شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
قآني ليس

قآني ليس "ظل سليماني"... هل فقدت إيران السيطرة على "الميليشيات العراقية"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 26 يوليو 202103:58 م

يبدو أن الجنرال الإيراني إسماعيل قآني يفتقر إلى القدرة على وقف هجمات الميليشيات العراقية الموالية لبلاده على الأهداف الأمريكية في العراق، وسط تكهنات متزايدة بأنه أضعف من سلفه في قيادة فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.

هذا ما أكدته مصادر لصحيفة الغارديان البريطانية، وفق تقرير نُشر الاثنين 26 تموز/ يوليو. في التقرير، أوضح مارتن شولوف، مراسل الغارديان في الشرق الأوسط، أن قآني كان قد اجتمع بمجموعة من قادة الميليشيات العراقية الموالية لإيران، الشهر الماضي في بغداد، في مسعى إلى إعادة الهدوء إلى الشارع العراقي المشتعل.

فرصة مهدرة لإثبات سطوته

ولفت شولوف إلى أن تلك كانت فرصة قآني لإثبات قدرته على التأثير على الميليشيات كما كان "الحاج قاسم" الذي فرض نفوذه في العراق وسوريا ولبنان، عبر وكلاء طهران، لنحو 15 عاماً قبل أن يُغتال بضربة أمريكية في كانون الثاني/ يناير 2020.

لكن اثنين من المشاركين في الاجتماع بين قآني والميليشيات، وآخر مطلعاً على ما دار فيه، أكدوا أنه فشل في تحقيق هدفه: إقناع الميليشيات بأن الاستمرار في إطلاق الصواريخ على السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء، أو على مطار أربيل شمال العراق ، حيث القوات الأمريكية، ليس في صالحها.

"لن يحصل الأمريكيون على نتائج أفضل مع قآني"... تكهنات بفشل إسماعيل قآني في السيطرة على الميليشيات العراقية الموالية لبلاده وإقناعها بوقف هجماتها على الأهداف الأمريكية بالعراق. هل كان اغتيال سليماني "وبالاً" على أمريكا؟

ومع تولي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الحكم، مطلع العام الجاري، أصبحت الهجمات التخريبية للميليشيات المدعومة من إيران في العراق على الأهداف الأمريكية أكثر جرأة، في نهجٍ تحدّى الجيش والحكومة العراقيين. ولم تتجاوز تحركات الحكومة العراقية -برغم اللهجة الحازمة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي منذ توليه المنصب قبل 18 شهراً- تجاه هذه الهجمات حد التصريحات العنترية، وفق شولوف.

واعتبر المراسل إحجام حكومة الكاظمي عن محاولة الهيمنة على الميليشيات دليلاً على "قوة وتأثير الميليشيات من خلال مخابئها الوفيرة للأسلحة واختراق مؤسسات الدولة".

وذكر أحد المشاركين في الاجتماع للغارديان: "كانت كل الأنظار عليه في البداية. ثم بدأوا (قادة الميليشيات) في النظر بعيداً. في نهاية الاجتماع، اعتقدوا أنهم عرفوا حجمه، وأن هذا ليس في صالح العراق. إنه ليس ‘حاج قاسم‘ جديداً، أصبح هذا مؤكداً".

وعلى مدار الأشهر الثمانية عشر من خلافة قآني لسليماني، تريث مؤيدو الجنرال الجديد وخصومه في الحكم على كفاءته للمنصب، وإن كانوا يفكرون في الوقت عينه في ما إذا كان قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب اغتيال أقوى رجل في العراق قد جعل البلاد مكاناً تسهل إدارته.

قال مصدر عراقي بارز للصحيفة البريطانية: "أعتقد أن الإجابة على السؤال الثاني هي ‘لا‘. العراق ليس أكثر أمناً، ولن يحصل الأمريكيون على نتائج أفضل مع قآني، لأن نفوذه أقل. مع سليماني، كنت تعرف ما لديك. ويمكنه السيطرة على الميليشيات إذا أراد ذلك".

لماذا قآني ليس سليماني جديد؟

على الرغم من أن قآني من قدامى المحاربين إذ شارك في عمليات فيلق القدس في أفغانستان لمدة 12 عاماً، كانت مهمته في خلافة سليماني شاقة للغاية إذ لم تكن لديه خبرة في العراق وسوريا، علاوة على أنه لا يتحدث اللغة العربية. والأهم أن قآني ليس مقرباً أو على علاقة مباشرة مع المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي، أو مكتبه.

وفي هذا الصدد، قال أستاذ علم اجتماع سياسي عراقي لرصيف22، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن "قآني يختلف من الناحية الشخصية عن سليماني الذي كان يمتلك شخصية كاريزمية قوية جداً، ويتحدث العربية، وعلاقته بالفصائل والعراقيين تمتد إلى 40 عاماً تقريباً، وهي الأمور التي يفتقر إليها قآني".

وقالت شخصية عراقية بارزة للغارديان: "عندما جلست مع الحاج قاسم، كنت أتحدث مع التاريخ. وكان على قدر كلمته. إذا أخبرك شيئاً فسيقدمه. الرجل الجديد ليس كذلك. ولست متأكداً أنه قد يكون".

وقال مصدر عراقي بارز آخر: "التقيت به (قآني) وهو ليس حتى ظل سليماني. إنه مخلص، لكنه يتعلم في هذه الوظيفة".

