من هو/ ي الشخص الذي/ التي تقارن/ي نفسك به/ا كثيراً بشكل عام، أو على الأقل في الـ 24 ساعة الماضية؟ متى كانت آخر مرة قمت/ي فيها بالتحقق من فيسبوك وأنستغرام، وشعرت/ي بالحسد من الآخرين/ات، وبأن حياتك أصبحت باهتة مقارنة بحياته/ا ونشاطاته/ا التي لا تنتهي؟ متى قلت/ي في قرارة نفسك: لماذا هو/ هي وليس أنا؟
إن المقارنة هي لعبة قديمة قدم الأنسان، نتعلمها ما إن تبصر عيوننا النور، ولو كان ذلك عن غير قصد. في البداية تكون عملية المقارنة "بريئة"، كأن نقوم بمقارنة ألعابنا بألعاب الآخرين، ومع التقدم بالعمر تصبح المقارنة أكثر شمولية، والانخراط بها قد يكون محفزاً لنا أو مدمراً لحياتنا، بخاصة وأنه وعندما نقارن أنفسنا بالآخرين، فإننا غالباً ما نضع في الحسبان أفضل ميزاتهم/نّ مقابل ميزاتنا العادية. يبدو الأمر وكأننا نستخدم يدنا اليمنى ونحاول العزف على آلة بيدنا اليسرى، فنحن لا نتطلع فقط لكي نكون أفضل من الآخرين، بل مجرد الإدراك في اللاواعي بأننا لسنا كذلك، قد يصبح مدمراً للذات.
مشاكل مترتبة عن المقارنة
تحدث الباحثون عن وجود نوعين من المقارنة الاجتماعية: المقارنة الاجتماعية التصاعدية، حيث ننظر للأشخاص الذين نشعر أنهم أفضل حالاً مما نحن عليه، في محاولة للحصول على إلهام وتفاؤل أكثر، ومقارنات اجتماعية تنازلية، حيث ننظر للأشخاص على أنهم أسوأ حالاً مما نحن عليه، في محاولة للشعور بتحسن تجاه أنفسنا ووضعنا.
صحيح أن هذه المقارنات ليست دائماً سيئة بالنسبة لنا، لكنها قد تكون في بعض الأحيان أقل فائدة مما نعتقد، وفي بعض الأحيان تكون ضارة حقاً لمستويات السعادة والتوتر.
المقارنة تسلبنا أغلى ما نملك: الحياة نفسها
بعض العوامل التي تؤثر على ما إذا كانت المقارنات الاجتماعية مفيدة أم ضارة، هي تقديرنا لذاتنا والضغوط التي نمر بها بالفعل في حياتنا، وما إذا كنا نجري مقارنات اجتماعية تصاعدية أو تنازلية.
في هذا الصدد، تحدث موقع quartz عما أسماه "لعبة التسلسل الهرمي الاجتماعي"، أي مقارنة أنفسنا بمن حولنا، للتأكد من أننا على ما يرام أو أفضل من أقراننا، أو استخدام الترويج الذاتي كأداة لتسلق السلم الاجتماعي.
من وجهة نظر علم النفس التطوري، فإن مراقبة الغير هي سلوك تكيفي: كان على البشر الأوائل تجنب الرفض من المجموعة للبقاء على قيد الحياة، لذلك ارتبطت المكانة بالبقاء والوصول إلى الموارد.
مقارنة أنفسنا بالآخرين تمنعنا من عيش حياتنا بشكل كامل، بحيث أنها تدفعنا إلى الحسد والسعي وراء حياة الآخرين بدلاً من تحسين حياتنا
واليوم، وعلى الرغم من أن ظروفنا قد تغيرت بشكل كبير، إلا أن هذه العادة القديمة لا تزال تظهر في العلامات التجارية التي نشتريها، ما نشاركه على أنستغرام، الطعام الذي نأكله وحتى الكتب التي نقرؤها.
