Bribes de corps أو "أجزاء الجسد"، ولوحاتها العارية الكرتونية.
فن أوغيت كالان المثير للجدل يبعث البهجة في نفوس البعض ويزعج البعض الآخر…
أوغيت كالان، ابنة أول رئيس للبنان بعد الاستقلال وإحدى أكثر فنانات لبنان والعالم العربي جرأة
اتضح أن كالان انتقلت إلى لوس أنجلوس عام 1987، بعد أن توفي أبوستو، وبنت منزلاً هائلاً في البندقية، على أرض اشترتها من الفنان سام فرانسيس عندما كان على فراش الموت.
في ربيع هذا العام، أتيحت لي الفرصة لزيارة منزل كالان. التقيت بابنتها، بريجيت، في الاستوديو، وهو مساحة كبيرة مكدسة بأعمال كالان، بما في ذلك ستة قفطانات.
بدأت تضحك بريجيت، وهي أستاذة أنيقة تدرس اللغات السامية في الجامعة الأميركية في بيروت، عندما أوضحت كيف صنعت أمها القفطانات في بيروت، دون باقي الأماكن، لأنها كانت تعرف من سيحيكها لها.
تحكي بريجيت "كانت تقول للخياط هنا أود غرزات بسيطة، وهنا أريد خيوطاً ناطقة (شعر العانة)، حتى أدرك الخياط ما كان يحيكه". وتضيف: "لا أعتقد أنها كانت تتعمد أن تصدم الآخرين. كانت فقط تفعل ما يبدو طبيعياً لها، وكثيراً ما كانت النتائج تسليها".
في كاليفورنيا، عاشت كالان حياة اجتماعية صاخبة ولكنها عانت على الصعيد المهني. المنزل الذي يحتوي على برجين وغرفة معيشة تمتد إلى شرفة كبيرة مع بركة سباحة، أصبح مجمعاً لفناني البندقية. (في فيديو من عام 2009، اصطحبت كالان مخرج الفيديو في جولة بالمنزل، موضحةً أنها "ولدت سعيدة"، عرضت خزانة ملابسها ليرى كيف رسمت وجوه النساء على الجدران المتعارضة، لتمتد عصا تعليق الملابس من فم امرأة إلى فم أخرى، قائلة ببهجة "الشقاوة جزء من الحياة، أليس كذلك؟").
كان إد موسز Ed Moses صديقاً مقرباً لكالان وموضوع العديد من لوحاتها، وتبادلت الأعمال الفنية مع نانسي روبينز Nancy Rubins ولادي جون ديل Laddie John Dill، وأقامت الحفلات للاحتفال بافتتاح معارض فنانين الآخرين. ولكن تقول بريجيت إنه بالرغم من أن الفنانين حضروا تلك الحفلات فلم يحاولوا رؤية أعمالها.
باعت كالان أعمالها في الاستديو إلى هواة جمع التحف في أوروبا والشرق الأوسط، لم تقم سوى عدد قليل من المعارض في الولايات المتحدة، ولم يكن لها تمثيل ثابت أو مستمر.
ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، تم اكتشاف كالان من قبل جيل جديد من أمناء المعارض والمتاحف والجمهور المهتمين بالسرديات المعقدة عن النساء في الشرق الأوسط.
مركز بومبيدو، حيث تعمل كريستين ماسل Christine Macel مديرة بينالي البندقية أمينة للمتحف، اشترى أخيراً ثلاثة أعمال رئيسية لكالان. وتحاول بريجيت أرشفة أعمال والدتها، التي ينتشر الكثير منها في مجموعات خاصة بأفراد.
تحكي بريجيت عن امرأة قابلتها الصيف الماضي في بيروت، قائلة: "أخبرتني أن لديها قصة جميلة عن والدتي. في عام 1982 بينما أشتد القصف العنيف في بيروت، اتصل أحد أصدقاء كالان بتلك المرأة، التي كانت لها اتصالات واسعة، وسألها هل بإمكانها العثور على مفاتيح لمطعم مغلق بسبب الحرب".
كانت لوحة مهمة لكالان معلقة بالداخل، وكانت كالان قلقة من أن تتلف. تمكنت المرأة من إنقاذ اللوحة، واتصلت بكالان لتخبرها بنجاحها فردت كالان: بعد أن أصبحت اللوحة آمنة، يمكنك الاحتفاظ بها إذا كنت ترغبين بها. تضيف بريجيت" "لا تزال اللوحة في غرفة المعيشة لدى تلك المرأة حتى الآن".
في لوس أنجلوس، عاشت كالان محاطة بلوحاتها التي جسدت فيها زوجها، عشيقها اللبناني، وأبوستو - "أكثر الرجال أهمية في حياتها" على حسب قول بريجيت. وفي عام 2013، بعد أن تخطى عمرها الثمانين وأثقلتها المشاكل الصحية، أدركت كالان أن زوجها يحتضر، فعادت إلى بيروت لتقول وداعاً، ولم تعد مطلقاً.
ترجمة للمقال الذي نشر في صحيفة The new Yorker في تاريخ 07.06.2917، تحت عنوان The Playful Provications (and Erotic Kaftans) of the Lebanese Artiste Huguette Caland للكاتبة Dana Goodyear.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت