هي قصة فتاة التحقت بالجيش الصيني بدلاً عن والدها كبير السن، متنكرة بزي رجل ويرافقها في رحلتها تنين أسطوري صغير الحجم. مولان التي شاركت في الحرب وأنقذت قائد الجيش وحياة كثيرين حظيت شخصيتها بشهرة عالمية، بعدما جاب الفيلم الكرتوني الذي أنتجته شركة "والت ديزني" عام 1998 العالم، ودُبلج إلى لغات عدة منها العربية.
سنوات طويلة مرّت قبل أن تقرر الشركة نفسها تحويل الفيلم إلى عمل سينمائي تُجسّده الفنانة الصينية ييفي ليو، والذي عوّلت "ديزني" على إنعاش منصتها من خلاله بميزانية وصلت إلى مئتي مليون دولار.
لكن الفيلم الذي انتظره كثيرون حول العالم بحماسة كبيرة، أثار جدلاً واسعاً لا يزال يتفاعل بسبب اتهامات طالت الفيلم بالتشجيع على انتهاك حقوق الإنسان، أو أقله غض النظر عنه.
في نهاية الفيلم، على سبيل المثال، لاحظ المشاهدون أن الشركة العالمية شكرت وكالة الأمن الحكومية الصينية في إقليم تركستان الشرقية، وهي نفسها الوكالة المتهمة باعتقال ملايين الإيغور وتعذيبهم.
إبادة ثقافية
في هذا السياق، اعتبرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في تقرير نشرته أن مولان الذي أنتجته "ديزني" أكثر مثال واضح على أن "كل الفن سياسة".
وقالت كاتبة التقرير جانيت ن ج: "القلب الفاسد لمولان كفيلم، ليس مسألة إنتاجه بل العودة إلى عرض الأساطير القومية الصينية الحالية كجزء من فيلم فوضوي ومربك وممل".
وفق الكاتبة، فإن الجانب السياسي في الفيلم لم يكن في إثارته النعرة القومية الصينية فحسب، لكن في محاولته تحسين صورة إقليم "شينجيانغ - تركستان الشرقية" الذي تم تصوير أجزاء كبيرة من مولان فيه، وهو الإقليم ذاته الذي يشهد انتهاكات جماعية مستمرة ضد الأقليات العرقية.
ولفتت المجلة إلى أن الشركة لم تشكر فحسب مكتب الأمن العام، وهو أحد الجهات الرئيسية التي تدير معسكرات الاعتقال بحق الإيغور، وتفرض الرقابة عليهم وتستجوبهم، بل شكرت إدارة الدعاية في الإقليم التي شنت حملة برّرت فظائع النظام الصيني.
ووصفت جانيت ن ج الفيلم بأنه "نوع من الإبادة الثقافية"، وذلك من خلال محاولته شكر إدارة الأمن والدعاية، ثم أن فكرة تصوير الفيلم في هذا الإقليم رسالة تستهدف إثارة القومية الصينية ضد الأقليات وتجييشها.
ورأت الكاتبة أن التصوير في شينجيانغ كان يستهدف نقل رسالة مفادها أن الإقليم جزء لا يتجزأ من الصين، يجب أن تدافع عنه مولان من أجل والدها وعائلتها وإمبراطورها، كما كان الإسقاط واضحاً جداً في الفيلم مثلاً عند رؤية أنصار قائد جيش الأعداء في الفيلم يرتدون زياً أسوداً على أساس أنهم قتلة من الشرق الأوسط، وهو ما يعزز الإسلاموفوبيا.
في نهاية فيلم "مولان" الجديد، لاحظ المشاهدون أن الشركة العالمية شكرت وكالة الأمن الحكومية الصينية في إقليم تركستان الشرقية، وهي نفسها الوكالة المتهمة باعتقال ملايين الإيغور وتعذيبهم
اللافت أن انتقادات الفيلم لم تقتصر على تصويره في منطقة تشهد انتهاكات حقوقية، بل أثار اختيار ييفي ليو لتؤدي دور مولان والفنان دوني ين ليؤدي دور قائد الجيش تونغ الانتقادات كذلك، لأن الاثنين عبّرا في مناسبات مختلفة عن دعمهما لشرطة هونغ كونغ ضد الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في الإقليم، ما أدى إلى تدشين حملة مقاطعة للفيلم عبر الإنترنت.
وأطلق ناشطون مناهضون للصين في هونغ كونغ على الناشطة المؤيدة للديمقراطية المحتجزة من قبل بكين أغنيس تشاو لقب "مولان الحقيقية".
وغرّد الناشط جوشوا وونغ من هونغ كونغ: "عندما تشاهد مولان، فأنت لا تغض الطرف فقط عن وحشية الشرطة والظلم العنصري، لكن من المحتمل أيضاً أن تكون متواطئاً في الاعتقال الجماعي للمسلمين الإيغور".
انتقادات للفيلم
أثار الفيلم الذي تم عرضه للبيع عبر الإنترنت في الولايات المتحدة وأوروبا الأسبوع الماضي، انتقادات حادة لشركة "ديزني" من قبل أعضاء في الكونغرس الأمريكي.
في هذا الإطار، أرسل السيناتور جوش هاولي رسالة إلى الرئيس التنفيذي لشركة "ديزني" بوب تشابك يدين فيها الشركة لما وصفه بـ"تبييض الإبادة الجماعية المستمرة للإيغور والأقليات العرقية المسلمة الأخرى من خلال إنتاج مولان".