سواء كنا نقارن حجم منزلنا أو راتبنا أو أي من الأشياء القابلة للقياس (وحتى غير القابلة للقياس)، فأننا نفعل ذلك طوال الوقت. لكن هناك مشاكل مترتبة عن هذه العادة:
غالباً ما نقارن الأشياء الخاطئة: لا شك أننا نعيش في عالم يسهل فيه عملية قياس الأشياء ومقارنتها، وعبر السنين تعلمنا أن نحدد قيمة حياتنا من خلال مقارنة الملابس، السيارات، المنازل، الراتب أو حتى مقارنة عدد المتابعين لدينا على مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة لغيرنا، لكن هذه العوامل والمظاهر الخارجية نادراً ما تكون مقياساً جيداً، فالقيمة الصافية لم ولن تكون يوماً مؤشراً جيداً للقيمة الذاتية.
نقارن دوماً أسوأ ما لدينا بأفضل ما لديهم: دائماً ما تكون مقارنة حياتنا بالآخرين مسألة خاسرة، لأنه سيكون هناك أشخاص "يظهرون" دوماً على أنهم أفضل حالاً منّا، ويجعلوننا نعتقد أنهم يعيشون حياة مثالية. فنحن، في نهاية المطاف، نقارن أسوأ ما نعرفه عن أنفسنا بأفضل الافتراضات التي لدينا عن الآخرين، من هنا يجب علينا أن نعي جيداً بأن حياة الآخرين ليست مثالية كما نظن.
لا يوجد حدّ للعبة المقارنة: هناك عدد لا حصر له من الفئات التي يمكن مقارنة أنفسنا بها، وعدد لا حصر له من الأشخاص لنقارن أنفسنا بهم، والحقيقة أنه وبمجرد أن نبدأ في لعبة المقارنة هذه، فلن نجد أبداً نهاية لها.
الحياة ليست على منحنى: كيف نقيم الآخرين ليس له أي أهمية في حياتنا على أي حال، فهذه المقارنة بيننا وبينهم/نّ لا تحدث فرقاً على الإطلاق. الهدف من الحياة ليس أن نكون أفضل من 50% من الآخرين على هذا الكوكب، بل أن نكون في أفضل حالاتنا وأفضل نسخة من أنفسنا.
التركيز على الشخص الخطأ: يمكننا التحكم في حياة واحدة والتي هي حياتنا، وبالتالي، عندما نقارن أنفسنا باستمرار بالآخرين، فهذا يعني بأننا نهدر طاقة ثمينة في التركيز على حياة الآخر بدلاً من التركيز على حياتنا الخاصة.
المقارنة تسلب الفرح: ستؤدي مقارنة أنفسنا بالآخرين دائماً إلى الندم على ما لسنا عليه، بدلاً من الاستمتاع بالحياة. أي أن المقارنة ستسرق الفرح والسعادة التي هي في متناول أيدينا، بخاصة عندما ننغمس في مواقع التواصل الاجتماعي.
في هذا السياق، وجدت دراسة حديثة في مجلة علم النفس السيبراني والسلوك والشبكات الاجتماعية، أن استخدام فيسبوك مرتبط بانخفاض احترام الذات، ضعف الصحة العقلية وزيادة الشعور بالخجل من الجسم. وقد شهد أولئك الذين ابتعدوا عن فيسبوك على الفور زيادة في الرضا عن الحياة والمشاعر الإيجابية.
إذن، يمكن القول إن مقارنة أنفسنا بالآخرين تمنعنا من عيش حياتنا بشكل كامل، بحيث أنها تدفعنا إلى الحسد والسعي وراء حياة الآخرين بدلاً من تحسين حياتنا، بمعنى آخر، إن المقارنة تسلبنا أغلى ما نملك: الحياة نفسها.
