"أحب هذه الأغنية جداً، لكن يا ترى هل تساءل كاتبها عن مدى حرية المرأة العربية في الضحك؟ لا أظن ذلك، فصاحبات الضحكة العالية مثلي يتهمن بقلة الأدب وقلة الاحترام، بل حتى بالعهر أحياناً".
وتضيف منى: "لا معايير ولا تقييدات خلقت مع الضحك، لكن بعض المجتمعات العربية وضعتها لتُفقد ذلك الشعور النبيل حريته، ولتوقفه حد الحنجرة، خاصة بالنسبة للنساء، فليس من حقهن إطلاق العنان لضحكاتهن النابعة من الأعماق، وإن فعلن حتى دون قصد تتوجه لهن نظرات اللوم والاستنكار من كل صوب وحدب".
"أنا من كوكب الضحك"
الضحك هو شكل من أشكال التعبير عن السعادة والبهجة، وهو سلوك إنساني طبيعي، يتميز به الإنسان عن غيره من الكائنات الحية، فقد عرّف الفيلسوف اليوناني أرسطو الإنسان بـ"المخلوق الضاحك".
يضحك الرجل العربي ويقهقه كما يشاء، فالقيود المفروضة على الضحكة لا تشمله، بل تقتصر على المرأة التي تعاني بشكل مستمر من سلب حريتها بشتى الطرق، وكبت حرية الضحك يمكن أن يكون أشدها، باعتباره سلوكاً طبيعياً يريح النفس، وينبع من كل نقطة في جسدها، لكنه يختنق فجأة ويسكت صوته، بفعل النظرات اللوامة والنواميس المفروضة على ضحكة المرأة.
"أحب أغنية "علّي الضحكاية" لهاني شاكر، لكن يا ترى هل تساءل كاتبها عن مدى حرية المرأة العربية في الضحك؟ لا أظن ذلك، فصاحبات الضحكة العالية مثلي يتهمن بقلة الأدب"
"يضايقني أهلي عندما أطلق ضحكتي الرنانة النابعة من الأعماق، وفي بيتنا ضيوف رفيعو المستوى، هل تعكس ضحكتي مستوى منحط يا ترى؟"، تتساءل سوسن (29 عاماً)، إعلامية من تونس.
وتروي سوسن قصتها مع الضحك، قائلة لرصيف22: "أضحك بصوت عال، وهي ضحكتي الطبيعية التي ورثتها عن عمي وأبي، تقول لي صديقتي إن سبب تأخري في الزواج هو ضحكتي العالية التي تنفّر الرجال، وينظر لي الناس في الشارع كأنني كائن قادم من كوكب آخر، خاصة وأنني محجبة".
"عندما أضحك أنسى العالم".
تقول سوسن ضاحكة: "حسناً، سوف أجيبهم، فعلاً أنا من كوكب الضحك، فعندما أضحك أنسى العالم المحيط بي، وأحس بانطلاق وفرح شديدين، بل أشعر أنني أطير. لدي زميل ألماني يقول دائماً إن ضحكتي تنشر البهجة والفرح وتضيء المكان... بربك هل هناك شعور أفضل من هكذا شعور؟".
عانت عبير اسم مستعار (33 عاماً)، فلسطينية من نابلس، هي الأخرى من ردود أفعال المحيطين بها على ضحكتها، تقول لرصيف22: "أنا متزوجة، ومنذ طفولتي أحب الضحك، وضحكتي عالية نوعاً ما، وقبل الزواج كنت أُلام كثيراً على الضحك بصوت عال، وبعده اشتد الخناق علي أكثر، حتى إني ضحكت ذات مرة في منزل حماتي، فنظرت إلي شزراً وقالت بالحرف الواحد: أنا لو مكان ابني بطلقك بسبب ضحكة الفاجرات هاي".
"طردني عمي بسبب ضحكتي"
يتشدد الكثير من الرجال في المجتمعات العربية ضد المرأة الضاحكة، ويصمون ضحكتها بالعيب، الحرام والفضيحة. تقول ستنا (24 عاماً)، طالبة من السودان، لرصيف22: "لا نضحك براحتنا مطلقاً، لا في الجامعة ولا في الشارع ولا حتى بالبيت".
وتروي ستنا كيف طردها عمها من منزله ذات مرة بسبب ضحكتها العالية، بحجة أنها فضحته أمام الجيران، وحظر على ابنته المشي معها في الشارع.
طارق (30 عاماً)، موظف بالبريد من تونس، استشاط غاضباً عند سؤاله عن رأيه في الفتاة التي تضحك بصوت عال، وقال لرصيف22: "بكل بساطة هي غير محترمة، ولا تعرف أخلاقيات المجتمع الذي تعيش فيه، لدي صديق صفع خطيبته بالشارع بسبب القهقهة العالية أمام الناس".