واعتبر مصدر عراقي بارز ثالث أن وفاة سليماني تركت "فراغاً هيكلياً"، وأضاف: "خامنئي لا يعطي الأوامر ولا يشارك في صنع القرار على المستوى الأدنى. عندما يقول الناس إنه يستطيع إيقاف الميليشيات إذا أراد ذلك، فهذا ليس صحيحاً حقاً، لأنه لا ينزل إلى هذا المستوى. هذا إلى حد كبير دور قائد فيلق القدس. المفارقة هنا هي أن الناس هنا يعرفون أنه (قائد الفيلق) لا يمثل بالضرورة موقف المرشد الأعلى. لذا فهم على استعداد لتحدّيه، معتقدين أنهم في مكانة متساوية، لجذب انتباه خامنئي".

في هذا السياق، قال توبي دودغ، من كلية لندن للاقتصاد، للغارديان: "لدينا شيئان منفصلان ومتقاطعان يحدثان. أولاً، تعمل الميليشيات بالتنسيق مع إيران لمساعدة طهران في الضغط على الولايات المتحدة للحصول على صفقة أفضل وأسرع بشأن اتفاق نووي جديد. ثانياً، وهو أمر أكثر أهمية لمستقبل العراق، أصبحت الميليشيات الرئيسية الآن مندمجة بعمق في النظام في قلب الدولة وتستفيد بشكل كبير من ذلك".

وتابع دودغ: "صراعهم مع الكاظمي وحملتهم العنيفة ضد النشطاء الديمقراطيين يتعلقان بالدفاع عن دورهم في قلب النظام وتوسيعه. يأملون في تأمين مكانتهم عبر زيادة ممثليهم في البرلمان خلال الانتخابات القادمة. هذه إستراتيجية الكلاشينكوف وصناديق الاقتراع للسيطرة على الدولة والمجتمع العراقيين".

أهمها الافتقار إلى علاقة مباشرة مع خامنئي… ثلاثة أسباب تجعل قآني بعيداً كل البعد عن أن يكون "حاج قاسم" جديداً أو حتّى "ظل سليماني"، والمصالح السياسية للميليشيات العراقية تزيد مهمته صعوبة

غير أن الأكاديمي العراقي يرى أن هناك عوامل أخرى ساهمت في ضعف سطوة إيران على الميليشيات العراقية الموالية لها، حسبما أشار لرصيف22. قال: "عقب اغتيال سليماني، تمت تجزئة الملف العراقي في إيران وتوزيعه بين الحرس الثوري ومجلس الأمن القومي الإيراني، وهذا الأخير منح جزءً مهماً من الصلاحيات إلى وزارة الاستخبارات الإيرانية".

كما لفت إلى أن الفصائل العراقية انتهزت الفرصة لـ"الاستقلال"، وهي التي كانت "محرجة" من "ثقله وهيمنته" في حياته.

وشرح: "الفصائل تحررت وما عادت تستمع إلى نصائح أو أوامر الجانب الإيراني. وهذا ساهم فيه أمر آخر وهو الاستقلال المالي والتسليحي للميليشيات عن الجانب الإيراني وكذا الحكومة العراقية عقب انتهاء المعارك ضد تنظيم داعش"، منوهاً بأن الميليشيات نجحت في تحقيق هذا الاستقلال عبر مكاسبها من المشاريع والمقاولات والابتزاز وعمليات الاستيلاء التي نفذتها.

واعتبر أستاذ الاجتماع السياسي أن استقلال الميليشيات مالياً وتسليحياً والتحرر من قبضة سليماني وضعف قآني وخروج الملف العراقي من يد الحرس الثوري كانت الأسباب وراء "هذا المشهد، الفلتان وعدم الانصياع إلى الدولة أو قادة الحشد الشعبي أو إيران"، علاوة على الخلافات الإدارية والسياسية والمالية بين هذه الفصائل وبعضها البعض. 

أبو جهاد ومجابهة قآني

مع مواصلة قآني مساعيه إلى ترسيخ سلطته، استعاد محمد الهاشمي، الشهير بأبي جهاد، صدارة المشهد. وللهاشمي صلات طويلة الأمد مع إيران، وقد تزايد اعتقاد شخصيات بارزة في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة بأن بإمكانه إنجاز الأمور.

ولعب الهاشمي، أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي والمتهم بإصدار أوامر بقتل المتظاهرين العراقيين والمقرب سابقاً من سليماني، دوراً في التفاوض على انسحاب الميليشيات العراقية في حزيران/ يونيو الماضي.

ودفع دوره هذا بعض المراقبين العراقيين والأمريكيين إلى الإشارة إلى أن الشخصيات المحلية التي تتولى مسؤولية القرارات المحلية ينبغي أن تكون مقدمة على سليماني، أو أي إيراني آخر، في إدارة الأمور. لكن في عراق ما بعد الحرب، ظل إضعاف نفوذ إيران أو أي قوة أجنبية أخرى متدخلة في البلاد بعيد المنال،  بل تسبب أحياناً في نتائج عكسية.

قال مسؤول أمريكي على صلة وثيقة بإدارة بايدن للغارديان: "الحقيقة هي أن إيران لها وجود كبير في الشأن العراقي. إذا واصلنا تجاهل هذا الأمر، فلن نتحرك أبداً وسيتفكك العراق"، مردفاً: "حان وقت التكيّف، والعثور على الشخص المناسب لمساعدتنا في القيام بذلك. لا يمكن السماح للميليشيات بإدارة الأمور".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image