الخوف المفرط من المسؤولية هو خوف غير عقلاني من تحمل المسؤوليات. يُطلق عليه أيضاً مصطلح hypengyophobia المشتق من الكلمة اليونانية "hypengos" التي تعني المسؤولية.
واللافت أن الأشخاص الذين لديهم هذا النوع من الرهاب يتجنبون المسؤوليات التي تنطوي بمعظمها على المخاطرة، وبالتالي يخشون تحمّل المسؤولية في مجالات الحياة المختلفة.
بالطبع، أولئك الذين لا يستطيعون تحمل المسؤولية عن حياتهم وأفعالهم لن يتحملوا المسؤولية عن الأفعال التي قد تؤثر على الآخرين، بخاصة وأنهم يعتقدون أن الأحداث والعوامل الخارجية هي التي تحدد حياتهم إلى حدّ أكبر من أفعالهم، وبالتالي يقوّضون قدرتهم على التأثير في حياتهم من خلال أفعالهم.
ما الذي يسبب الخوف من المسؤولية؟
"الخوف من الفشل يترصد كل رغبة ليخنقها قبل أن تولد".
تحارب ثقافتنا الخوف وتمجّد الجرأة والشجاعة. لكن الخوف، مثل المشاعر الأخرى، له هدف تطوري وجانب إيجابي. فالقلق بشأن ارتكاب الأخطاء موجود لتذكيرنا بأننا في موقف صعب، غير أن الشعور بالخوف لا يجب أن يتخطى حدوده الطبيعية، كأن يجعل المرء عاجزاً عن الإقدام على أي خطوة إلى الأمام، والبقاء في دائرة مغلقة هو من وضعها وقيّد نفسه بها، فبعض القيود تقتل الإبداع والنجاح.
في حديثها مع رصيف22، أوضحت المعالجة النفسية والمساعدة الاجتماعية غنوة يونس، أن الخوف المفرط من تحمل المسؤولية يجعل المرء يتجنّب مواقف وضغوطات معيّنة أو ينسحب من أي موقف جديد يتطلب منه التزاماً معيّناً، وبالتالي يفضّل الشخص المعني أن يبقى في دائرة الراحة للتقليل من نوبات القلق ومشاعر الخوف التي قد يختبرها في حال قرّر تولّي مهمة ما.
الشعور بالخوف لا يجب أن يتخطى حدوده الطبيعية، كأن يجعل المرء عاجزاً عن الإقدام على أي خطوة إلى الأمام، والبقاء في دائرة مغلقة هو من وضعها وقيّد نفسه بها، فبعض القيود تقتل الإبداع والنجاح
وأكدت يونس أن رهاب المسؤولية يكون نتيجة أفكار غير منطقية، فيشعر الشخص بضيق شديد وبنوبات قلق وتقيّؤ لمجرد التفكير في تحمل المسؤولية والالتزام بمسألة معيّنة: "هذا النوع من الرهاب يشكل لدى الشخص مصدر قلق كبير داخله، ويعيش صراعاً بين الأفكار السلبية التي تدور حول عدم القدرة على تحمّل المسؤولية وبين ضرورة اتخاذ قرار والتقدم في مساره المهني أو الحياتي".
وأشارت غنوة إلى أن رهاب تحمل المسؤولية ينطوي على عدة مستويات: "قد يكون على صعيد التكيّف الاجتماعي أو على الصعيد المهني أو التعليمي".
على غرار معظم أنواع الرهاب، فإن المخاوف تختلف من شخص إلى آخر، ففي حين يعاني بعض الأشخاص من نفور شديد من المسؤولية، فإن البعض الآخر يعاني من نوبات قلق كاملة حتى عند التفكير في تحمل المسؤولية من أي نوع كانت.
وفي حين أن هذا الخوف قد يبدو غير منطقي، إلا أن هناك بعض الأسباب التي تقف وراء تطوير هذا الرهاب.
ومن المهم معرفة أن الخوف من تحمل المسؤولية لا يتعلق عادة بالمسؤولية في حدّ ذاتها، بل الخوف من الشيء المترتب عن تحمل المسؤولية في موقف معيّن، كخشية المرء من التعرّض لضغط شديد أو إلقاء اللوم عليه وجعله يشعر بالخجل وتدني احترام الذات. بمعنى آخر، إن الشخص الذي يتجنب تحمل المسؤوليات ليس لديه دليل كافٍ على أنه يستطيع تحمل المسؤولية أو يعتقد أن أخذ الأمور على عاتقه قد يؤدي إلى نتائج سلبية.
فيما يلي أبرز أسباب الخوف من المسؤولية:
قلّة الخبرة في تحمل المسؤولية: قد لا يمتلك الشخص الذي يخشى المسؤولية ويتجنبها ببساطة كاحتياط كافٍ من تجارب الحياة التي تؤكد له بأنه جيّد في تحمل المسؤولية.
عندما نكون قد أنجزنا مهمة بالفعل، فإن ذلك يمنحنا الثقة للتعامل مع التحديات والمسؤوليات في المستقبل.