ويختلف معه محمود، صحفي فلسطيني، حيث يرى أن المجتمعات التي تعيب الضحك هي مجتمعات "متخلفة"، يقول لرصيف22: "إنه سلوك طبيعي يعبر عن سعادة الشخص وفرحه المفرط، ولا أرى في ضحك الفتاة أي عيب، بما أنه فعل تلقائي وعفوي وغير مصطنع، فلماذا نمرر كل ما هو حلو؟".
"الضحك مسكّن للآلام"
تفسر الطبيبة في علم النفس، جمانة حمدي، نظرة المجتمعات العربية السلبية للضحك أنها لا تقتصر على الضحك في حد ذاته، بل إنها تعتبر "أي ملمح من ملامح التفاعل الاجتماعي التي تحاول السيدة إظهاره على أنه عيب وغير مرحب به، والضحك هو واحد من ضمن تلك الملامح غير المرغوبة منذ بداية الأديان، التي بطبيعتها قائمة على كون الإنسان يجب أن يكون مقدراً لمشاعر الحزن، ولا يعبر عن الفرح، لأن ذلك يعتبر نوعاً من التفاخر، وهو غير مقبول في الأديان. إضافة إلى الثقافة المجتمعية التي تفكر أن الإنسان إذا ضحك كثيراً ستحدث مصيبة بعد ذلك، وكأن الضحك ليس علامة سعادة بل هو علامة على شؤم آت، وهذا التفكير متفش في جميع المجتمعات العربية المثقفة منها وغير المثقفة".
سألت فتاة في أحد مواقع الفتوى الإسلامية التابع لكلية الشريعة في جامعة فلسطينية: "هل يحل للمرأة رفع صوتها بالضحك مع صديقاتها في الجامعة؟" فجاء الرد كالتالي: "تعارف الناس منذ القدم بأن رفع الصوت لغير حاجة رعونة وإيذاء للسامع، هذا الحال بالنسبة للرجال، وهم عادةً من يملؤون المجالس العامة والخاصة صخباً وكلاماً، فكيف بالنسبة للنساء، وهن المطلوب منهن بطبيعتهن أن يكنَّ أكثر خجلاً وحياء وغضاً للأصوات والضحكات؟! لا شك بأن رفع الصوت والضحك منهن سيكون أكثر سوءاً وأشد قبحاً"، على حد تعبير موقع الفتوى.
يقول محسن (40 عاماً)، تاجر من تونس: "الدين حرم ضحك المرأة لأنه منكر وعيب، ومن ترفع صوتها بالمجالس غير مؤدبة، فما بالك بالضحك والقهقهة التي تلفت الأنظار".
"يضايقني أهلي عندما أطلق ضحكتي الرنانة النابعة من الأعماق، وفي بيتنا ضيوف رفيعو المستوى، هل تعكس ضحكتي مستوى منحط يا ترى؟"
ويشرح الكاتب الصادق نيهوم، في كتابه "الحديث عن المرأة والديانات"، كيف استغل الرجل الدين لإضعاف المرأة، وميّز الكاتب بأن الظلم من عمل الإنسان وحده، والدين لا يمكن أن يتسبب في إيذاء البشر.
وعن فوائد الضحك على الصحة النفسية، تقول جمانة حمدي لرصيف22: "الضحك يفرز هرمون الأندروفين، الذي يقلل من إحساسنا بالألم، يعزز خلايا المخ ويحفز العواطف والإثارة والإحساس بالسعادة، لكن للأسف تحول الضحك من سلوك تلقائي لطيف يعبر فيه الناس لبعضهم البعض عن الامتنان أو الفرح إلى سلوك غير لائق، وهذا ما اكتسبه المجتمع عن هذا الفعل اللطيف الذي لا يؤذي أحداً، بل بالعكس هو يساعد على إفراز هرمونات تسبب راحة للجسم، وتعتبر مسكنات للألم".
"أن تضحك معناه أن تعيش بعمق"، هكذا عرف الروائي الكبير ميلان كونديرا الضحك في روايته "كتاب الضحك والنسيان"، في إشارة منه إلى دور الضحك في جعل الفرد يحس بحياته ويعيشها، دون الاهتمام باليومي الذي يحمل اليأس والخيبة والفشل والمشاكل وغيره من الأمور التي تؤثر سلباً على النفس البشرية، فلماذا إذن تحظر كثير من المجتمعات العربية على المرأة أن تضحك، بالطريقة التي تفضلها، وتحبها، أو أن "تعيش بعمق".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...