تم تداول خبر سحب مكتب رعاية الشباب "السوسيال" في السويد، أطفال المهاجرين واللاجئين، تحت عنوان "السوسيال يخطف أطفالنا"، على نطاق واسع في الأيام الماضية. واختلفت ردود الفعل حوله بين من رأى أنه إجراء ضروري لحماية الأطفال، وآخرين عدّوه عمليةً مجحفةً تستهدف المهاجرين على وجه الخصوص.
إن التزام ألمانيا منذ العام 1992، باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل هو الأساس الذي تطورت القوانين الاجتماعية التي تخص الطفل بناءً عليه، بهدف حمايته في الدرجة الأولى.
تلعب التحديات والأزمات التي مر بها معظم اللاجئين والمهاجرين وتأثيراتها على حالتهم النفسية والعاطفية، والاختلاف في طبيعة أساليب التربية التي يتّبعونها، بالإضافة إلى مدى اطّلاعهم والتزامهم بقوانين البلد الجديد، تلعب دوراً كبيراً في كونهم فئةً معرضةً بشكل كبير لهذه القرارات، وتجاهل هذا كله يجعل اتخاذ موقف موضوعي من الأمر غير ممكن.
في حالات كهذه، يجد الأهل المتضررون أنفسهم على وشك الانهيار، وقد تختلف ردود أفعالهم وفقاً لحالتهم النفسية أو للضغوط السابقة التي تعرضوا لها، فيعبّر بعضهم بطريقة غاضبة وعاطفية بعيداً عن الخطوات القانونية التي يجب اتّباعها، مما يؤدي إلى نتائج غير مرضية بالنسبة إليهم.
هذا الجدل من شأنه في النهاية أن يُعظّم الخوف من مؤسسات الخدمات الاجتماعية في عموم الدول الأوروبية، خاصةً في ألمانيا التي تضم أكبر عدد من اللاجئين في أوروبا، حيث يلاحق شبح مكتب رعاية الشباب Jugendamt الأجانب هنا أيضاً؛ لذلك عزمت على كتابة هذه المادة من واقع دراستي للعمل الاجتماعي ومعرفتي بالقوانين في ألمانيا تحديداً، لتوضيح مهام مكتب رعاية الشباب وكيفية التعامل مع قراراته المتعلقة بأخذ الأطفال تحت الرعاية.
متى يُمكن لمكتب رعاية الشباب أن يسحب الأطفال؟
إن التزام ألمانيا منذ العام 1992، باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل هو الأساس الذي تطورت القوانين الاجتماعية التي تخص الطفل بناءً عليه، بهدف حماية حقوق الأطفال في الدرجة الأولى، والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات رئيسية: وهي حق الطفل في الحماية، والحق في المشاركة والتعبير، والحق في التطور والدعم والتعليم.
تحدد المادة الثامنة الفقرة a، من كتاب القانون الاجتماعي الثامن 8a SGB VIII §، مهمة مكتب رعاية الشباب لحماية الأطفال في ألمانيا. ففي حال تعرّض رفاهة الطفل للخطر، يجب على مكتب رعاية الشباب التدخل. ويُقصد برفاهة الطفل السلامة الجسدية والنفسية والعقلية.
في ألمانيا، يلاحق "شبح" مكتب رعاية الشباب اللاجئين والمهاجرين؛ لذلك عزمت على كتابة هذه المادة من واقع دراستي للعمل الاجتماعي ومعرفتي بالقوانين في ألمانيا تحديداً، لتوضيح مهام مكتب رعاية الشباب وكيفية التعامل مع قراراته المتعلقة بأخذ الأطفال تحت الرعاية
عندما يتم الإبلاغ من جهة ما عن اشتباه في تعرض الطفل للخطر، سواء من المدارس أو رياض الأطفال أو الشرطة أو الجيران، هنا يتوجب على مكتب رعاية الشباب التحقق من الأمر. سرعة التدخل مرتبطة بدرجة الخطورة، كالإبلاغ عن آثار ضرب مبرح أو اعتداء جنسي. يقوم الأخصائيون الاجتماعيون بتقييم الحالة معتمدين في ذلك على المعلومات من مختلف المصادر والجهات، كالفحص الطبي، وآراء الكادر التعليمي في المدرسة، ونتائج زيارة منزل الطفل لإلقاء نظرة على بيئته المعيشية. وعندما يتم الإقرار بأن هناك خطراً على النمو الجسدي والعقلي للطفل، ويكون الوالدان غير مستعدَّين أو غير قادرَين على تجنب هذا الخطر، فلا بد حينها من أخذ الطفل تحت الرعاية.
