شارات المسلسلات أحد وجوه الصّخبِ الدرامي الذي تشهدُه المواسمُ الرمضانية كلّ عام، لطالما كانت وماتزال الاستهلالَ الذي يحكي هويةَ المسلسل واتجاهَه، فضلاً أنها عاملٌ لكسب ودّ المتلقي خاصةً مع ظهور أصوات النجوم العرب على الشارات خلال السنوات الأخيرة.
الشارات دون شك تعزّزُ انتشار العمل والتعريف به قبل بدء عرضه، درجةَ أن بعضَ الشارات تحقق ملايين المشاهدات على يوتيوب قبل بدء شهر الصوم، ربما هذا دليلٌ على أنّ شارات المسلسل فضاءٌ قائمٌ بذاته له صُنّاعُه وتأثيره الذي قد يتجاوز تأثيرَ العمل واستمراره أيضاً.
شارات الدراما المصرية: عراقة وتنوع
يحقّقُ مسلسل "واحة الغروب" مشاهداتٍ عاليةً حسبَ آراء نقادٍ ومتابعين، جاذباً المتلقي من لحظة عرض الشارة. https://youtu.be/ThSMztSpfA8 آثارٌ قديمة يمشي عبرها بطلا العمل (منة شلبي وخالد النبوي) يرافقهما صوت الفنان وائل الفشني في موائمة بين زمن القصة (القرن 19) وطريقة الأداء الأقرب إلى الإنشاد: "سافر حبيبي وداخل لي يودّعني، بكى وبلّ المحارم وأنا قلت إيه يعني؟ والله فراق الحبايب مُرّ يوجعني". كلماتٌ من التراث الصعيدي اختارها الفشني ليؤديها بلهجةٍ جمعت بين البدوية والصعيدية تحديداً نجع برطباط بمحافظة المنيا القادمِ منها حسب قوله مضيفاً لـ"رصيف22"، أن الموسيقي تامر كروان لحن الشارات وأخرجه لتُسجلَ الأغنيةُ في سلوفاكيا مع موسيقى العمل التصويرية معللاً أن الأوركسترا في مصر غير مهيأة لتسجيلٍ عالي الجودة والدقة. درس وائل الفشني الموسيقا في إيطاليا منتصف التسعينيات وبعد عودته عمل مع الموسيقيَّين فتحي سلامة ويحيى خليل، أيضاً قدمه الفنان علي الحجار في حفلات عديدة، أكثر مايميزه أدائه الأقرب إلى الإنشاد كنتيجة طبيعية لنشأته وسط عائلة الفشني التي عرفت بأنحاء مصر بالإنشاد والابتهالات. ولشارات المسلسلات الشعبية مساحتُها الخاصة وجمهورها الذي يترقبُها ويتابع أعمالها القائمة على حكايا الحواري البسيطة. الحب، الفقر، البلطجة إشكالات تنسج بنية هذه الأعمال. أما الشارات فتحمل ذاتَ الطابع ويؤديها أيضاً مغنون شعبيون أحدهم الفنان أحمد شيبة الذي يغني شارة مسلسل "اللهم إني صائم" للمخرج أكرم فريد. وتقدم الفنانة بوسي شارة مسلسل "الحساب يجمع" للمخرج هاني خليفة، أما شارة مسلسل "رمضان كريم" للمخرج سامح عبد العزيز فيغنيه الفنان حكيم وقد حقق مشاهدات قاربت المليون مرة على يوتيوب. https://youtu.be/xtRoFhRzFAs على ضفة أخرى استهلت بعضَ أعمال الدراما الاجتماعية شارات رومانسيةٌ حاكت فحوى تلك الأعمال التي تضيء على هموم الحب والعائلة والصحة، الفنانة شيرين قدمت شارة مسلسل "حلاوة الدنيا" الذي يحكي قصة مريضة سرطان تنعطف حياتها بعد إصابتها بالسرطان، أخرج العمل حسين المنباوي. أيضاً تميزت الفنانة أصالة في أداء شارة مسلسل "لاتطفئ الشمس" إخراج محمد شاكر خضير، سيناريو تامر حبيب عن رواية للكاتب إحسان عبد القدوس. https://youtu.be/ONpWvyn0OL0شارات الأعمال السورية: "ياناس خلوني بحالي"
لم يكن حالُ شارات المسلسلات السورية بأفضل منه في الأعمال التي عصفت بها الحرب وبات حالُها كما قال الروائي خليل صويلح في مقال له "الاحتضار الذي تعيشه هذه الدراما أتى، عمليّاً، كمحصلة للحرب الشرسة على البلاد في كل ما يخصّ قيم الحداثة السورية". صدعٌ كبير فصل الدراما السورية عن تاريخها الثرّ الذي بقيت بعض أعماله حيّة حتى اللحظة. ففي جزئه الـ13 يواصل مسلسل "بقعة ضوء" في تقديم كوميديا الواقع السوداء عبر رؤية فنية تتماهى فيها الضحكةُ والدمعة، في حين لاتزال شارة المسلسل نابضة بالجمال الذي أبدعه الموسيقي طاهر مامللي وغناه الفنان عاصم سكر برفقة المغنية ديمة أورشو. وكأن الأغنية باتت صوتاً لحال المواطن السوري اليوم طالباً أن يُترك بحاله ولحاله بعيداً عن وجع الحرب والدم "ياناس خلوني بحالي وحدي ومرتاح بالي".الأغاني التي تحقق ملايين المشاهدات، كيف نجحت بفضل المسلسلات، وباستقلالية عنها.