كيف نتوقف عن مقارنة أنفسنا بالآخرين؟
بالرغم من أنه ليس من السهل التوقف عن مقارنة أنفسنا بالآخرين، بخاصة في ظل هذا العالم التنافسي الذي نعيش فيه، والذي يحتم علينا التفوق واستثمار المزيد من الوقت والطاقة من أجل ضمان استمراريتنا، إلا أن هناك بعض الخطوات التي من شأنها مساعدتنا على التخلي عن هذه العادة التي تكون في بعض الأحيان مدمرة:
إدراك المشاكل الكامنة في مقارنة أنفسنا بالآخرين: لماذا التمسك بأي عادة في حياتكم/نّ تعزز الشعور بالدونية وتحثكم/نّ باستمرار على الحسد والمنافسة والنزاع؟ في بعض الأحيان، يكون مجرد التفكير بـ "الحماقة" التي تحتويها العادة هو أهم خطوة في عملية التغلب عليها.
احتضان النفس: لا شك أن هناك الكثير من الأشياء الرائعة في حياتكم/نّ، ما يعني بأنه لديكم/نّ الكثير للإحتفال به، وعليه، فإن أي مقارنة بينكم/نّ وبين شخص آخر تشبه مقارنة التفاح بالبرتقال. فالآخر لا يعيش حياتكم/نّ.
التركيز على الداخل: من المهم تقدير الكرم والتواضع والخير واللطف والمحبة، والتركيز على تطوير الصفات الداخلية التي تشكل الحياة البسيطة، وعندها ستفقد المظاهر الخارجية بريقها في نظركم/نّ، إذ إنه كلما وجدنا الجمال بشكل أسرع من الداخل، سنتوقف سريعاً عن مقارنة الأشياء من الخارج.
التفكير في أن الحياة ليست منافسة: هناك أوقات تكون فيها المنافسة مناسبة، لكن الحياة ليست واحدة منها. لقد اجتمعنا جميعاً على هذا الكوكب وكلما أسرعنا في التوقف عن التنافس مع الآخرين من أجل "الفوز"، كلما انكببنا على العمل معاً لمعرفة سبب تواجدنا على هذه الأرض.
لا يوجد أحد كامل: نحن نعيش في مجتمع يمجّد الكمال. ضعوا في الحسبان أن رفوف المجلات مليئة بالعارضين والمشاهير بوجوه مثالية، والتي تحكي قصصاً من جانب واحد عن انتصار كبير وإنجاز. إحدى الخطوات المهمة لتجنب إغراء المقارنة هي بالتذكر أن لقطة واحدة في الوقت المناسب لا تخبر القصة بأكملها، والحقيقة أنه لا يوجد أشخاص مثاليون، بما فيهم أنت وأنا.
التخطيط والحياة المدروسة: نعيش احياناً حياتنا بدون تفكير أو تخطيط، ونادراً ما نجد لحظة هادئة للجلوس للتأمل. نتيجة لذلك، فإن حياتنا تكون عبارة عن رد فعل على الأحداث من حولنا. ولكن عندما نتعلم كيف نعيش الحياة بشكل مدروس، تصبح لعبة المقارنة أقل جاذبية.
لماذا التمسك بأي عادة في حياتكم/نّ تعزز الشعور بالدونية وتحثكم/نّ باستمرار على الحسد والمنافسة والنزاع؟
من طبيعتنا كبشر أن نميل إلى مقارنة أنفسنا بالآخرين، لكن لا شيء جيد يأتي من لعبة المقارنة هذه، لذلك لا بدّ من التوقف عنها، والتفكير في أنفسنا أكثر بدلاً من التركيز على الآخرين. نحن لم نولد لنعيش حياتهم، وبالتالي لا فائدة من إهدار حياتنا أو طاقتنا بالغيرة والحسد. بدلاً من ذلك، لنبدأ في عيش حياتنا.
والحقيقة أن هناك شيء واحد نتفوق فيه على الآخرين: أن نكون نحن. هذه هي اللعبة الوحيدة التي يمكننا الفوز بها حقاً، وعندما نفكر بهذه الطريقة، يبدأ العالم بالظهور بشكل أفضل، فنصب كل تركيزنا وطاقتنا على ما نحن قادرون عليه الآن، وكيف يمكننا تحسين أنفسنا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...