مع ذلك، يُعدّ سحب الأطفال من عائلاتهم آخر ما يقوم به مكتب رعاية الشباب، ولا يتم اللجوء إليه إلا في حال عدم وجود أي طريقة أخرى لحمايتهم. لأنه يتم الأخذ بعين الاعتبار الأضرار النفسية والصدمة التي يمكن أن تنشأ لدى الطفل جراء إبعاده عن عائلته، وليس عوامل الخطر التي تهدده بالبقاء معهم فحسب. ففي كلا الحالتين يقع ضرر على الطفل، وتحديد أيهما أقل خطورةً: أخذه تحت الرعاية أم تركه في منزله، ليس بالقرار السهل ويتم على مبدأ "الرمد ولا العمى".
ما قد يكون خافياً على الكثيرين، أن مهمة مكتب رعاية الشباب الأساسية هي مساعدة الأهل.
الحالات التي تؤدي إلى سحب الطفل
هناك بعض المواقف والحالات التي تؤدي بشكل شبه دائم إلى سحب الطفل من العائلة، ووضعه تحت الرعاية، وأهمها العنف الجسدي الموجه نحو الطفل، والعنف المنزلي، سواء أكان بين الوالدين أو بين الأخوة، والإهمال الشديد للطفل كسوء التغذية والمظهر الجسدي غير النظيف، والاعتداء الجنسي داخل الأسرة، وسلوك الطفل العنيف تجاه الآخرين أو محاولاته لإيذاء نفسه، وكذلك سلوك الوالدين كتعاطي المخدرات وتحريض أطفالهم على العنف والجرائم. أو في حال طلب الطفل ذلك بنفسه.
شبح مكتب رعاية الشباب Jugendamt
الفكرة الشائعة لدى المهاجرين واللاجئين وحتى لدى بعض الألمان عن مكتب رعاية الشباب، كونه مؤسسةً "شريرةً" تسحب الأطفال، تمنع الكثير من الأهالي من طلب المساعدة، محاولين تجنّب أي تواصل مع هذه الجهة، مما يمنعهم من الاستفادة من خدماتها.
وما قد يكون خافياً على الكثيرين، أن مهمة مكتب رعاية الشباب الأساسية هي مساعدة الأهل. تحدد المادة 27 من كتاب القانون الاجتماعي الثامن (المساعدة في التربية)، والمواد التي تليها، عروض المساعدة التي يلتزم مكتب رعاية الشباب بتقديمها، والتي تختلف في طبيعتها والجهة الموجهة إليها، إذ تُقدم للأطفال أنفسهم أو للأهل أو للاثنين معاً. ويمكن لها أن تأخذ شكل الدعم المادي، أو تقديم المشورة العائلية، أو عروض المساعدة العلاجية في حال وجود اضطرابات نفسية أو تعرّض للصدمة خاصةً بالنسبة إلى الأهل أو الأطفال الذين مرّوا بتجربة لجوء. لذلك اتخاذ زمام المبادرة وطلب المساعدة في حال الحاجة إليها، هي أهم وسيلة لمنع الأمور من التفاقم والوصول إلى مرحلة سحب الأطفال.
