ما علاقة أجساد النساء الروسيات والأوكرانيات بالدولة اللبنانية وتحديد مسارها السياسي؟
في حال طرحنا هذا السؤال على مجموعة من الأشخاص، سيجد هؤلاء أنه غير منطقي ولا إجابة واضحة عنه. لكن الوزير السابق وئام وهاب استطاع أمس أن يربط أجساد النساء الروسيات والأوكرانيات بعملية تشكيل هوية لبنان. جاء هذا الربط ضمن إطار النكتة ومحاولته شرح مدى سوء الوضع عبر استخدامه النساء وخيراتهنّ كمثال.
ففي مقابلة معه في برنامج “الحدث” مع الإعلامية سمر أبو خليل عبر قناة الجديد، قرّر وهاب أن يشارك مباشرة على الهواء حديثًا كان قد أجراه مع رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، حاول من خلاله أن يجيب على سؤال: “لبنان بلد شو؟” وبأسلوب ضاحك نقل وهّاب “النكتة” التي جاء فيها: “إذا بلد سياحة إلو شروطه. بلد زراعة إلو شروطه، إذا بلد صناعي إلو شروطه. إذا بلد دعارة بدنا نجيب 10 آلاف وحدة حلوة من روسيا وأوكرانيا. قرروا شو أنتم. إذا بلد دعارة قولولي في إلو شروطه كمان. بلد شو نحنا؟”
بحسب منطق وهّاب، في حال كان لبنان بلدًا زراعيًا علينا أن نستورد مثلًا البطاطا، وفي حال كان بلدًا للدعارة نقوم باستيراد أجساد جميلة وهكذا تبنى هوية لبنان على أجساد النساء الأوكرانيات والروسيات
هكذا، قرّر وهّاب أن ينقل بأسلوب ربّما هو رآه مؤثّرًا مدى الضياع الذي يعاني منه البلد. بالنسبة له، هو الذي لطالما اعتمد أسلوبًا مباشرًا بالكلام دون أي رادع، رأى أن وضع كلمة دعارة مع زراعة، صناعة وسياحة سينقل وجهة نظره عن مدى سوء الحال في البلد، وقرّر في الوقت عينه وبأسلوب تنميطي أنه في حال هذا البلد، أي لبنان، هو بلد دعارة سيكون الحل عبر جلب نساء أوكرانيات وروسيات من الخارج ليعملن فيه.
اللافت في المقابلة أن وهاب لم يستخدم حتّى كلمة امرأة التي استبدلها بـ”وحدة” وقال: “بدنا نجيب 10 آلاف وحدة حلوة” أي بمعنى آخر علينا أن نستورد نساء جميلات من الخارج لتلبية حاجة البلد. وبالتالي تعامل في تشبيهه مع النساء اللواتي يعملن في مجال تقديم الخدمات الجنسية على أساس أنهن سلع ولسن حتّى نساء أو من البشر، وأن ما يهم هو أنهن جميلات، التفصيل الذي عاد واستخدمه في محاولاته لتبرير نفسه. فبحسب منطق وهّاب، في حال كان لبنان بلدًا زراعيًا علينا أن نستورد مثلًا البطاطا، وفي حال كان بلدًا للدعارة نقوم باستيراد أجساد جميلة وهكذا تبنى هوية لبنان على أجساد النساء الأوكرانيات والروسيات.
عاملة سابقة في مجال الجنس ترد على وئام وهاب
في منطقة الحمرا في بيروت، وفي كاباريه صغير يعود إلى سبعينيات القرن الماضي قابلت قبل سنوات آنا (اسم مستعار) التي عملت مرافقة جنسية فيه خلال العام 2016 قبل أن يعود صاحب الكاباريه ويقفله نهائيًا لأسباب شخصية وليس لأسباب قانونية. آنا البالغة من العمر 40 عامًا جاءت حينذاك إلى لبنان لتتمكّن من إعالة عائلتها في موطنها. وقصدت تحديدًا هذا الكاباريه لأن صاحبه يعامل الفتيات بطريقة حسنة وقانونية.
في تواصل مع رصيف22، قرّرت فيه عدم الكشف عن هويتها الحقيقة قالت آنا إن العوائق الاجتماعية الملتصقة بهذه المهنة هي ما تجعلها صعبة، ففي الوقت الذي تموت فيه كل المهن وتبقى هذه المهنة على قيد الحياة، يصرّ الرجال الذين يقومون وحدهم بإحيائها على التعامل معها بقذارة، وذلك لأنهم يشعرون بالقذارة من أنفسهم ومن رواسبهم الفكرية وليس من النساء.
حين أخبرت آنا، التي عملت يومًا ما في مجال الخدمات الجنسية في بيروت عن مضمون مقابلة وئام وهاب ضحكت وردّت: “ لبنان ما في مصاري وما في شغل كلنا رحنا”.
لبنان ملآن بالعاملات في مجال الخدمات الجنسية، كما كل بلدان العالم، وفي حال تم سؤالهن عن قدرتهن على تشكيل هوية لبنان على أساس عملهن سيضحكن ويسألن: “ما علاقة الجنس ببناء دولة منهارة؟"
أمّا لورا.ص وهي امرأة روسية - لبنانية مقيمة في روسيا وتعمل في مجال الفن، اعتبرت أن التنميط الجنسي للنساء الروسيات في لبنان متوارث منذ عقود. وهي شخصيًا عانت منه ودفعها في بعض الأحيان إلى تغيير محيطها الإجتماعي لتتجنّب التعابير البذيئة والجنسية التي كانت تطالها. في مرات أخرى، نكرت لورا جذورها الروسية في لبنان كي تحمي نفسها من التنميطات المرافقة لهذه الهوية.