أصوات النجوم العرب المحبوبين تطل على الناس في شهر رمضان في أغاني المسلسلات.سعى الموسيقي السوري إياد الريماوي خلال تجربته لتقديم هويةٍ موسيقية خاصة لكل عمل يؤلفه وذلك ماتجلّى في موسيقى مسلسل "أوركيديا" التي ألفها وسبقت شهرتها العمل ذاته فتوافقت مع الصورة الفنتازية الملحمية التي أخرجها الفنان حاتم علي. https://youtu.be/foh_uriz2hw أنجز صاحب "حكايات من دمشق" خلال السنوات الأخيرة موسيقى لشارات تركتْ أثراً جعل اسمَه في الطليعة، منها أغنية "سفرني ع أي بلد" من مسلسل "ضبو الشناتي" 2015، وأغنية "قلبي علينا" من مسلسل "الندم" 2016، العملان للمخرج الليث حجو.
في الخليج الشارات تدور حول نفسها
لم تتحرّر الدراما الخليجية بعد من مصيدة المحلية لأسباب عديدة، رغم محاولاتِها الحثيثة لتخصيص مساحة على الشاشة العربية. كذلك الشارات شأنها شأن الأعمال لم تتجاوز حدودَ الخليج، ولم يشفع لبعضها أنها قُدمت بأصوات مغنين على درجة من الأهمية، فالفنانة اليمنية بلقيس غنّت شارة مسلسل "رمانة" بطولة الفنانة حياة الفهد، والشارة تختزل فحوى المسلسل الكوميدي الذي أخرجه حسام حجاوي. https://youtu.be/wLZO4H1o-Rw أيضاً الفنان الكويتي عبد الكريم عبد القادر أدى شارة مسلسل "كان في كل زمان" بطولة الفنانة سعاد العبدلله، سيد الطرب الخليجي كما يُسمى حمّل الأغنية الكثير من الشجن بصوته العذب معبراً بكلماتها عن مضمون المسلسل الذي يقدم قصصاً عن قضايا يعايشها المجتمع الخليجي والعربي.قانون الدراما هو الحَكَم النهائي
"بعضُ الشارات تحققُ جماهيريةً لِما حملته من تميّز، وأخرى تنجح لتقديمها حالة درامية مرتبطة بالعمل ذاته" يقول الناقد طارق الشناوي مضيفا لـ"رصيف22" أن انتشار الشارات ليس مؤشراً على نجاح العمل، إنما يعول هنا على نجاح القائمين عليه –لحناً وكلماتٍ وأداء. ويؤكد الشناوي أن بعضَ الشارات تعيش وتستمر بفضل العمل الدرامي ذاته، لكن تبقى الشارات عنصراً غيرَ حاسمٍ لأهمية العمل لأن الأصل هو الدراما والحَكَم هنا هو قانون الدراما، بينما مهمة الشارة هي التمهيد لحالة العمل الفني والتعبير عما سيقدم حسب قوله، معتبراً أن استمرار الشارات هي دليل التوظيف الدرامي الصحيح. يستحضر الشناوي الجزء الـ6 من مسلسل "ليالي الحلمية" الذي عرض العام الفائت "رغم غياب عمالقةٍ عن المسلسل كيحيى الفخراني وصلاح السعدني إلا أن فريق العمل لم يستطع الاستغناء عن شارة العمل القديم لما يحملُه من حميمية لن تُعوَّضَ بأيّ عمل موسيقي آخر". مضيفاً أنّ العمل فشل لعدم جديته وإخلاصه لليالي القديمة –الأجزاء السابقة– إلّا أن الشارات قد صُنّفت الأنجح في الموسم الرمضاني لعام 2016. يتابعُ صاحب "زمن تحية كاريوكا" أن "وجه القمر" كان المسلسل الأخير الذي قدمته الفنانة فاتن حمامة وقد فشل أيضاً لأسباب عدّة لكن الشارات التي قدمها عمر خيرت لاتزال عالقة في مسامعنا، بل ويقدمها في حفلاته حتى الآن إلى جانب أعمال ألّفها منذ عقود لكنها حاضرة ويعزفها لجمهوره في كل حفلة له، وهذا دليل ارتباط نجاح الشارات واستمرارها بتميّز القائمين عليه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.