شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
زجاج مطحون، رواية عبثية تتركنا مع الكثير من الأسئلة

زجاج مطحون، رواية عبثية تتركنا مع الكثير من الأسئلة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 8 يونيو 201711:38 ص
لا يضيّع الكاتب السوري "إسلام أبو شكير" الكثير من الوقت في روايته الأخيرة "زجاج مطحون"، إذ يبدأ الحدث الكبير منذ الصفحة الأولى، دون أي مقدمات تسبق هذا الحدث أو تعرّفنا بأبطاله. مباشرةً نجد أنفسنا وجهاً لوجه مع أربعة أشخاص محتجزين في مكانٍ مغلق غامض، ومع ذلك فإن جميع وسائل الحياة من طعام وشراب ودواء تتوفر فيه، بل وحتى وسائل الرفاهية من أسرّة نظيفة وخزائن وساعة رقمية... لكنه يفتقد إلى أي نافذة أو باب. لا يدرك الأربعة أي سبب قادهم إلى هذا المكان، ولا كيف وصلوا إليه، ولا من وضعهم فيه. "لم نكن في وضع يسمح لنا بالعثور على تفسير منطقي معقول لما حدث. أتكلم عن نفسي، على الأقل. لكن الاحتمال الأول الذي خطر في ذهني أنه مكانٌ للاحتجاز. معتقل. رهائن. مخطوفون... ليس بوسعي أن أؤكد أو أنفي... لكن الذي أراه وألاحظه يشير إلى شيءٍ قريب من هذا، دون أن يلغي أي احتمالٍ آخر، بالطبع... معتقل، أجدني ميالاً إلى القبول بهذا التفسير. مؤقتاً، ريثما تنجلي الصورة أكثر". يبدؤون بالتفكير في طريقة لخروجهم ولكن لا طريقة، يخافون الموت اختناقاً، لكن الهواء يتجدد تلقائياً بطريقة غامضة، يخافون الموت جوعاً بعد نفاد الطعام لكن كل ما يأكلونه يتم وضع بديل عنه أثناء الليل. الغرابة لن تتوقف هنا، إذ حين يبدأ هؤلاء بالتعرّف إلى بعضهم، يكتشفون أن كلاً منهم يحمل الاسم نفسه "إسلام أبو شكير"، وحين يدققون النظر يلاحظون أنهم يمتلكون الملامح نفسها، والشيء الوحيد المختلف هو آثار الزمن على كل واحد فيهم، ليدركوا أخيراً أنهم الشخص نفسه في مراحل عمرية مختلفة، فيطلقون على أنفسهم أسماء "العشريني"، "الثلاثيني"، الأربعيني"، "الخمسيني".
4 أشخاص في مكانٍ مغلق، يحملون الاسم نفسه، يمتلكون الملامح نفسها، وحدها آثار الزمن على كل واحد فيهم مختلفة
​زجاج مطحون، رواية عبثية لا معقولة تكشف تصدعاتنا النفسية وآثار الحرب علينا...
تصوّر الرواية كيف يتكيّف الإنسان مع أي وضعٍ جديد يكون فيه، حتى لو لم يكن هذا الوضع جيداً أو مناسباً أو مقبولاً. إننا إزاء رحلة من التكيّف والمزيد من التكيّف، وصولاً إلى مرحلة يصل فيها الأفراد إلى الانسحاق، والقبول بكل شيء، حتى تغدو أبسط أمور الحياة التي كانت عادية في وقت مضى، انتصارات وإنجازات تستحق الفرح والاحتفال، وتصير محاولات فهم ما يحدث غير مهمة، وتصبح الغاية الوحيدة هي محاولة البقاء على قيد الحياة فقط. "لن نكرر أخطاءنا الفادحة السابقة في البحث عن تفسيرات لأشياء لا تقبل التفسير. كانت لنا تجارب مشابهة من قبل، ثم تيقّنا أننا نبدد طاقتنا في غير طائل.. نحن نلاحق هلاكنا فقط... لنختصر الطريق إذاً، كفانا خيبات... ولنتقبّل الحقيقة الجديدة على مرارتها، كما تقبّلنا الحقائق الأخرى... نتعامل معها على أنها حدث طبيعي". يقسم الكاتب الرواية إلى قسمين وثلاثة عشر فصلاً، يبدأ كل قسم منهما بحدث كبير، فبعد الاحتجاز الغريب في القسم الأول، يبدأ القسم الثاني مع وجود حربٍ ضارية في الخارج، لا نعرف من يحارب من، ولا ما هي أسباب هذه الحرب، ولا حتى حقيقة وجودها، فكل ما نعرفه نحن هو ما تقوله الشخصيات المحتجزة، وما تشعر به. تنعكس أجواء الحرب على الشخصيات في الداخل، يعيشون أجواء القلق والترقب، يختلفون حول أبسط الأشياء وتبدأ أعصابهم بالانهيار. لا يقدم الكاتب أي خلفية عن حيوات هؤلاء الأربعة قبل احتجازهم، ولا حتى عن طريق ذكريات تتدفق إلى رؤوسهم في هذا المكان المغلق، وكأن وجودهم كله بدأ لحظة إدراكهم أنهم هنا، لا نعرف كيف بدأت حياتهم وإن كنا نعرف كيف انتهت، إذ نتابع موتهم واحداً وراء الآخر، يموت العشريني أولاً، ثم الثلاثيني فالأربعيني، وهم ينتظرون انتهاء الحرب، ويبقى وحيداً إلى آخر الرواية الخمسيني الذي لم يعد يعرف في أي عمر صار، في التعسين أم في المئة أم في المئة وعشرين، لكن لحسن الحظ أنه يشهد انتهاء الحرب، يعرف ذلك من وصول باقة ورود السلام البيضاء إلى الغرفة، "حان الوقت لأطلب النسخة المحدّثة للخريطة بعد أن انتهت الحرب. أين أصبح بيتي القديم؟ في أي جزء من البلاد؟ أظن أنني كنت أمتلك بيتاً في ما مضى، وأودّ أن أعرف أي راية ينبغي أن أرفعها على سطحه، لو سمحوا لي بالعودة إليه يوماً". تقرأ هذه الرواية الصغيرة دفعة واحدة، وفي وقت قصير نسبياً، غير أن قراءة أي عمل لا تنتهي بمجرد انتهاء صفحاته، بل بانتهاء القارئ من التفكير فيه، وهذه رواية تفتح باب التفكير واسعاً أمام تفسيرات وتأويلات لكل ما تمّت قراءته دون أن تقدم إجابة شافية ونهائية حول أي شيء، كل ما تفعله أنها تحرض تفكيرنا وتأخذه إلى مناطق بعيدة... وهذه أهم ميزاتها. إسلام أبو شكير، قاص وصحفي سوري مقيم في الإمارات العربية المتحدة. هو عضو لجنة تحكيم في عدد من الجوائز الأدبية العربية، وعضو هيئة تحرير في عدد من المجلات الثقافية. يشغل حالياً مهمة المنسق الإعلامي في اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات. صدر له ثلاث مجموعات قصصية: "43 > 40"، "استحواذ"، "الـ O سلبي الأحمر والمشع"، كما صدر له روايتان: "القنفذ"، و"زجاج مطحون". الناشر: منشورات المتوسط/ ميلانو - إيطاليا عدد الصفحات: 104 الطبعة الأولى: 2016 يمكن شراء الرواية عبر موقع نيل وفرات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image