وأكّدت لورا أن والدتها المقيمة في لبنان منذ حوالي 30 عامًا والعاملة في مجال التعليم تتلقّى حتّى اللحظة رسائل جنسية عبر مواقع التواصل الإجتماعي فقط لأنها روسية.
السفارة تستنكر ووهّاب يعتذر
لكل الذين فهموا الكلام عن الروسيات خطأ يهمني القول
— Wiam Wahhab (@wiamwahhab) September 13, 2021
١- إن روسيا لديها جمال مميز وهذا أمر معروف
٢- لم يقصد بالكلام الإساءة بقدر ما أتى في إطار الجمال الروسي.
٣- إن المرأة الروسية مناضلة ومقاتلة ومحترمة دون شك وتحظى بإعجابي
في سياق متصل استنكرت السفارة الأوكرانية في لبنان تصريح وهاب، وعبرت عن غضبها في بيان، جاء فيه:
"عزيزي السيد وهاب
إن سفارة أوكرانيا في الجمهورية اللبنانية تحترم بشدة المعايير الديمقراطية، وحقّ الجميع في حرية الفكر والتعبير الحر عن آرائهم ومعتقداتهم.
وفي الوقت نفسه، تعبر سفارة أوكرانيا في الجمهورية اللبنانية والجالية الأوكرانية في لبنان، عن الغضب والاستياء من تعليقاتكم حول النساء الأوكرانيات، التي بثت على قناة الجديد اللبنانية.
ففي 12 أيلول 2021، خلال برنامج صباحي على قناة الجديد، وأثناء مناقشة الوضع السياسي في لبنان، وجهتم كلمات مهينة إلى مواطني أوكرانيا.
تعتبر سفارة أوكرانيا في الجمهورية اللبنانية والجالية الأوكرانية في لبنان مثل هذه التصريحات غير مقبولة وتنتهك كرامة الإنسان.وعليه، إن سفارة أوكرانيا في الجمهورية اللبنانية والجالية الأوكرانية في لبنان يطلبانكم باعتذار علني لمواطني أوكرانيا".
وهاب لم يستخدم حتّى كلمة امرأة التي استبدلها بـ”وحدة” وقال: “بدنا نجيب 10 آلاف وحدة حلوة” وبالتالي تعامل مع العاملات في مجال الجنس على أساس أنهن سلع ولسن حتّى نساء أو من البشر
حاول وئام وهاب أن يبرّر “نكتته” وموقفه من خلال تصريحات صحافية وتغريدات نشرها عبر حسابه الشخصي على تويتر، قال فيها إنه لم يقصد الإساءة بقدر ما قصد أن يذكر الجمال الفاتن الموجود في روسيا وأوكرانيا، وأن روسيا حليفة بالسياسة.
وبحسب وكالة أنباء المركزية أصدرت أمانة الإعلام في “حزب التوحيد العربي” بيانًا، قالت فيه:
“إن ما قصده رئيس الحزب في الموضوع الروسي والأوكراني هو الجمال الروسي والأوكراني وليس أي شيء آخر. فنحن من جهتنا نقدر نضال الروسيات عبر التاريخ في مواجهة الاحتلال النازي، وصولاً إلى الحروب التي خاضتها روسيا في سوريا وعلى صعيد كل العالم”.
وأضاف البيان: “كل التقدير والاحترام لكل من المرأة الروسية والأوكرانية، وإن تطلب الأمر منا تقديم اعتذار إذا ما كان كلام الوزير وهاب قد فهم في غير قصده، فاقتضى التوضيح”.
التنميط الجنسي للنساء الروسيات والأوكرانيات في لبنان متوارث منذ عقود
لبنان ملآن بالعاملات في مجال الخدمات الجنسية، كما كل بلدان العالم، ولهؤلاء النساء قصصهنّ الخاصّة، وفي حال تم سؤالهن عن قدرتهن على تشكيل هوية لبنان على أساس عملهن سيضحكن ويسألن: “ما علاقة الجنس ببناء دولة منهارة؟"، كما أن العمل الجنسي مثل كل المهن لا يمكن اختصاره بجنسية معيّنة.
كل التغريدات التي عاد ونشرها وئام وهاب لا تهم في الواقع، فالإساءة وجّهت للنساء أوّلًا، وللنساء الأوكرانيات والروسيات ثانيًا، وروسيا وأوكرانيا ولبنان ثالثًا. وذلك ليس لأنه تحدّث عن الدعارة، فالعمل في مجال الخدمات الجنسية موجود منذ القدم ولا يتعارض مع تاريخ البلدان، ولا يشكل إهانة للعاملات فيه. بل لأنه تحدّث عن النساء كسلع يتم استيرادها، وقرّر أن يختصر بلدانًا بالعمل الجنسي وبقصد مهين وقرّر أن حلول لبنان تمر من خلال النساء وبالتالي ربط وهاب انهيار بلد بأكمله من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والنفسية بأجساد النساء وكل هذا تحت إطار النكتة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...