لدى الناس مستويات مختلفة من الثقة في مجالات الحياة المختلفة التي يمكن أن تجعلهم يخشون المسؤولية، لكن كل هذا يتلخص في امتلاك عدد من تجارب الحياة الناجحة.
في نهاية المطاف، يولّد النجاح في إحدى مجالات الحياة الثقة التي يمكن أن تمتد إلى مجالات الحياة الأخرى.
خبرة في تحمل المسؤولية والفشل: يمكن للناس عادة التعامل مع النتائج السلبية لتحمل المسؤولية إذا كان عليهم تحمل جميع التكاليف. ما لا يستطيع الناس التعامل معه على ما يبدو هو خذلان الآخرين.
لذا، إذا كنا قد تحملنا المسؤولية في الماضي وتركنا أشخاصاً مهمين في حياتنا يسقطون، فإن الخوف من المسؤولية قد يطاردنا طوال حياتنا.
الكمالية والخوف من ارتكاب الأخطاء: في الكثير من الأحيان، عندما يتم منحنا فرصة لتحمل المسؤولية، قد يعني ذلك الخروج من منطقة الراحة الخاصة بنا، وهو أمر غير مريح، غير أن الاعتراف بأن الكمال هو هدف مستحيل وأن ارتكاب الأخطاء أمر جيّد - طالما أنها ليست أخطاء فادحة - يمكن أن يساعد في التغلب على مثل هذه المخاوف.
في دراسة أُجريت في العام 2012 بتكليف من منظمة ليدارنا السويدية للمديرين، سأل الباحثون أكثر من 4000 رجل وامرأة تتراوح أعمارهم بين 18 و 35 عاماً عن مواقفهم تجاه منصب المدير. كشف حوالي 40% من الفنلنديين والسويديين أنه ليس لديهم طموح ليصبحوا مديرين، وقال 84% من الباقين إنهم يريدون القيام بذلك لاحقاً في حياتهم المهنية.
ربما يكره بعض الناس تحمل المسؤولية إذا شعروا أنها مفروضة عليهم، أو ربما ليس لديهم النضج للوقوف وتحمل اللوم عندما تسوء الأمور.
يميل الناس للانقسام إلى ثلاث فئات: الأفراد الذين يتحملون المسؤولية الكاملة عن أنفسهم وعن الآخرين، الأشخاص الذين لا يتحملون المسؤولية أبداً عن أي شيء وأولئك الذين يشعرون بالتردد والخوف من تولي منصب قيادي.
رحلة العلاج
اعتبرت غنوة يونس أن الخوف الشديد من المسؤولية قد يكون مرتبطاً بالخوف من الأحكام المسبقة أو اختبار الفشل وعدم الحصول على تقدير معيّن أو حتى عدم السيطرة على زمام الأمور، مشيرة إلى أن الشخص المعني لا يكون لديه ثقة كبيرة في نفسه، إنما يملك مستوى منخفضاً من تقدير الذات: "لا يثق بنفسه وبقدرته على انجاز أمر معيّن، فيفضل أن يعزل نفسه وألا يتحمل المسؤولية".
"هذا النوع من الرهاب يشكل لدى الشخص مصدر قلق كبير داخله، ويعيش صراعاً بين الأفكار السلبية التي تدور حول عدم القدرة على تحمّل المسؤولية وبين ضرورة اتخاذ قرار والتقدم في مساره المهني أو الحياتي"
وبحسب يونس، فإن أغلب الدراسات أكدت أن الأشخاص الذين لديهم رهاب المسؤولية سبق وأن اختبروا صدمة معيّنة في مرحلة الطفولة، الأمر الذي جعلهم ينظرون إلى أنفسهم على أساس أنهم غير قادرين على تحمل المسؤولية والالتزام، منوهة بأن الطفل الذي يترعرع في كنف عائلة لا تقدّره ولا تعيره اهتماماً كبيراً، أو على العكس في حال كان يحصل على اهتمام مفرط وإحاطة شديدة من قبل الأهل، فإنه سيكون عاجزاً عن تحمل المسؤولية في وقت لاحق من حياته نتيجة التنشئة الاجتماعية المتطرفة، سواء كان ذلك في الإهمال أو في الاهتمام.
وبالنسبة لكيفية تجاوز رهاب المسؤولية، أشارت غنوة إلى أن الحل الأنجع قد يكون عن طريق العلاج المعرفي السلوكي، الذي يساعد على التعرف على جوهر الأفكار السلبية التي تكبّل الشخص وتجعله يشعر بالقلق والخوف من اتخاذ القرارات: "هذا الخوف هو نتيجة أفكار سلبية موجودة داخل الشخص، تجعله يشعر بقلق وبالعجز عن تحمل أي مسؤولية، ومن خلال العلاج المعرفي السلوكي والعلاج النفسي يتمكن الفرد من تخطي الأفكار السلبية والبعيدة عن العقلانية، ويصبح قادراً على السيطرة أكثر على القلق الذي يعيشه، فيحقق الإنجازات المرجوّة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين