شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
دليل المراهق العربيّ في الصداقة من العصر الوسيط

دليل المراهق العربيّ في الصداقة من العصر الوسيط

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 17 ديسمبر 202111:00 ص


نستخدم مراراً عبارة "سابع المستحيلات" للدلالة على أمر يصعب حدوثه، غيرَ مدركين ماهية المستحيلات الستة، وغير عارفين أن المستحيلات عند العرب ثلاثة وهي: الغول والعنقاء والخل الوفي! لطالما راودت أذهانَ الشعوب في مختلف الحضارات والأزمان أفكارٌ وخواطر حول قيمة الصداقة.

ولطالما تجلت هذه الأفكار في حواراتِ الناس، شعبيةً كانت أو فلسفيةً، فعن طريق تلك الحوارات تبلورت المفاهيم وتطورت إثر التفاعل والمشاركة. المرجح أن زبدة هذه الحوارات تصلنا اليوم على شكل كتابات نثرية وشعرية وفنون.

الصداقة كأسطورة

نقرأ مثلاً في أدب بلاد الرافدين عن ملحمة الصديقَين غلغامش وأنكيدو (الألف الثاني قبل الميلاد)، ونقرأ للخطيب والكاتب الروماني شيشرون (القرن الأول قبل الميلاد) آراءه الجريئة عن الصديق، ونسمع في ثمانينات لبنان من القرن العشرين عازار حبيب يغني "إنت رفيقي يا صديقي وأغلى من خيي الحقيقي". وكذلك عربياً، لم يكن الصوت الذي نطق بأدب الصداقة خافتاً، ولم يقتصر على لفظة "خَليلَي" التي نقرأها في شعر الحب. كان صوتاً قوياً، ولكن غالباً ما اعتادت آذاننا على سماعه.

تأتي "سلسلة المكتبة العربية للناشئة" لترفع هذا الصوت عالياً، إذ نشرت المكتبة العربية التابعة لمعهد جامعة نيويورك أبو ظبي ضمن هذه السلسلة كتاباً بعنوان "بوح المَرجان في اختيار الخلان".

لطالما راودت أذهان الشعوب في مختلف الحضارات والأزمان أفكار وخواطر حول قيمة الصداقة. ولطالما تجلت هذه الأفكار في حوارات الناس، شعبية كانت أو فلسفية، فعن طريق تلك الحوارات تبلورت المفاهيم وتطورت إثر التفاعل والمشاركة

يسلط هذا العمل الضوء على مختارات من الأدب العربي في العصر الوسيط تتمحور حول مفهوم الصداقة عند العرب. يضم الكتاب مختارات من كتب "الصداقة والصديق" لأبي حيان التوحيدي، و"تهذيب الأخلاق" لأبي علي بن محمد مسكويه، و"ترجمة الكاتب في آداب الصاحب" المنسوب لأبي منصور الثعالبي. وصوّر الكتاب الرسام التشكيلي محمود الداود.

تتعدد الآراء والسياقات التي ناقشت الصداقة في أدب العصر الوسيط، ولكنها تجتمع لترشد القارئ المعاصر في فهم ثقافة أسلافه لأنواع الصداقة وصنع الأصدقاء وصفات الخليل وآلية التعامل معه، وصولاً لأصدقاء السوء.

اللافت أن محتوى كتاب "بوح المَرجان في اختيار الخلان" شاملٌ لهذه الآراء المتعددة، إذ نقلَ مثلاً ما وَرَدَ في كتاب "تهذيب الأخلاق": "والصداقة نوع من المحبة إلا أنها أخص منها وهي المودة بعينها..."، ونقل نقيضَه الوارد في "الصداقة والصديق": "وكان العسجدي يقول كثيراً: الصداقة مرفوضة، والحفاظ معدوم... وقيل لرَوح بن زِنباع: ما معنى الصديق؟ قال: لفظٌ بلا معنى". فهل الرسالة هنا مفادها أن تجربة الصداقة هي أبداً شخصية وفردية، ولا تخضع للتعميم ولا للقواعد الثابتة؟

تتعدد الآراء والسياقات التي ناقشت الصداقة في أدب العصر الوسيط لعلّ أشهرها "الصداقة والصديق" لأبي حيان التوحيدي و"تهذيب الأخلاق" لأبي علي بن محمد مسكويه و"ترجمة الكاتب في آداب الصاحب" المنسوب لأبي منصور الثعالبي

فضلاً عن التعددية في الآراء، وبما أن أسلوب الكتاب هو "بوح" مباشر عن الأفكار والأشعار والآيات والمحادثات الأدبية الخاصة بالصداقة، قسِمَ الكتاب إلى محاورَ يجمع كل منها مختارات تدور في فلك المعنى الذي يؤديه كل محور. فنجد في قسم "اختيار الأصدقاء: لا تستكثرن من الصحاب" اقتباسات مثل:

"وأيضاً فإن من كثر أصدقاؤه لم يفِ بحقوقهم" (تهذيب الأخلاق)

"وإذ قد عرفنا هذه النعمة الجليلة الخطيرة فقد وجب علينا أن ننظر كيف نقتنيها ومن أين نطلبها، وإذا حصلت لنا كيف نحتفظ بها..." (تهذيب الأخلاق).