عندما لا يتم طلب المساعدة، ويصبح مكتب رعاية الشباب على دراية بتعرض الطفل للخطر، هنا من الضروري إظهار التفهم والاستعداد للتعاون والمشاركة في إيجاد الحلول من قبل الأهل، بدلاً من إنكار وجود مشكلة أو منع تنفيذ القرار بالقوة. كذلك لا بد من توكيل محامٍ متخصص بشؤون الأسرة وتقديم اعتراض بالطريقة القانونية وفي الوقت المناسب، لأن عدم القيام بذلك بالطريقة الصحيحة يجعل قرار مكتب رعاية الشباب نافذاً من قبل المحكمة.
الفكرة الشائعة لدى المهاجرين واللاجئين وحتى لدى بعض الألمان عن مكتب رعاية الشباب، كونه مؤسسةً "شريرةً" تسحب الأطفال، تمنع الكثير من الأهالي من طلب المساعدة، محاولين تجنّب أي تواصل مع هذه الجهة، مما يمنعهم من الاستفادة من خدماتها
مزاجية موظف "السوسيال"
تم تداول هذه العبارة بشكل واسع أيضاً في الفترة الماضية، في وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى في التقارير الإخبارية. وتم عدّها السبب الرئيسي وراء سحب الأطفال من أهاليهم من دون وجه حق أو مستند قانوني.
يُعدّ مصطلح "القوة" أو "السلطة"، وكيفية استخدامها، من المواضيع الحساسة في العمل الاجتماعي، إذ يمكن للموظف أن يستخدم القوة الممنوحة له من قبل القانون بطريقة هدّامة في بعض الأوقات، وهذا يتوقف على مدى كفاءته. ولا شك أنه يوجد الكثير من الموظفين ممن يسيئون استخدام القوة، وهو ما يمكن إرجاعه إلى إشكالية العمل الاجتماعي كمهنة؛ إذ لا تُعدّ حتى اليوم في الكثير من دول العالم مهنةً معترفاً بها، وحتى في الدول الأوروبية التي يلعب فيها العمل الاجتماعي دوراً كبيراً، إلا أنه لا يزال حتى اليوم، ويمكن لأي شخص حاصل على شهادة جامعية مهما كانت، أن يزاول هذه المهنة من دون أن يتمتع بالكفاءات المطلوبة أو أن يخضع للتدريب الملائم.
من البديهي أن القوانين الألمانية تهدف إلى حماية الأطفال وضمان عيشهم وتطورهم ضمن بيئة ملائمة، وهي ليست موجهةً ضد مجموعة بعينها، بل يلتزم بها كل من يعيش في ألمانيا من الألمان والمهاجرين على حد سواء
إلا أنه في آخر المطاف، لا يمكن "لموظف السوسيال" وحده أن يقرر سحب الطفل من عائلته. بعد أن تتم مناقشة وضع الطفل من قبل اختصاصيين عديدين وليس من قبل موظف واحد، وتحديد عوامل الخطورة، ويتم إبلاغ المحكمة بناءً على قرارهم. ومحكمة الأسرة هي من تصدر القرار النهائي في هذا الأمر، بعد إجراء جلسات استماع إلى الأهل والموظفين. كما يتم التأكد بشكل مستمر، حتى بعد قرار المحكمة سحب الطفل، من إمكانية إعادة الطفل إلى عائلته، في حال تغيرت ظروف العائلة، وطرأ تحسن في بيئة الطفل المعيشية.
من البديهي أن القوانين الألمانية تهدف إلى حماية الأطفال وضمان عيشهم وتطورهم ضمن بيئة ملائمة، وهي ليست موجهةً ضد مجموعة بعينها، بل يلتزم بها كل من يعيش في ألمانيا من الألمان والمهاجرين على حد سواء. ومن المهم أن ننطلق من ذواتنا ونكون الرقيب الأول على طريقة تربيتنا لأطفالنا في أوروبا، قبل السوسيال أو أي جهة أخرى، من دون أن ننسى أننا نعيش في مجتمعٍ مختلف كلياً عن مجتمعاتنا، له قوانين، وسلوكيات، وأساليب أخرى في التربية يجب مراعاتها والالتزام بها، وأن "الشبشب" ليس أحدها على كل حال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com