وانتقد السناتور توم كوتون "ديزني" في تغريدة على تويتر قائلاً: "عملاق الترفيه مدمن على الكاش الصيني وسوف يفعل أي شيء تقريباً لإرضاء الحزب الشيوعي".
في العام الماضي وضعت الإدارة الأمريكية الحالية قسم الشرطة في شينجيانغ، والذي شكرته الشركة، على القائمة السوداء التي تحظر على الشركات الأمريكية بيع أو توريد المنتجات له.
وقال أستاذ جامعة جنوب كاليفورنيا وخبير شؤون الصين ستانلي روزين: "لن يفاجئني أن أرى ديزني تُدعى للإدلاء بشهادتها في واشنطن حول سياساتها الصديقة للصين، وكيف يمكنها التوفيق بين ذلك والاعتبارات الأخلاقية واعتبارات السياسة الخارجية الأمريكية".
وأضاف روزين: "سيؤدي ذلك إلى وضع ديزني في موقف غير مريح لأنهم لا يستطيعون - مالياً - إزعاج الصين، لكنهم أيضاً لا يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم ‘كلب يركض‘ نحو الصين".
"عندما تشاهد مولان، فأنت لا تغض الطرف فقط عن وحشية الشرطة والظلم العنصري، لكن من المحتمل أيضاً أن تكون متواطئاً في الاعتقال الجماعي للمسلمين الإيغور"
وتوقع روزين أنه مع بدء مقاطعة الفيلم في هونغ كونغ، سيذهب الناس في الصين عن عمد لمشاهدة الفيلم للاحتجاج على المقاطعة، معلقاً بـ"كل هذا يمكن أن يفيد الفيلم بالفعل".
وأنفقت الشركة أيضاً عشرات الملايين من الدولارات على تسويق "مولان"، بالإضافة إلى ميزانية الإنتاج الضخمة، ومع ذلك تتوقع شبكة "بلومبرغ" الأمريكية أن يكون من الصعب على الشركة استرداد استثماراتها.
لم تُصدر ديزني أرقاماً عن عمليات شراء الفيلم عبر الإنترنت، على الرغم من أن البيانات الواردة من جهات خارجية تشير إلى وجود الكثير من الاهتمام من قبل الجمهور.
وبحسب "بلومبرغ"، لن تكون عائدات شباك التذاكر في الصين ثاني أكبر سوق للأفلام في العالم حالياً، متاحة حتى نهاية الأسبوع.
ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، ترى "ديزني" أن الصين ضرورية لتوسيع أعمالها، وكان من المتوقع أن تتجاوز عائدات شباك التذاكر في الصين الولايات المتحدة عام 2020، حتى قبل انتشار جائحة فيروس كورونا.
ويعتقد البعض، مثل روزين، أنها ستحقق نتائج جيدة هناك في حال عادت المسارح ودور العرض الصينية إلى العمل مجدداً بعد الإغلاق بسبب فيروس كورونا.
بحسب "بلومبيرغ"، فإن بعض مستخدمي شبكة "Weibo"، وهي أكبر منصة للتواصل الاجتماعي في البلاد، تطرقوا إلى الجدل في منشوراتهم حول الفيلم وأعربوا عن دعمهم له.
وقال أحد المستخدمين: "القوى الغربية المعادية للصين وقوى استقلال هونغ كونغ وتايوان وغيرها تنشر الكراهية ضد القوة الناعمة للصين باستخدام شينجيانغ".
وقررت ديزني عرض الفيلم بصورة مختلفة تماماً عبر منصتها "ديزني بلس" بمقابل مادي إضافي هو 30 دولاراً، وفي البلاد التي لا تعمل بها المنصة -مثل الشرق الأوسط- يتم عرض الفيلم سينمائياً.
تعليقات عربية
في العالم العربي، اهتمت وسائل الإعلام والناشطين على مواقع التواصل بالجدل الذي أثاره الفيلم عالمياً، وبينما دعا فريق إلى مقاطعة الفيلم، ثمة من قارن بينه وبين فيلم "علاء الدين".
ومن بين ما كُتب عن الموضوع أن صناع فيلم "علاء الدين" في شركة "ديزني" أصروا على اختيار ممثل ذو أصول عربية في دور البطولة وهو مينا مسعود، لكن في الوقت ذاته أخذ الجانب البصري للفيلم طابعاً هندياً بصورة واضحة للغاية، في إشارة لعدم اهتمام المشاركين في العمل بالتعرف على الثقافة التي تعود إليها قصة علاء الدين، وخلطهم بين كل ما هو شرقي سواء كان عربياً أو هندياً.
أما فيلم مولان فقد أظهرت فيه الشركة اهتماماً كبيراً بتفاصيل الثقافية الصينية، بداية من الديكورات وتصميم الأزياء وتسريحات الشعر، وطرق القتال.
وانتقد متابعون عرب بدورهم تصوير الفيلم في الإقليم الذي شهد انتهاكات ضد الإيغور، إذ غرّدت غيم بنت محمد: "تخيلوا إنهم مصورين فيلم مولان في المنطقة اللي الصين ترتكب فيها جرائم الإيغور"، مضيفة "حالياً في حملة مقاطعة عليهم في أمريكا، أتمنى إحنا نقاطعه ومحد يروح له".
وعبّر البعض عن عدم إعجابهم بالفيلم، إذ كتب سلطان في تغريدة على تويتر: "أمس شاهدت فيلم مولان في السينما ولكن الفيلم توجد به اختلافات كثيرة عن فيلم الكرتون وتمنيت أنهم لم يحرفوا في القصة و الموسيقى وشخصية موشو كان لها قيمة في الكرتون".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...