الجدل الدائر حول السكر والمُحَلِّيات الصناعية لا ينتهي...
في العام 1879، تم اكتشاف السكرين، وهو أوّل مُحلِّي صناعي، عن طريق الصدفة، عندما لاحظ البروفيسور الأميركي إيرا رمسن من جامعة جونز هوبكنز، مادة حلوة المذاق على يديه بعد تجربة مواد كيميائية مختلفة في المختبر، وسرعان ما أصبح هذا المُحلِّي شائعاً للغاية بسبب سعره المنخفض.
ونظراً لكون السكرين يفوق السكر حلاوة ولا يحتوي على سعرات حرارية، فهل هذا يعني أنه يجب استبدال السكر التقليدي بشكل قاطع بالمُحَلِّيات الصناعية؟
المُحَلِّيات تجتاح السوق
بالعودة إلى السنوات الماضية، من الملاحظ أن السكرين انتشر بشكل خاص خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك لكون السكر العادي كان شحيحاً في ذلك الوقت.
أما اليوم، فقد باتت المُحَلِّيات الصناعية، على اختلافها، تشكل جزءاً مهماً في السوق الضخم للأطعمة والمشروبات الخالية من السكر أو تلك التي تندرج في إطار الحميات.
نظراً لكون السكرين يفوق السكر حلاوة ولا يحتوي على سعرات حرارية، فهل هذا يعني أنه يجب استبدال السكر التقليدي بشكل قاطع بالمُحَلِّيات الصناعية؟
واللافت أن الشعبية التي اكتسبتها بدائل السكر هذه ليست بسبب رخص ثمنها، بل لاعتماد الكثير من الأشخاص عليها لمكافحة خطر السمنة والآثار الصحية المرتبطة بها، وذلك لكون المُحَلِّيات الصناعية قادرة على توفير المذاق الحلو من دون السعرات الحرارية الموجودة في سكر المائدة العادي المكون من الغلوكوز والفركتوز.
وعليه، إذا كان المرء يحاول تقليل السكر والسعرات الحرارية في نظامه الغذائي، فقد يتحول إلى المُحَلِّيات الصناعية أو بدائل السكر الأخرى، الموجودة في مجموعة متنوعة من الأطعمة والمشروبات التي يتم تسويقها على أنها "خالية من السكر" أو صالحة للحمية، بما في ذلك المشروبات الغازية والمخبوزات.
آثار جانبية
لعقود من الزمان، واجه العلماء صعوبة في معرفة ما تفعله المُحَلِّيات الصناعية لأجسامنا.
على الرغم من قلّة أو انعدام السعرات الحرارية في المُحَلِّيات الصناعية، إلا أن هذا لا يعني بأنها خالية من بعض الآثار الجانبية: تتفاعل المُحَلِّيات مع مستقبلات الطعم الحلو في الفم والأمعاء، الأمر الذي قد يؤثر على الأيض، كما انها قد تتفاعل أيضاً مع البكتيريا التي تشكل ميكروبيوم الأمعاء.
لا يوجد أي علاقة بين المُحَلِّيات الصناعية المعتمدة ومرض السرطان
من هنا، يعتقد الباحثون أن احتساء كوبين يومياً من المشروبات الغازية أو القهوة المحلاة بمُحلِّيات صناعية كافيان للتأثير على صحة الأمعاء، ومن الممكن حتى أن تجعل من الصعب على الجسم معالجة السكر العادي والكربوهيدرات الأخرى.
وفي سياق دراسة أجراها الباحث كوشمارو على أشهر المُحَلِّيات الصناعية مثل الأسبرتام والسكرين، كشف ان هذه المُحَلِّيات لها تأثير سام ومجهد على الأمعاء ما يجعل من الصعب على ميكروبات الأمعاء المفيدة أن تنمو وتتكاثر: "نحن لا ندّعي أنها سامة للبشر، ولكننا نقول إنها قد تكون سامة لبكتيريا الأمعاء المفيدة، ما سوف سيؤثر علينا".
وعلى الرغم من إجراء أكثر من 200 ألف دراسة على بدائل السكر، إلا أن المعلومات بشأن آثارها الصحية لا تزال نادرة، باستثناء تأكيد العلماء على أن استهلاك كميات معتدلة من المُحَلِّيات الصناعية لن يسبب السرطان لدى البشر، وهو تخوّف نشأ جرّاء دراسة صدرت في العام 1978، والتي وجدت أن الفئران التي تغذت على السكرين أُصيبت بسرطان المثانة، غير أنه ثبت في وقت لاحق أن هذا الأمر يحدث فقط عند الفئران، وأن السكرين لا يسبب السرطان لدى البشر.