كما نقرأ في قسم "عتاب الأصدقاء: رأيت الهجر مبدؤه العتاب" أبياتاً مثل:

"لا تطفِئن جوىً بعتب إنه   كالريح تغري النارَ بالإحراق" (الصداقة والصديق).

"أردت عتابَكم فَصَفَحت، إني رأيت الهجرَ مبدؤه العتاب" (الصداقة والصديق).

لا يقتصر غنى الاختلاف الذي ينقله الكتاب على تعدد أوجه النظر والثيمات، بل حافظ المحرران أيضاً على تعددية خلفيات الأشخاص الذين اقتبَسَت منهم الكتب الثلاثة. فللشعراء كانت حصةٌ كبيرة من الكلام، كما كانت للشخصيات الدينية:

"قيل لصوفي: صِف لنا الصديق؟ قال: هو الذي إذا عرضَ لك بالمكروه، صرحتَ أنتَ له بالمحبوب، وإذا صرح لك بالمحبوب ساعدتَه عليه"(الصداقة والصديق)

"قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه: إياك ومصادقة ثلاثة: الأحمق، والكذاب، والفاجر..." (ترجمة الكاتب).

"قال عيسى بن مريم عليه السلام فيما حدثنا ابن الجمل الكاتب النصراني لتلامذته: علامتكم التي تعرَفون بها أنكم مني أن يَوَد بعضكم بعضاً". (الصداقة والصديق).

"وقال النبي: مَن أحب أن تدومَ له مودة أخيه فلا يعده وعداً يخلِفه فيه". (ترجمة الكاتب).

"قيل لصوفي: صِف لنا الصديق؟ قال: هو الذي إذا عرضَ لك بالمكروه، صرحتَ أنتَ له بالمحبوب، وإذا صرح لك بالمحبوب ساعدتَه عليه". (الصداقة والصديق).

كما تم الاقتباس أيضاً من فلاسفة: "وقال فيلسوف: خير الأصحاب من سَتَر ذنبكَ فلم يقَرعك، ومعروفَه عندك فلم يَمنن عليك." (الصداقة والصديق).

خبرات قديمة

ينقل الكتاب خبرات وآراء بوسعها أن تجيب عن شتى التساؤلات المتعلقة بالصداقة. وبالرغم من أن هذه الخبرات تعود لأكثر من ألف عام، فإن قراءتها بالشكل الذي وضعت فيه -دون تغيير المحتوى المنتقى أو تعديله-  تجعل مهمة الاستفادة منها أكثر سهولة.

فناهيك باختيار ما هو ملائم لقارئ العصر وتصنيفه ضمن محاور يجيب كل منها عن سؤال أو يتطرق إلى قضية ما، وناهيك بتعددية الأنواع الكتابية وخلفيات المتكلمين وتأثير ذلك على القارئ بحسب ميوله وشخصيته، فكان العنصر البصري الفني إضافةً قيمةً لصفحات الكتاب. جسدت الرسوم، بألوانها المتنوعة وأنماطها المختلفة، التعابير البصرية للألفاظ الواردة في المحتوى النصي.

 "الأشرار يتبعون مساوئ الناس ويتركون محاسنهم، كما يتبع الذباب المواضع الفاسدة من الجسد ويترك الصحيح" أفلاطون

ومن هنا، كان على هذه الرسوم أن تكون تجريديةً لما عبر النص عن مفاهيم مجردة، وظلية أو مائية بسيطة لما عبر عن أشكال حسية. 

أما الجدير بالملاحظة فهو وجود أقوال لفلاسفة العجم، وخصوصاً أولئك الذين يعود التاريخ بهم إلى مئات السنين قبل الميلاد. فنجد، على سبيل المثال لا الحصر، اقتباساً من سقراطيس: "والطريق إلى السلامة من هذا الخطر بحسب ما أخذناه عن سقراطيس: إذا أردنا أن نستفيد صديقاً أن نسأل عنه كيف كان في صباه مع والديه ومع إخوته وعشيرته..." (تهذيب الأخلاق)، وقولاً لأفلاطون: "الأشرار يتبعون مساوئ الناس ويتركون محاسنهم، كما يتبع الذباب المواضع الفاسدة من الجسد ويترك الصحيح". (ترجمة الكاتب)، وآخراً لأرسطوطاليس: "إن الإنسان محتاج للصديق عند حسن الحال وعند سوء الحال، لحاجته إليه في كلتا الحالتين". (تهذيب الأخلاق).

وهنا يأتي السؤال: هل قرأ مسكويه والثعالبي نصوص فلاسفة الإغريق كما يقرأ المراهق العربي اليوم "بوح المَرجان في اختيار الخلان"؟ ففي الحالتَين يتعامل القارئ مع نص دون مفاهيم حقبة تاريخية مغايرة، وفي الحالتين يتفاعل القارئ مع نتاج أدبي وثقافي يعود لقرون ماضية. هل ترتقي الصداقة فوق كل اعتبار زمني / مكاني / ثقافي؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image