وفي هذا الصدد، خضعت جميع المُحَلِّيات الصناعية المعتمدة من قبل الاتحاد الأوروبي وإدارة الغذاء والدواء للاختبار على حيوانات التجارب وتم تجميع بيانات لدى البشر، واتضح أنه لا يوجد أي علاقة بين المُحَلِّيات الصناعية المعتمدة ومرض السرطان.
هل تساعد المُحَلِّيات الصناعية فعلاً على إنقاص الوزن؟
إن عامل الجذب الرئيسي الكامن وراء المُحَلِّيات الصناعية يتمثل في قدرتها على أن تحلّ مكان السكر، الذي يعدّ من المسببات الرئيسية للسمنة.
من هنا، حاولت العديد من الدراسات الربط بين المُحَلِّيات الصناعية ومسألة إنقاص الوزن، وقد خلصت دراسة تحليلية أُجريت في العام 2018 وجمعت نتائج 56 دراسة مختلفة، أن الأشخاص الذين عانوا من زيادة الوزن أو السمنة واستبدلوا السكر بالمُحَلِّيات الصناعية، فقدوا وزناً أكبر من نظرائهم الذين يتناولون السكر العادي.
في المقابل، حاول بعض العلماء تفسير عدم قدرة بعض الأفراد على خسارة الوزن رغم استخدامهم المُحَلِّيات الصناعية، لا بل اكتسابهم الوزن في بعض الحالات.
فقد شرحت أخصائية التغذية، الدكتورة كورنيلي نينابر روسو، أن تأثير المُحَلِّيات على نظام المكافآت الغذائية "قد يساهم في زيادة الشهية، ويحفز سلوك البحث عن الطعام، ويزيد الرغبة الشديدة في تناول السكر"، مشيرة إلى أن المُحَلِّيات الصناعية الخالية من السعرات الحرارية تبدو وكأنها تغيّر من ميكروبيوم الأمعاء.
صحيح أن المُحَلِّيات الصناعية خالية من السعرات الحرارية، وهي ميزة رئيسية، غير أن البيانات المتعلّقة بآثارها الصحية الإيجابية مخيبة للآمال بعض الشيء، بحيث كشفت البروفيسورة جيني براند- ميلر من جامعة سيدني بأن انتشار السمنة وزيادة الوزن قد تضاعف ثلاث مرات في الخمسين سنة الماضية، بالرغم من شعبية المُحَلِّيات الصناعية منخفضة السعرات الحرارية وانتشارها في كل مكان.
الربط بين بدائل السكر وفقدان الوزن يعتمد بشكل رئيسي على الوزن الأصلي للفرد والنظام الغذائي الذي يتبعه
في حديثها مع موقع رصيف22، أوضحت الأخصائية في علم التغذية سالي الزين، أن الاستهلاك الزائد للسكر يضرّ بالصحة ويؤدي إلى تخزين الدهون في الجسم: "تؤدي الكمية المفرطة من السكر إلى زيادة الوزن والتسبب في السمنة، بالإضافة إلى تعريض الشخص المعني للإصابة بداء السكري من النوع الثاني".
وعليه، تنصح الزين كل شخص يستهلك كميات كبيرة من السكر في اليوم باستبدالها بالمُحَلِّيات الصناعية كخطوة أولية، منوِّهة بأن الربط بين بدائل السكر وفقدان الوزن يعتمد بشكل رئيسي على الوزن الأصلي للفرد والنظام الغذائي الذي يتبعه.
وقد أوضحت سالي أن الدراسات لم تحسم الجدل بعد بشأن إمكانية استبدال السكر نهائياً بالمُحَلِّيات الصناعية، بخاصة وأن بعض الأبحاث تشير إلى أن البدائل الخالية من السكر مفيدة لمن يحاول إنقاص وزنه، في حين تؤكد البيانات الأخرى أن المُحَلِّيات الصناعية ليست الخيار المتاح الأكثر صحة.
وعليه، اعتبرت سالي الزين أنه من الأفضل على المرء أن يوازن في استهلاكه بين السكر العادي والمُحَلِّيات الصناعية، مشددة على أهمية اللجوء إلى الخيارات الطبيعية، مثل العسل، للحصول على المذاق الحلو والآمن في الوقت نفسه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون